تحقيقات وتقارير

الكويت تودع الـ2023 على وقع تحولات سياسية كبرى: عهد جديد مليء بالتحديات الداخلية وسمات التغيير

الكويت تودع الـ2023 على وقع تحولات سياسية كبرى: عهد جديد مليء بالتحديات الداخلية وسمات التغيير

الكويت ـ «القدس العربي»: ثمّة كلام كثير عن أنَّ الكويت تخلّفت عن اللحاق بركب شقيقاتها في دول الخليج التي شقّت طريقها نحو خطوات متسارعة في مجال التنمية الاقتصادية وسياسات الانفتاح بعدما غادرت زمن الانغلاق والتشدّد الديني، حتى إنَّ البعض ذهب إلى اعتبار أنَّ الديمقراطية الكويتية التي تتميّز بها تلك الإمارة أضحت نقمة على أبنائها بعدما كانت نعمة، ذلك أنَّ مصطلح التأزم بات سمة المشهد السياسي وسط علاقة متوترة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لسنوات شلَّت البلاد، ما حدا بولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح نيابة عن أمير البلاد الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح في الثاني والعشرين من حزيران/يونيو 2022 إلى توجيه خطاب إلى الكويتيين عُرف بخطاب «العهد الجديد» الذي جاء ليرسم «خريطة طريق» للخروج من الانسداد الحاصل، ارتكزت يومها على حلّ مجلس الأمة المنتخب في العام 2020 برئاسة مرزوق الغانم، وإجراء انتخابات، ودعوة الشعب لتحمّل مسؤولياته في عملية تصحيح مسار المشهد السياسي باختيار التمثيل الصحيح لتحقيق المصلحة العليا، وإعلان القيادة العليا أنها لن تتدخل في اختيارات الشعب لممثليه، ولا في اختيارات مجلس الأمة المقبل لرئيسه أو لجانه المختلفة ليكون سيّد قراراته، ولا بدعم فئة على حساب فئة أخرى، بل ستقف من الجميع على مسافة واحدة.

نفّذت القيادة العليا للبلاد ما وعدتْ به من ناحية البقاء على الحياد، بعد انتخابات 29 أيلول/سبتمبر 2022 التي عزف عن خوضها مرزوق الغانم، والتي شهدت عودة أحمد السعدون متزعماً المعارضة لما عُرف بـ«تحالف الرئيسين» (خالد الصباح – المرزوق) وتقدُّم الإسلاميين الذين توعّدوا بالدفع نحو إجراءات دستورية تهدف إلى «أسلمة الدولة» تطبيقاً لـ«وثيقة القيم الإسلامية» التي ترشّحوا على أساسها. فنأت بنفسها عن التصويت في انتخابات رئيس مجلس الأمة ونائبه ولجانه، رغم أن الوزراء غير المنتخبين هم أعضاء في المجلس بحكم مناصبهم. وأكملت خطواتها على طريق تصحيح المسار في خطاب «وثيقة العهد الجديد» في افتتاح أعمال مجلس الأمة 2022 حين توجّه ولي العهد إلى النواب بألاَّ تتم المزايدة أو المساومة على القوانين التي تتعلق بمصالح البلاد وأمنها، أو القوانين المتعلقة بمصالح المواطنين بهدف الحصول على مكاسب شخصية، ودعاهم إلى ضرورة ترتيب أولوياتهم للمرحلة المقبلة، بحيث لا تكون ملفات المتطاولين، والمخالفين، والخارجين على القانون، من أولوياتهم على حساب خطط التنمية الشاملة للدولة.

ثمار إيجابية مؤقتة

لم تأتِ التجربة بثمار إيجابية، إذ ما لبثت العلاقة بين حكومة أحمد نواف الأحمد الصباح، الابن البكر للأمير، ومجلس أمة 2022 برئاسة السعدون، أن تأزَّمت بعد أشهر قليلة على خلفية مشاريع قوانين شعبوية رفضتها الحكومة، وفي مقدمها مشروع قانون إسقاط قروض الكويتيين المتعثرة. ولكن حصل في 19 آذار/مارس 2023 أنَّ المحكمة الدستورية أصدرت حكماً قضى ببطلان مجلس أمة 2022 وأعادتْ مجلس 2020 المنحل بمرسوم أميري، الذي عاد ولي العهد – المناط به صلاحيات الأمير – وحلّه مرة ثانية في نيسان/أبريل 2023، لتُجرى في السادس من حزيران/يونيو انتخابات برلمانية جديدة، ويعود «مجلس أمة 2023» بـ76 في المئة من نواب مجلس 2022 المُبطل.
ثمة قوسين لا بدَّ من فتحهما: السمة التي طبعت الكويت، منذ أن تولّى نواف الأحمد الجابر الصباح الحكم في 29 سبتمبر/أيلول 2020 كانت تقضي بالعمل على فك الاشتباك الحكومي – النيابي وطي صفحة الخلافات، والخروج من مرحلة الاحتقان السياسي الذي تسبَّبت بجانب منه أحكام قضائية على خلفية قضايا سياسية، فكان مؤتمر للحوار وإنشاء لجنة لوضع ضوابط للعفو عن المدانين. وكان أن صدر أكثر من مرسوم أميري في هذا الشأن، بما أراح الأجواء السياسية.
بدتِ العلاقةُ بين مجلس 2023 وحكومة نواف الأحمد الصباح على قدر من التناغم مع تحوّل المعارضة النيابية إلى غالبية، وما قيل عن الاتفاق على «خريطة طريق» تؤمِّن حالاً من الوئام والتوافق والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعدما تحوَّل «حق الاستجواب» إلى سلاح بيد بعض النواب والكتل للي ذراع الحكومة تحقيقاً لأجندات شعبوية أو شخصية، ما يدفعها إلى التنازل والمساومة في معركة صراع على البقاء.
بين هزّ الشباك وكفّ يد الحكومة
مضت خمسة أشهر من عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، فأتى يوم افتتاح العقد السنوي لمجلس الأمة في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ليُشكّل يوماً للمكاشفة، من خلال خطاب لولي العهد بالنيابة عن أمير البلاد في قاعة سالم الصباح لكل من الشعب الكويتي والحكومة والبرلمان. أعاد في البداية مطالبة الكويتيين بمحاسبة ممثليهم لضبط المشهد السياسي وتقويمه وتعديله وتصحيح اعوجاجه، ولمنع تلطّي النواب وراء مطالب ظاهرها شعبيّ وباطنها مصالح شخصية. ثم خاطب النواب، فدعاهم إلى «ضرورة الارتقاء بالممارسة النيابية بترك وعدم تبنّي صغائر المسائل والأمور التي لا تشكّل اهتمام المواطنين» و«البُعد عن تقديم مشاريع واقتراحات ومطالب بحجة أن المواطنين يريدونها» وكذلك «البُعد عن توجيه الأسئلة البرلمانية التي تحتاج الإجابة عنها إلى فصل تشريعي كامل، وعدم اتخاذ الاستجواب كسلاح ضغط وتهديد، وعدم تأجيج الشارع وإشغال المواطنين والرأي العام بمسائل وأمور جانبية وهامشية معروفة سلفاً بعدم مصداقيتها». وانتقد أداء الحكومة الذي لم يُلامس طموحات وتطلعات المواطنين رغم دعم القيادة السياسية لها، وما زالت تحكم عملها صفة التردُّد في اتخاذ القرارات والبطء في التنفيذ وعدم تنفيذ برامج عملها. ولكنه، بعد المصارحة، عاد ليحضَّ كلتا السلطتين على ضرورة فتح صفحة جديدة أساسها التعاون والتفاهم والتشاور، وقوامها البُعد عن التعصُّب والتناحر والمصالح الشخصية.
قرأ متابعون مصارحة ولي العهد بأنها استشعارٌ من القيادة العليا للأخطار التي تُحيط بالبلاد. وذهب هؤلاء حينها إلى اعتبار أنَّ أيام الحكومة ومجلس الأمة شارفت على الانتهاء. كان يمكن أن يُشكِّل خطاب 31 تشرين الأول/أكتوبر يقظة سياسية وحافزاً جديداً لتصحيح المسار، لكن ما تلاه من أيام أظهر عكس ذلك، إذ جاء قرار الشيخ مشعل في 6 كانون الأول/ديسمبر بوقف قرارات التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة في جميع أجهزة الدولة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، ليعكس حالاً من المواجهة الصامتة التي تدور مع الحكومة وسط تكاثر الحديث عن محاولات بعض القوى للإمساك بمفاصل الدولة في إطار الصراع على النفوذ والسلطة، وتنامي الكلام عن صفقات جرت بين بعض من الحكومة والبرلمان لعبور آمن لاستجواب قدَّمه مهلهل المضف في 16 تشرين الثاني/نوفمبر ضد رئيس الوزراء مُرتكَزه «التراجع عن مضامين خطاب العهد الجديد، وتخبّط السياسات العامة للحكومة، والتهرّب من الإجابة عن الأسئلة البرلمانية، والتذرُّع بعدم دستوريتها» حُدِّد موعده في 28 تشرين الثاني/نوفمبر.

وفاة الأمير و«زلزال» خطاب القَسَم

حالة الترقّب التي خيَّمت على الساحة الكويتية تضاعفت مع وفاة الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح في 16 كانون الأول/ديسمبر ومبايعة ولي العهد أميراً للبلاد الذي جاء خطاب قسمه أمام مجلس الأمة بعد أيام (20 كانون الأول/ديسمبر) ليقلب المشهد الكويتي رأساً على عقب، وليضع الكويت في مرحلة انتظار لما هو آتٍ.
شكَّل الخطاب زلزالاً سياسياً. قال إنّه أطاعَ شقيقه الأمير الراحل في جميع القرارات والتعليمات، من دون أيّ اعتراض، رغم عدم اقتناعه ببعضها. ولفت إلى أن تحذيراته السابقة والمتكرّرة لم تلقَ آذاناً صاغية لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية، متّهماً إيّاهما بأنّهما «تعاونتا واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد» وأبرمتا «صفقة تبادل مصالح ومنافع على حساب مصالح الوطن والمواطنين». توقف عند ملفات حساسة تحوَّلت إلى ألغام، منها ملف التعيينات في بعض الوظائف «التي لا تتّفق مع أبسط معايير العدالة والإنصاف» (والذي جمّده) ومنها ما حصل في ملفّ الجنسية من تغيير للهويّة الكويتية، وما حصل في ملفّ العفو (الذي صدر في 27 تشرين الثاني/نوفمبر) وما ترتّب عليه من تداعيات، وما حصل من تسابق إلى ملفّ ردّ الاعتبار لإقراره، وهي ملفات شهدت «عبثاً مبرمجاً»، وتُشكِّل «خير شاهد ودليل على مدى الإضرار بمصالح البلاد والمكتسبات الوطنية».
ما أن أنهى الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح خطابه، حتى قدَّم رئيس الوزراء نواف الأحمد استقالة حكومته، فقبلها.

استحقاقات في صلب التغيير

يرى مراقبون أنَّ المشهد السياسي في الـ2024 سيكون مختلفاً عما كان عليه. فقد أعطت توجّهات الأمير مشعل إشارات إلى أن المرحلة المقبلة ليست لأنصاف الحقائق، ولا لأنصاف الحلول. فـ»تصحيح المسار» سيتآلف مع ما ورد في خطاب القسم ذي السقف العالي الذي أراد فيه الأمير أن يقول منذ اللحظة الأولى لعهده إن هذا هو المنهج والرؤية، وإنَّ الحزم والتغيير والإصلاح سيكونون أدوات حكمه.
بدأ عهده بتغيير سريع للسلطة التنفيذية التي رأى انها انحرفت. والقراءات تذهب إلى أن تغييراً آخر قد يطال البرلمان، إما في اتجاه تعليق أعماله لفترة أو حلّه.
على أنَّ اتضاح المشهد السياسي سيأخذ وقتاً، فهناك استحقاق اختيار ولي العهد، ما سيرسم ملامح المرحلة المقبلة، وكذلك استحقاق رئاسة الوزراء وتأليف الحكومة التي سيكون للأمير اليد الطولى في اختيار أعضائها. ولا بدَّ من الانتظار كي تتبلور ملامح هذا المشهد الذي سيكون بالتأكيد مختلفاً، بحيث تغيب عنه رموز سياسية، وتضعف تيارات وتقوى أخرى، وتتقدّم طبقة وزارية سياسية جديدة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب