ثقافة وفنون

د. غسّان سحّاب: التقليد الموسيقي واحد في بلاد الشام وبعض أغنيات الثورة الفلسطينية نمطها أصيل

د. غسّان سحّاب: التقليد الموسيقي واحد في بلاد الشام وبعض أغنيات الثورة الفلسطينية نمطها أصيل

زهرة مرعي

بيروت ـبعد طوفان الأقصى وجد الدكتور غسان سحاب الحائز على شهادة دكتوراه بآلة القانون من جامعة باريس العاشرة، والأستاذ في الجامعة الأنطونية في لبنان، نفسه منجذباً لتحقيق عمل فني وطني يشبه الحاضر المميز. في مهمته لم يكن الحاضر منزلاً بالباراشوت بل لصيق بما قبله، في الجانب الموسيقي تحديداً.

غسان سحّاب إبن الكاتب والباحث في الموسيقى العربية الياس سحاب، المولود في يافا، والمتأثر بالنكبة كجرح بليغ في حياة الشعب الفلسطيني، وكافة الشعوب العربية وخاصة اللبنانيين. لهذا ليس غريباً أن يبحث غسان في التقليد الموسيقي الفلسطيني، وكذلك أن يُسجّل مع فرقة المنفيين في مخيم البرج الشمالي سي دي منطلقه ألحان شعبية ورديات يحفظها كبار السن، إنما الكلام يحاكي مرحلة ما بعد 7 اكتوبر. وكذلك إحياء حفلات مع فرقة المنفيين عنوانها «فلسطيني». وآخر ما قدّمه محاضرة بعنوان «مدخل إلى التقاليد الموسيقية الفلسطينية».
مع الدكتور غسان سحاب هذا الحوار:
○ قدّمت محاضرة بعنوان «مدخل إلى التقاليد الموسيقية الفلسطينية». كيف بُنيت تلك التقاليد في بلد يقاوم المشروع الصهيوني منذ نهايات القرن الـ19؟
• في قراءة التاريخ ليس لنا فصل فلسطين عن بلاد الشام، كما فعل المشروع الاستعماري الصهيوني حين فكك المنطقة إلى دويلات. ما قبل القرن التاسع عشر كانت التقاليد الموسيقية موحدة في بلاد الشام. في دراستنا للموسيقى الشعبية التي أصبحت أكثر انتشاراً بعد النكبة، لأسباب قومية، وكذلك لسرعة انتشارها، نجد أنها متشابهة بين فلسطين ولبنان وسوريا، فهي تنتمي للقوالب الشعبية نفسها، ويتردد فيها الكلام نفسه.
○ ما هي العناصر التي قالت بأنها تقاليد موسيقية موحدة في بلاد الشام؟
• إنها اللغة الموسيقية التي تعتمد على نظام موسيقي أحادي اللحن. وفي المقابل هناك النظام الموسيقي الغربي المتعدد الألحان، والعمودي شكلاً. موسيقانا الشرقية أفقية وتعتمد اللحن الواحد، وتقليدنا الموسيقي تأويلي، أي أن أعضاء الفرقة الموسيقية جميعهم يحفظون اللحن، وكل منهم يعزفه بطريقته، إنما بتجانس، وهو ما يُسمّى في المصطلح الموسيقي إيتروفونيا. ومن العناصر هناك اللغة الإيقاعية التي تعتمد على الكلمة. ففرقة «المنفيين» التي أشرفت مؤخراً على تسجيل سي دي لها، جمعت أغنيات بأصوات كبار السن من فلسطين. أخذنا اللحن بأصوات كبار السن، واعتمدنا على إيقاع الكلمة لاستخراج الإيقاعات.
وهكذا وضعنا توليفة إيقاعية تعتمد على إيقاعاتنا المعروفة، والدورة الإيقاعية للكلام المُغنّى. خلال عملي على هذا المشروع لم أشعر بما هو مختلف بين لبناني وفلسطيني. كان العمل عفويا ومنسابا جداً، وهذا ما يُظهر وحدة التقليد الموسيقي في بلاد الشام. على صعيد المقامات، فإن معظم الألحان التي وجدناها سواء في مشروع «فرقة المنفيين» وغيره، هي نفسها في لبنان وسوريا وفلسطين، وهي البياتي وسيغا وحجاز وصبا، ومقام الراست موجود، إنما بنسبة أقل.
○ نقول إذاً أن موسيقى فلسطين قبل النكبة ليست منفصلة عن موسيقى لبنان وسوريا؟
• صحيح خاصة في النمط الموسيقي الشعبي، أما في النمط الفني الأكثر تعقيداً على الصعيد الموسيقي، ليس لنا فصل تأثير السلطنة العثمانية على مدى 500 سنة، وتلاها الانتداب، ومن ثمّ الاحتلال. ونشير إلى مصر التي تميزت بنهضة ثقافية مركزها القاهرة، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان روّادها موسيقيون من بلاد الشام، بخلاف ما يرغب المصريون بترويجه. وحالة النهضة هذه امتدت تقريباً من سنة 1860 إلى سنة 1930 حيث بدأت الانعطافة.
○ في التقاليد الموسيقية في البلدان الثلاثة المسماة «بلاد الشام» ألم تكن هناك خصوصية ولو محدودة لكل منها؟
• لا شك. في اللغة نحن حيال لهجات، تماماً كما الاختلافات على صعيد الدبكة، فهي مختلفة بين فلسطين كمناطق، وكذلك حالها في لبنان تختلف بين جنوب وشمال وبقاع. وضمن لغة موسيقية واحدة نحن حيال لهجات، إنما القوالب والإيقاعات والمقامات هي نفسها، وكذلك طريقة العزف والغناء.
○ لماذا تهتم كلية الموسيقى في الجامعة الأنطونية بالتقاليد الموسيقية الفلسطينية؟
• يعود الفضل للبروفسور نداء أبو مراد الذي وضع التقاليد الموسيقية المشرقية على السكة العلمية. تأسست كلية الموسيقى في الجامعة الأنطونية سنة 2002 وبدأت تستقبل الطلاب، وتُدرّس التقاليد الموسيقية المشرقية، في حين كان للمعهد الموسيقي الوطني نمطه الغربي في التعليم، وكذلك حال كافة الجامعات التي تُدرّس الموسيقى في لبنان. ولهذا فإن كلية الموسيقى في الجامعة الأنطونية تتفرّد في تدريس التقاليد الموسيقية المشرقية، ومن ضمنها التقليد الفلسطيني، أسلوب تدريس علمي ومتفرّد. إنها إعادة إحياء للتقاليد الموسيقية وتدريسها بأصالتها.
○ وهل من إقبال على دراسة التقاليد الموسيقية المشرقية في شرقنا الذي طغى عليه التغريب في شتى مفاصل الحياة؟
• نعم الإقبال موجود، إنما بنسبة أقل بكثير من الإقبال على الموسيقى الغربية. وفي هذا نترك للتراكم أن يفعل فعله. منذ 20 سنة ومكان الموسيقى المشرقية يكبر.
○ كيف تقرأ في الأغنية الثورية والوطنية الفلسطينية الحاضرة في حياة هذا الشعب؟
• على جبهة الكلام نحن حيال موسيقى ما قبل النكبة وما بعدها. في النمط الشعبي هناك الكثير من الألحان الشعبية، والتي سُميت لاحقاً بالقوالب كما «يا حالا لي ويا مالي» وكما الميجانا والعتابا والدلعونا، والتي اعتبرت قالباً موسيقياً، ويتمّ تغيير كلماتها بما يتناسب مع المرحلة، من نكبة وتهجير ومقاومة وفدائيين وعودة، وهو النمط الذي نكتشفه عندما نسجّل أغنيات للاجئين فلسطينيين من كبار السن. وفي المقابل هناك أغنيات من النمط نفسه كلماتها تُعبّر عن الأفراح والأحزان، وهو ما يُسمى بالنمط التقليدي الشعبي. وهناك النمط التغريبي الذي شهده القرن العشرين، وقد طال فلسطين كما لبنان وسوريا، مثلاً «يُما مويل الهوى» كلماتها وطنية، ولحنها متأثر بالنمط التغريبي، وكذلك «يا هلا ليا».
○ وماذا عن الترويدة المشهورة كثيراً في فلسطين أيام الثوّار؟
• نمط الترويدة شعبي وتقليدي بحت كما «يا طالعين ع الجبل..». والراحلة ريم البنا هي من أخرجت هذه الترويدة للناس، وغنّاها كثيرون من بعدها، وكان للمنظمات الفلسطينية أغنيات عدّة منطلقها شعبي أصيل بعيد عن التغريب. أما الأغنيات الخاصة بالقضية الفلسطينية والتي أدّاها مرسيل خليفة وخالد الهبر فهي ذات نمط تغريبي، وكذلك وليام «العائلة…» والذي لحّن «ميكيدام».
○ كونك متخصص بآلة القانون نسألك عن الجديد في هذه الآلة؟
• آخر تحديث أو تطوير على آلة القانون سُجّل في نهاية القرن الـ19 وتمثّل بزيادة العُرب لجهة اليسار. وهي عبارة عن قطع معدنية يحرّكها العازف، بحيث يتمكن من تغيير المسافات خلال العزف. إذاً هذا الإنجاز يعود لنهايات القرن الـ19 ومن حينها نحن حيال أربعة أنظمة لهذه العُرب متعلقة بالنظريات.عدد العُرب هو الذي يحدد الأبعاد المتاحة خلال العزف. آلة القانون الموجودة حالياً في الأسواق تعتمد نظرية تبسيط السُلّم الموسيقي المشرقي والمتأثر بالغرب والمبني على 24 ربعا. من جهتي لا استعمل هذا القانون كونه غير كاف للمسافات التي أرغب بعزفها، أي أنه لا يتيح عزف الألحان بطريقة صحيحة.
○ مِعْزف مؤسسة ثقافية أنشأتها منذ سنوات. ما هي أهدافك من خلالها؟
• أقمنا سلسلة حفلات بعنوان «فلسطيني» مع فرقة جلسات. ثلاثة من هذه الفرقة أعضاء في مِعْزف، ونحن من يُشرف موسيقياً وفنياً عليها. تمثل نشاطنا بوضع كلام على ألحان ورديات شعبية، وهو كلام يشرب من حاضرنا الذي أفرزته عملية السابع من أكتوبر. وفرقة جلسات تجمع بين لبنانيين وفلسطينيين من المخيمات وخارجها، وتعمل وفق التقليد الموسيقي المشرقي، وحفلاتها كانت ذات مضمون وطني.
○ وماذا عن فرقة المنفيين في مخيم البرج الشمالي؟
• كما سبق القول إن الفرقة سجّلت أغنيات بأصوات كبار السن في المخيم. كانت المادة مصوّرة، وبعد تصنيفها وقع الاختيار على ثلاث وصلات من بينها، تنوعت بين وطنية، واجتماعية وفرح. أنجزنا تسجيل السي دي وعنوانه «دارنا» ونتوقّع طرحه للجمهور قريباً. سافر العدد الأكبر من فرقة المنفيين، فقرر من بقي من أعضائها أن تكون جلسات اسماً لفرقتهم.
○ من يموّل هذه الأنشطة الفنية؟
• لا أحد. تعتمد معزف في عملها منهجية الشراكة والتطوّع. وتتمثّل الشراكة بتبادل الخبرات والخدمات. العمل التطوعي والتشاركي، الأفقي في انتشاره في المجتمع، وليس العمودي، هو من أهداف مِعْزف.
○ وأنت عضو في مؤسسة البحث والتوثيق في الموسيقى العربية. ماذا عن هذا النشاط كذلك؟
• بدأ تعاوني مع مؤسسة البحث والتوثيق في الموسيقى العربية منذ تأسيسها سنة 2010. في رسالتي الماستر والدكتوراه كان أرشيف المؤسسة حاضراً في أبحاثي، المادة المتوافرة لديهم مفيدة جداً، ومكنتني من إجراء دراسة تقنية موسيقية داعمة لأبحاثي. وكانت لي محاضرة خلال الصيف الماضي هي جزء من المادة البحثية التي استخلصتها من أرشيف المؤسسة لرسالة الدكتوراه، بحيث عرضت آلة القانون في عصر التسجيل، والعزف بعرب أو بدونها، ودللت عملياً عبر آلة القانون على كيفية تفكير العازف بعرب أو من دونها، كما وتحدثت عن عدد عازفي القانون الذين توالوا على هذا التسجيل.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب