مقالات
الدكتور صلاح الدين الطرزي وذكرياته مع الزعيم الصيني ماوتس تونغ بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

الدكتور صلاح الدين الطرزي وذكرياته مع الزعيم الصيني ماوتس تونغ
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
د. صلاح الدين الطرزي شخصية نادرة، تعرفت عليه شتاء عام 1972 وكان سفيراً للجمهورية العربية السورية في أنقرة / تركيا. وتبادلنا التقدير والاحترام والمودة.,
دعاني لغداء في دارته في إحدى جبال أنقرة المطلة على المدينة، وكانت أنقرة تغطس يومذاك في الثلوج، والدخان يتصاعد من البيوت التي تستخدم المواقد، وبعد الغداء جلسنا وسط هذه المناظر البديعة، وأخذ يحدثني عن تجاربه الدبلوماسية وهو الدبلوماسي المتدرج والمخضرم، الذي عمل في دول مهمة عديدة : منها الاتحاد السوفيتي، الصين الشعبية، بلجيكا.
ومن نوادر عمله كدبلوماسي وهو ما يستحق التسجيل، أنه قدم أوراق اعتماده كسفير تواصلاً لثلاث مرات في دولة واحدة، فقد قدم لأول مرة أوراق اعتماده للرئيس الصيني ماوتسي تونغ كسفير للجمهورية السورية، وبعد إتمام الوحدة مع مصر، قدم أوراق اعتماده للمرة الثانية أيضاً للرئيس ماو، وما لبث أن فدم أوراق اعتماده مرة ثالثة للرئيس ماوتسي تونغ كسفير للجمهورية العربية السورية بعد الأنفصال بين مصر وسورية.
وفي غضون خدمته في الصين أستطاع (ولم يكن ذلك سهلاً بالطبع)، أن يكون علاقة شخصية بينه وبين الرئيس ماو، الذي لا يعرف عنه ميله للقاء الدبلوماسيين الأجانب كثيراً، وله ذكريات كثيرة مع الرئيس ما، وأحاديث يستمع المرء لها بشغف، لأن الأحاديث الشخصية الصداقية، الجانب الإنساني فيها كبير جداً، ومؤثر.
يحدثني الطرزي: ” ذات يوم أخذني الرئيس ماو في نزهة بالسيارة، تجولنا في حدائق وأبنية أثرية، ثم وصلنا إلى قصر مشيد على الطراز الصيني بالطبع، وتدل مظاهره الحالة الاجتماعية الميسورة لأصحابه.
ويتحدث الدكتور الطرزي بلغة رفيعة، جذابه ينتقي كلماته انتقاء لتعطي تعبيرها الأدق، وتأثيرها، فيقول : تجولنا ماوتسي تونغ وأنا في فناء البيت (الحوش) ثم خرجنا وكان هناك سور خارجي يحيط ببناء البيت، وعلى بعد أمتار عن الجدار قنطرة على جدول ماء أو نهير. وكان ماوتسي تونغ قد أختلف مع والده بسبب ميوله الماركسية / الاشتراكية، وهي ما لا تتناسب مع مكانتهم الاجتماعية الميسورة، وقد هدده والده بأنه سيحرمه من أي دعم مادي، وكان ماو طالباً في الجامعة، وبحاجة ماسة لدعم والده المادي، ولكنه (ماو) فكر طويلاً وقرر أن يواصل نشاطه الثوري، وغادر البيت…..!
ثم يقول د. الطرزي، أننا لما خرجنا من بوابة البيت وسرنا بضعة أمتار وسرنا فوق القنطرة، توقف الرئيس ماو وقال لي :
” أنظر هنا بالضبط وقفت يومذاك، وتطلعت إلى بيت والدي، وكنت أدرك أن مواصلة المسير تعني قطع كل القناطر والجسور مع الماضي والتاريخ الشخصي وتاريخ أسرتي، والثراء والامتيازات … في الواقع كل شيئ، ولكني تطلعت إلى الجانب الآخر، وكان هناك الشعب الصيني الأعظم والأكبر، ولكن المخاطر والمتاعب والالام … ولكني لم أطل التفكير، فقطعت الجسر مسرعاً إلى الصوب الآخر حيث الوطن والشعب “.
كنت أنا (المتحدث) أستمع إلى هذه الكلمات، وكنت حتى ذلك الوقت قد قرأت أهم الأعمال الفكرية والسياسية لماتسي تونغ، بل وبعضها أثر بي بعمق وإلى تجارب رجال من هذا النوع، وكنت قد اتخذت قرار منذ سنوات طويلة أن أكون في الجانب الذي فيه الشعب العراقي لا حيث تكون أسرتي وامتيازاتي الاجتماعية، ولكن لا أريد أن أنكر …. أن هذه المحادثة التي مضى عليها أكثر من 50 عاماً، مع د. طرزي وتجربة ماوتسي تونغ قد أثرت بي بعمق ومنحتني دفعاً قوياً في التزامي النهائي بشعبي وبلادي، فالمرء يكون شخصيته عبر تجارب كثيرة عقلية وروحية ..!
الإنسان يعيش، وإذا حالفه الحظ والظروف الممتازة، سينعرف على شخصيات لا يمكن نسيانها، ويتعلم منها أشياء كبيرة .. قد تكون صخرة في جدار وعيه وثقافته .. وتكوينه الشخصي، قد يشاهد لوحة، أو منظراً هائلاً ، عملاً فنياً، مقطوعة موسيقية، أو حادثة مؤثرة تترك ظلالها فيه ..
تأثرت بعمق بحادثة حددت مصير ماو تسي تونغ القائد التاريخي للشعب الصيني، ومن المؤكد أنها ساهمت (إلى جانب مؤثرات أخرى) في تكوين شخصيتي النضالية / السياسية والثقافية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وللأسف توفي الدكتور صلاح الدين الطرزي هذا العالم الكبير في مدينة لاهاي (دينهاغ) / هولندة حين كان يعمل عضواً في محكمة العدل الدولية، توفي في حادث سير ….!.