مقالات
صفحة في فقه التحالفات بين النظرية والتطبيق بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

صفحة في فقه التحالفات بين النظرية والتطبيق
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
التحالف، هو اتفاق بين دولتين (كيانين سياسيين) أو أكثر، تحدد مدياته وأبعاده وصلاحياته، ومدة سريانه بموجب دستور اتفاقية بنود مكتوبة ومصادق عليها من قبل أعلى السلطات المخولة قانوناً بعقد التحالفات، أعلى الجهات التشريعية في البلاد (مجلس النواب) على دستور التحالف (بنوده). ويمكن أن تكون هناك فقرات سرية تحجب عن النشر تجنباً لإثارة تداعيات سياسية غير مرغوبة، أو لكونها تعالج قضايا ليست على بساط البحث، أو مجريات الازمات الراهنة.
وبالطبع لا يقتضي التحالف بالضرورة اتفاقا تاماً في كافة وجهات النظر بين الأطراف المتحالفة حيال المشكلات أو الأزمات الحالية (القائمة) أو تلك المحتملة في المستقبل، ، بكافة فروعها وأصعدتها، كما أن صلاحية التحالفات متفاوتة بين أهدافها السياسية والعسكرية والاقتصادية ويمكن إنشاء ملحق أو أكثر تتناول تفصيلات القضايا والاصعدة التي تتناولها التحالف. وقد يحدد زمن للتحالف، أو أسلوب تمديد العمل به .
ويحدد دستور التحالف التزامات الأعضاء بالمبادئ العامة للحلف، أو الالتزامات حيال الأعضاء بينهم، ولا يشترط في التحالف أتباع أساليب عمل متماثلة بين الاعضاء، فلأعضاء الحلف ظروفهم الوطنية والإقليمية والدولية، تسمح بآليات عمل يختص بها هذا الطرف أو ذاك، كما تتم مراعاة المصالح الوطنية الخاصة بكل دولة، بمرونة قد تصل أن يختلف طرفان من أطراف التحالف في الملف (س) ولكنهما متفقان تماماً فيما يخص الملف (ص). ومن الممكن الاتفاق على إبقاء التحالف سرياً (كله أو فقرات منه، أو ملاحق) لمنح صعيد معين من الأصعدة المرونة في التحرك.
وبتقديري أن حلف معاهدة سايكس بيكو ونصوصه السرية بقيت طي الكتمان لعقود طويلة بين ثلاثة دول : بريطانيا، فرنسا، روسيا القيصرية، ثم انسحبت روسيا من التحالف، وتواصل العمل بنصوص الاتفاق، أو بروحه حتى فترة طويلة من عقده.
كما أن مثالاً بارزا يمكن الإشارة إليه يصلح أن يكون عبرة في الاتفاقيات بين الدول. فمن المعلوم أن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، أنظمت لتحالف جديد بعد الحرب العالمية الثانية المتمثل بحلف ومعاهدة الناتو (NATO) عام 1949، ولكن الولايات المتحدة وقفت ضد بريطانيا وفرنسا في الإبقاء على نفوذهما الاستعماري في الوطن العربي والعالم، وعملت على إنهاء هذا النفوذ سراً وعلناً، وتوجت مساعيها، بالوقوف ضد العدوان الثلاثي 1956، وضد الحرب الاستعمارية في الجزائر، وضد الحرب في جنوب فيثنام، وفي ذلك لم تكن المساعي الامريكية تحررية، بل كانت تهدف إلى إحلال النفوذ الإمبريالي الأمريكي بدلاً من النفوذ الاستعماري بأساليبه القديمة. ومرة أخرى، حين قامت بريطانيا بغزو جزر فوكلاند (جنوب المحيط الأطلسي) عام 1982، لم تتدخل الولايات المتحدة في الصراع المسلح، ولكنها وقفت لجانبها على الصعيد السياسي والدبلوماسي.
وبصدد الأوضاع السياسية الراهنة، اقدر شخصياً، أن هناك حلفا اتفقت أطرافه الثلاثة (الولايات المتحدة، إيران، إسرائيل)أن تكون بنوده ودستوره قيد السرية التامة، رغم أن تسريبات (مقصودة أو غير مقصودة) بدرت من هنا وهناك بهذه الدرجة أو تلك من الوضوح، منها مثلاً، تصريح لمسؤول أمريكي يشير إلى أن درجة التفاهم بين العدو الصهيوني وإيران هو أمتن من علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، وفيما يخض الوضع في العراق نرجح، أن هناك دائرة عمليات مشتركة بين الأطراف الثلاثة، وسوى ذلك ما هو إلا عمليات غش وتمويه (Camouflage ( مقبولة في العمل السياسي والتحالفي خاصة، بل وتكون مطلوبة وضرورية، في ظروف تتطلبها العمل والعلاقات في الشرق الأوسط خصوصاً