مقالات

ثقوب في قرار مجلس الامن الدولي الاخير بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

ثقوب في قرار مجلس الامن الدولي الاخير
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
اصدر مجلس الامن الدولي قراره في 22 ديسمبر 2023 بخصوص الحرب في غزة ، لكن القرار مصاغ بكيفية تجعله قابلا للتأويل في جوهره وفي تفاصيله ، كما ان القرار لا يتضمن اية اجراءات بحق من يتجاوزه ، فعند النظر في ديباجة القرار(وهي جزء من القرار) والنقاط ال 16 التي تضمنها يتبين ما يلي:
1- يقول نص القرار : ” تعليق انساني مؤقت وعاجل وممتد لاطلاق النار وممرات في جميع أنحاء قطاع غزة لعدد كاف من الأيام لتمكين وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق ولتمكين جهود الإنقاذ والإنعاش العاجلة”.
والملاحظ ان التعبير الانجليزي ورد بصيغة (extended humanitarian pauses) وليس بصيغة (extended humanitarian truce )، فالاولى تنحصر في مدلولها القانوني على الامتناع عن العمل العسكري الذي يضر الجوانب الانسانية ، بينما لا تتضمن قانونيا وبأي شكل من الأشكال الامتناع عن اطلاق النار في المواقع العسكرية، وهو ما سيبقي المجال امام اسرائيل مفتوحا للاستمرار في الحرب وضرب اي هدف تحت ذريعة “انه يستخدم لاغراض عسكرية( فاي منزل يمكن القول ان القيادة تجتمع فيه او انه مركز اتصالات عسكري ،وان المستشفى تحته نفق للمقاومة ، والمدرسه تحتها مصنع سلاح…..الخ).
2- يقول القرار: “يؤكد أن قطاع غزة يشكل جزءا لا يتجزأ من الأرض المحتلة عام 1967، وإذ يكرر رؤية حل الدولتين، حيث يكون قطاع غزة جزءا من الدولة الفلسطينية”.
ولا شك ان اسرائيل بخاصة حكومتها اليمينية الحالية لن تتقبل هذا النص ، لكن النص يخلو من اية اجراءات عقابية بحق من لا يلتزم بهذا النص.
3- ينص القرار: ” وإذ يحيط علماً بالقرار الذي اتخذته حكومة إسرائيل في 15 كانون الأول/ديسمبر 2023 بفتح معبرها في كرم أبو سالم / كيرم شالوم لإيصال المساعدات الإنسانية المباشرة إلى المدنيين الفلسطينيين في غزة …….مع تأكيد طبيعتها الإنسانية وضمان وصولها إلى وجهتها المدنية.
وهنا نود ان نتوقف عند عبارة “طبيعتها الانسانية”، ويكفي هنا التذكير بان الولايات المتحدة عند حصارها للعراق بعد مشكلة الكويت كانت تمنع دخول حليب الاطفال بحجة أنه مادة يمكن استخدامها ” لتطوير تجارب الاسلحة الجرثومية” ، لذا كانت ترفض امريكا ادخال حليب الاطفال، ويمكن لاسرائيل ان تستخدم نفس الحجة في جوانب أخرى مثل أن انابيب شبكات المياه تدخل ضمن الاغراض العسكرية لان الانبوب يمكن تحويله الى مدفع هاون، او ان اية مادة كيماوية يمكن التذرع بانها : تستخدم في انتاج المتفجرات او ان الاسمنت هو لترميم الأنفاق التي تم تدميرها أو أن الوقود يجب حصره في المؤسسات المدنية ومراقبتها لانها قد تذهب للمقاومة لتشغيل مصانع الاسلحة، او ان سيارات الاسعاف الفلسطينية تنقل ذخائر او تهرب مواد محظورة…الخ…فشايلوك لا تعوزه الحيل.
4- ينص القرار على ” تعيين منسق للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار يكون مسؤولاً عن التيسير والتنسيق والرصد والتحقق …من الطبيعة الإنسانية لجميع شحنات الإغاثة الإنسانية إلى غزة المقدمة من خلال دول ليست طرفاً في النزاع،”
ومن المؤكد ان الولايات المتحدة واسرائيل وبعض الدول الاوروبية ستحاول ان يكون هذا المراقب ممن هم اقرب لموقفهم، وما يجعلني اميل لذلك ان موقف اسرائيل والولايات المتحدة هو موقف عدائي من الامين العام غوتيرش،وهو ما يدفع شايلوك الى الاعتراض او التشكيك المسبق بهذا المنسق او خلق مشكلات له ،او اثارة الاعلام عليه لدفعه لمداهنة اسرائيل في تقاريره.
5- ينص القرار على ” أن يقدم المنسق تقريراً إلى مجلس الأمن عن مهامه، مع تقديم تقرير أولي خلال 20 يومًا وبعد ذلك كل 90 يومًا حتى 30 سبتمبر 2024″
وهنا لا بد من التوقف عند الفترة النهائية لعمل المنسق وهو نهاية سيبتمبر العام القادم، فلماذا؟
أ‌- ان الدورة العادية للأمم المتحدة تعقد في سيبتمبر من كل عام ، وبالتالي يبقى عمل المنسق الى تلك الفترة لان مجلس الامن والجمعية يكونان في حالة عمل مما يجعل عمل المنسق مندمج في النشاط الدوري.
ب‌- يبدو ان التقديرات في دوائر الامم المتحدة ان “عقدة غزة الحالية ” لن تحل قريبا وتحتاج لشهور عدة ، وان عملية البناء في غزة (إذا افترضنا الشروع فيها) ستواجه الكثير من العراقيل مما يستوجب ان تبقى الامم المتحدة مستعدة لكل طارئ مسترشدة بتقارير المنسق في هذا المجال، وقد يجري تمديد ولايته ثم تتناساه الأحداث على غرار اللجنة الرباعية التي اوكل لها تسوية الصراع لكنها لم تجتمع منذ عام 2021.
6- طالب المجلس في قراره ” بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، فضلا عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية لتلبية الاحتياجات الطبية لجميع الرهائن”
والملاحظ ان القرار استخدم تعبير (Hostages) ولم يستخدم تعبير سجناء أو اسرى او معتقلين (Prisoners – captives- detainees)، وهنا يبدو وكأن المعنى المقصود هو فقط الرهائن الاسرائيليين واعتبار العسكريين منهم رهائن لا اسرى، أي ان عشرات آلاف الاسرى او المعتقلين الفلسطينيين ليسوا ضمن من يطالب القرار بالافراج عنهم ، ونعتقد ان على الطرف الفلسطيني ان يتمسك بتفسير هذا النص في ضوء المادة الثالثة من اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 من ناحية ، والاخذ من ناحية ثانية بتوصيف مؤسسة هيومان رايتس ووتش(Human Rights Watch) بان الحرب القائمة في غزة هي حرب “غير دولية(non-international)، وعليه، فان كل من اعتقلتهم اسرائيل في هذه الحرب هم رهائن بما في ذلك من تم اعتقالهم في الضفة الغربية وبخاصة ان هذا القرار من مجلس الامن يتضمن نصا صريحا على ان الضفة الغربية وغزة :وحدة واحدة”.
اما العسكريون ، فان القانون الدولي العرفي يسمح بتبادل الاسرى العسكريين طبقا للوقائع الدولية المتكررة وبخاصة بين اسرائيل والدول العربية والمنظمات الفلسطينية وحزب الله، فهناك منذ 1967 ما مجموعه 19 حالة تبادل عربية اسرائيلية ودون مراعاة التساوي في الاعداد ،مما شكل سابقة قانونية يمكن اعتبارها جزءا من العرف القانوني الدولي.
7- يطالب المجلس ” بتوفير الوقود لغزة بالمستويات التي تلبي الاحتياجات الإنسانية المطلوبة.”، وهنا يجب ان يصر الطرف الفلسطيني على تقديم وثائق رسمية عن معدل انفاق قطاع غزة “المدني” من الوقود في مرحلة ما قبل الحرب، وان يتم ادخال كميات من الوقود مساوية لما كان عليه المعدل قبل الحرب، والا فان اسرائيل ستحاول اعتبار اية كميات قليلة كافية.
8- يؤكد المجلس على ” التزامه الثابت برؤية الحل القائم على وجود دولتين، حيث تعيش دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنبًا إلى جنب في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، بما يتوافق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ويشدد في هذا الصدد على أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية في ظل السلطة الفلسطينية”.
وهنا من الضروري ان يربط الطرف الفلسطيني هذا الحل بضرورة تغيير الواقع القائم وبخاصة تفكيك المستوطنات في الضفة الغربية( فهي وغزة وحدة واحدة طبقا لمنطوق القرار الدولي) والتي هي ضمن حدود الدولة الفلسطينية المفترضة ، وهو امر ستجد اسرائيل نفسهما امام معضلة ،فان قبلته ستشتعل حرب اهلية بين المجتمع الاسرائيلي وبين المستوطنين في الضفة الغربية( وعددهم الآن يساوي عدد سكان اسرائيل عند اعلانها)، او سترفض وسيزداد حرجها امام المجتمع الدولي وسيكون لذلك تداعياته على المدى الزمني المتوسط والبعيد.
أخيرا، أعلم ان القوة وفن إدارة الصراع كأحد اهم مقومات القوة هي الاساس، ولكن يف ندير الصراع والمندوب الروسي في مجلس الامن الدولي يقول حول القرار ما نصه حرفيا : “لو لم تحظ هذه الوثيقة بدعم عدد من الدول العربية، لكنا بالتأكيد استخدمنا حق النقض ضدها واننا ننطلق دائما من أن العالم العربي نفسه قادر على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية الكاملة عنها. وهذا هو السبب الوحيد لعدم عرقلتنا هذه الوثيقة، وأن روسيا “تختلف بشكل قاطع” مع محتوى القرار وأن “المسؤولية عن جميع العواقب المحتملة ستقع على عاتق تلك الدول التي أعطت موافقتها على نسخته التي دفعت بها الولايات المتحدة.”…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب