![](https://sawtoroba.com/wp-content/uploads/2024/01/سوريا.jpg)
أخبار سوريّة في ظل الحرب على غزة
بقلم بكر صدقي
انطلقت اجتماعات الجولة 21 من اجتماعات «مسار آستانة» أمس الأربعاء 24 كانون الثاني/يناير في عاصمة كازاخستان، بعدما كانت حكومتها قد أعلنت أن الاجتماع السابق هو الأخير.
قمت ببحث موجز على محرك البحث غوغل، فلاحظت أن عدد المنابر الإعلامية الناطقة بالعربية التي اهتمت بالخبر محدود، يكاد يقتصر على «روسيا اليوم» ووكالة نظام الأسد الأخبارية «سانا» بما في ذلك المنابر المهتمة بسوريا بصورة رئيسية. حتى وسائل الإعلام التركية تجاهلت عموماً اجتماع مسار آستانة الذي هي من الدول الضامنة له. هذا مفهوم، ليس فقط بسبب الاهتمام الإعلامي المتواصل بحرب غزة وارتداداتها الإقليمية، بل أيضاً لأن أحداً لم يعد يعير أي اهتمام بمسار آستانة الذي كاد يصبح بلا موضوع، وتجاوزته الأحوال السورية وما يحيط بها.
كذلك اقتصر الاهتمام بالمجزرة التي أدت إليها غارة للطيران الأردني على قرى في جنوب محافظة السويداء على منابر سورية معارضة، وصفحات سورية معارضة على وسائل تواصل اجتماعي.
الجديد، بشأن الغارة المذكورة هو إصدار وزارة خارجية النظام بياناً «معتدل النبرة» تجاه الأردن خلا من الإدانة أو أي تهديد بإجراءات مقابلة، وإن لم يخلُ مما يشبه العتب على الأردن وتذكير بدورها في «مد الإرهابيين بالمال والسلاح» خلال سنوات «الأزمة».
إنها المرة الأولى التي يخرج فيها النظام عن صمته إزاء الغارات الجوية الأردنية المتكررة على الأراضي السورية في إطار مواجهتها لعمليات تهريب المخدرات التي لم تتوقف، بل ارتفعت وتيرتها وتنوعت أساليبها وشملت تهريب السلاح أيضاً، منذ إطلاق المبادرة العربية للتطبيع مع النظام والعمل على إنضاج تسوية سياسة في سوريا. كذلك تأخر صدور البيان خمسة أيام بعد وقوع الغارة، الأمر الذي قد يشير إلى تردد بشأن مضمونه وصياغته. غير أن المعنى الأهم الذي يمكن استخلاصه من صدور البيان، وبهذه الصيغة، هو أن سلسلة العمليات العسكرية الأردنية في إطار مكافحة تهريب المخدرات إنما حدثت وتحدث بتوافق أردني مع النظام وليس كأمر واقع يعجز النظام عن مواجهته حتى بموقف إعلامي.
سبقت هذه الأحداث أخرى تتعلق بترتيبات هيكلية أجراها رأس النظام بواسطة مراسيم على أجهزته الأمنية و«المؤسساتية» والحزبية. فقد نقل رئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك إلى منصب هامشي هو مستشار الرئاسة للشؤون الأمنية، وحل محله في رئاسة «المكتب» حسام لوقا. وسبق لوزير الدفاع علي عباس أن تحدث عن نية النظام في تحويل الجيش إلى جيش احترافي، بمعنى خفض الاعتماد على التجنيد الإلزامي مقابل زيادة نسبة المتطوعين. وتم استحداث «أمانة عامة لرئاسة الجمهورية» لتحل محل وزارة شؤون رئاسة الجمهورية. وقبل ذلك رأس الأسد اجتماعاً للجنة المركزية لحزب البعث يهدف إلى الإعداد لانتخاب قيادة جديدة للحزب، وتحدث فيه رأس النظام عن أن الحزب بصدد القيام بـ«انعطافة تاريخية».
كل هذه الترتيبات الإدارية والتنظيمية في وقت بلغت فيها أحوال البلاد الحضيض الاقتصادي – الاجتماعي، وتحولت أراضيها إلى مكسر عصا للقوى الإقليمية والدولية المنخرطة، إسرائيل وتركيا وإيران والولايات المتحدة وروسيا والأردن، وفي وقت يستمر فيه أهالي السويداء في انتفاضتهم المستحيلة منذ الصيف.
كان الانطباع السائد منذ أشهر الصيف أن المبادرة العربية قد انتهت إلى الفشل بسبب عدم استجابة النظام لمتطلباتها. اليوم، وبعد اتضاح أن الغارات الجوية الأردنية تتم بالتوافق الصامت مع النظام، قد تجوز إعادة النظر في ذلك والقول إن النظام المحشور بين الضغوط العربية والضغط الإيراني الذي اشتد عليه في الأشهر الأخيرة لتحصيل الديون الفلكية، ربما يستجيب بطريقته الخاصة من خلال الاستسلام للعجز المطلق أمام تلك الضغوط، ومن خلال ترتيبات إدارية ليقول إن هذه هي حدود «التغيير» التي يستطيع القيام بها استعداداً للتسوية السياسية للصراع السوري.
من جهة أخرى واظب رأس النظام على صمته إزاء حرب غزة منذ اندلاعها، بل صرح قائلاً، في الاجتماع الحزبي المشار إليه أعلاه، إنه «لا جديد في قتل إسرائيل للفلسطينيين»! في الوقت الذي يجمع فيه المراقبون وتصريحات سياسيين على أن ترتيبات جديدة للنظام الإقليمي لا بد أن تلي انتهاء حرب غزة، وتقترح فيه إسرائيل على الأمم المتحدة إنشاء جزيرة اصطناعية في البحر لإيواء الفلسطينيين!
وكأن رأس النظام في حالة إحباط عميق من تحقيق «النصر» الذي طالما توعد به، وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل ثورة 2011، فغرق في صمته وقهره ليترك للحلفاء الروس والإيرانيين حتى اتخاذ المواقف من الأحداث التي تهز سوريا، ووصلت حد قصف منطقة إدلب بصواريخ منطلقة من الأراضي الإيرانية، والضربات الإسرائيلية المتواصلة، وآخرها في حي مزة في العاصمة دمشق التي استهدفت قادة مهمين في فيلق القدس. وغرقت في النسيان أحداث كانت واعدة من زاوية نظره كمشاركته في اجتماع القمة العربية في جدة، والمفاوضات مع تركيا، وزيارة رأس النظام للصين.
تصريحات ممثل الرئيس الروسي لافرينتيف في المؤتمر الصحافي الذي عقده في افتتاح اجتماع آستانة الجديد تشير إلى عدد من النقاط هي ما يبدو أن روسيا مهتمة بطرحها على المشاركين: فقد أشار إلى عقد اجتماع مع الوفد الأردني للتباحث حول «الوضع الصعب» على الحدود الأردنية السورية، بما في ذلك مشكلة تهريب المخدرات. كما كرر الشكوى الروسية الدائمة من وجود القوات الأمريكية على الأراضي السورية، الذي يحول دون المضي في عملية التسوية حسب قوله. وتطرق أيضاً إلى الضربات الأمريكية ضد أهداف للحوثيين داخل اليمن، وهو لزوم ما لا يلزم في الخطاب السياسي الروسي منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وكان لافتاً من جهة أخرى أن وفد المعارضة السورية إلى آستانة اجتمع مع وفد الصليب الأحمر، في الوقت الذي انصب اهتمام الوفود الأخرى على إجراء لقاءات بأطراف فاعلة في الصراع السوري. فلا توقعات لدى أحد بشأن تحقيق تقدم في التسوية السياسية، بل ربما يأمل الوفد المعارض في عودة تدفق المساعدات الإغاثية عبر المعابر الحدودية.
كاتب سوري -القدس العربي