فلسطينمقالات

أعداد كبيرة من النازحين في رفح تفتقد “الصياد المتطوع”

الايام الفلسطينية

أعداد كبيرة من النازحين في رفح تفتقد “الصياد المتطوع”

حول مسكنه مركز إيواء ورفض تلقي الأجر مقابل خدماته

كتب حامد جاد:

لم يخشَ أبو أنس نيران زوارقهم الحربية، فهو الذي اعتاد خوض عباب البحر بقاربه الصغير رغم ما يحف عمله من مخاطر جسيمة تهدد حياته، خاصة في ظل أهوال الحرب الضارية التي يشنها الاحتلال على غزة منذ قرابة ثلاثة أشهر.
استقل أبو أنس برفقة شقيقه إبراهيم، صباح أول من أمس، قارب المجداف الذي يعتاش وأسرته من خلاله، حيث شكل عمله شبه اليومي في صيد الأسماك مصدر رزقه الوحيد، بحسب أبو أنس نفسه الذي قال في حديث سابق لـ”الأيام”: “إن اليوم الذي يعمل فيه، ويحظى خلاله بكمية محدودة مما يجود به البحر عليه من أسماك، هو اليوم الذي تستطيع فيه أسرته المؤلفة من أربعة أفراد أن تتناول الطعام”.
عرفت منطقة مواصي رفح الشهيد محمد عادل البردويل (35 عاماً) بكنيته أبو أنس، كما عرفته “الأيام” عن قرب عندما التقته ونشرت في الثالث عشر من الشهر الماضي عن دوره البارز في العمل التطوعي؛ إذ كان أبو أنس يخصص ساعات عدة من يومه لخدمة النازحين في منطقته من سكان مدينة غزة وشمال ووسط القطاع.
ويشهد للشهيد أبو أنس تنقله لأيام عدة مع فريق من المتطوعين والمتطوعات، الذين عملوا الشهر الماضي على توزيع مساعدات غذائية وعينية، قدمها رجل الأعمال بشار المصري لآلاف النازحين في مناطق مختلفة من قطاع غزة، ومن بينها منطقة المواصي الواقعة على امتداد شاطئ محافظتَي رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة، تلك المنطقة التي زعم الاحتلال أنها آمنة وصبغ موقعها على خرائطه باللون الأخضر مصنفاً هذا اللون زوراً كرمز لمنطقة آمنة.
وقبيل ساعات معدودة من استشهاده، عمل أبو أنس على زيارة بعض الأسر الميسورة في منطقته؛ كي يجمع منها تبرعات لمساعدة زوجة وأبناء شهيد نزحوا قرب منزله الذي سخّره مجاناً لاستضافة عدد من النازحين رغم إمكاناته المحدودة، دون أن يدري أن زوجته ستصبح بعد ساعات زوجة شهيد قضى وهو يسعى لتوفير لقمة العيش لأطفاله الثلاثة.
ويقول إبراهيم شقيق الشهيد أبو أنس لـ”الأيام”: كنت أجدّف برفقة أخي إلى أن ابتعدنا بالقارب لمسافة لا تتجاوز مئة متر من الشاطئ، وكنا نشاهد كالمعتاد زوارق الاحتلال الحربية “الطرادات” تبعد عنا مسافة عدة كيلومترات فلقد اعتدنا على ذلك، إلا أننا فوجئنا باقتراب عدد مما نسميها قوارب كوماندوز، وهي قوارب صغيرة جداً تشبه ما يعرف بـ”الجيتسكي”، حيث اقتربت منا إلى مسافة صغيرة لا تتجاوز مئتَي متر، فلم يكترث أبو أنس بذلك وواصل عمله وهو يلقي بالغزل “شباك الصيد” واقفاً على قدميه، ومن ثم وكعادته رفع أمام ناظرَي جنود بحرية الاحتلال شارة النصر.
وأضاف: “عندما شاهدت اقتراب جنود الاحتلال ورأيتهم يصوبون أسلحتهم تجاهنا، اتخذت من تجويف القارب ساتراً لي، وطلبت من أخي أن ينبطح على أرضية القارب حيث كان حينها ما زال واقفاً، وما هي سوى لحظة حتى سمعت أزيز الطلقات النارية فوق رؤوسنا، وفي هذه اللحظة سقط أبو أنس إلى جواري، وقال لي: يبدو أن عياراً نارياً اخترق قلبي.. ثم شاهدت ملابسه مغطاة بدمائه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأيقنت حينها أنه استشهد، ولكنني قمت أصرخ بأعلى صوتي لعل أحد المراكب القريبة تأتي لإنقاذنا، وبالفعل كما ظهرت زوارق الاحتلال فجأة اختفت فجأة من شدة سرعتها، وكأنها جاءت فقط لتنفذ مهمة قتل أبو أنس، ثم وصل إلينا قارب صيد صغير، وقمت مع الصياد بحمل أبو أنس ونقله لقاربه، وكان عندها قد فارق الحياة قبل أن نصل به إلى الشاطئ”.
وكانت “الأيام” تناولت الشهر الماضي لمحة من حياة أبو أنس كأحد المتطوعين الذين وجدوا في إيواء ومساعدة النازحين عملاً من شأنه أن يخفف من وطأة الأعباء التي يعيشها العديد منهم، حيث لم يتوانَ أبو أنس الذي عرفه الكثير من النازحين عن مد يد العون لمن قصده بخدمة، رغم إمكاناته المادية المحدودة؛ فهو يعمل صياداً على شاطئ رفح دون أن ينقطع عن تقديم خدماته التطوعية لأعداد كبيرة من النازحين، حيث سخر “توك توك” (دراجة نارية تجر عربة) كان يمتلكها لينقل على متنها مجاناً مساعدات للعديد من النازحين في أماكن تواجدهم المختلفة في منطقة مواصي رفح، وعمل على نقل وتحميل وتوزيع تلك المساعدات على المحتاجين، رافضاً تلقي أي مبلغ نظير خدماته أو حتى ثمن الوقود الذي كان دوماً على وشك النفاد من دراجته، حيث شوهد مراراً وهو يدفع بدراجته إلى أن يصل بها إلى منزله، ثم يتدبر أمر شراء لتر أو لترَي بنزين تحسباً لأن يقصده شخص ما طالباً مساعدته.
أما بداية النشاط التطوعي الذي لعبه أبو أنس، فتمحور منذ بدء وصول أفواج النازحين إلى منطقته في إيواء عدد منهم في منزل عائلته بالمجان، ومن ثم خصص وقتاً من يومه في البحث مع العديد من الأسر النازحة عن شقق سكنية وشاليهات كي يستأجروها من سكان منطقته بأسعار زهيدة، مستفيداً من معرفته بسكان تلك المنطقة في خفض أسعار الإيجار إلى أدنى مستوى، بما يتلاءم وقدرة النازحين الذين أعربوا عن امتنانهم له عندما كان على قيد الحياة، وبعد أن فارقها أمَّ منزله أعداد كبيرة منهم ليقدموا واجب العزاء لأسرته ويعددوا مآثره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب