مقالات

قراءة في رحلات البرهان بقلم المستشار إسماعيل هجانة

بقلم المستشار إسماعيل هجانة

قراءة في رحلات البرهان
متاهة الدبلوماسية ما بين التناقضات والمسارات الغامضة
#الهدف_آراء_حرة
✍🏻 المستشار إسماعيل هجانة
في متاهة المشهد السياسي السوداني، يبرز الجنرال عبد الفتاح البرهان كواحدة من أهم الشخصيات الفاعلة في في هذا المشهد ، ظل يتنقل عبر نسيج معقد من المصالح الوطنية، والتحالفات الإقليمية، والقنوات الدبلوماسية العالمية، بالإضافة إلى المصالح الشخصية الضيقة والحزبية الأضيق. وكانت فترته عبارة عن نسيج من الاستهبال السياسي، والاستعباط العسكري والمناورات الدبلوماسية الفاشلة، حيث تكشف كل طبقة من طبقاتها عن خيبة أمل مستمرة وأخطاء استراتيجية، مما يلقي بظلال طويلة على سعي السودان إلى تحقيق الاستقرار والسلام. واستعادة موقعه بين الأمم.
امتدت رحلة البرهان الدبلوماسية عبر دول مثل قطر ومصر وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي وتركيا، وربما إلى موريتانيا وبيلاروسيا. وفي سعيه للحصول على الدعم الذي يحلم به وتأمله أمنياته وأشواقهم لمواجهة التحديات المتعددة الأوجه التي يواجهها في الداخل، كثيرا ما وجد نفسه في مواجهة بين الدعوة الدولية لـ “إنهاء الحرب” وسعيه للحصول على الدعم وفق هواه، مما يكشف عن انفصال صارخ. “كل خطوة في هذه الرقصة الدبلوماسية هي ابتعاد ايقاعات الواقع عن الإجماع وأقرب إلى الغرق في وحل التناقض”، مما يسلط الضوء على الصراع الكامن في مهمته، المحكوم عليها بالركود في أفضل تقدير.
وطوال رحلاته الماكوكية، التي جابت مشارق الأرض ومغاربها واجه البرهان مرارا وتكرارا النصائح للتركيز على إنهاء الحرب في السودان، وليس لدعم مشروعه الذي يحمله على ظهره. وقف الحرب عبر التفاوض والحلول السلمية لتجنيب البلاد ويلات التشظي، ووقف معاناة المدنيين الذين تقطعت بهم السبل في معسكرات النزوح واللجوء، هي رسالة يتردد صداها مع الرغبة العالمية في السلام. وتتناقض هذه النصيحة بشكل حاد مع تصرفاته، وانتماءاته ورغباته، ولا سيما تحالفه مع مجموعة علي كرتي وأسامة عبدالله وعبد الباسط حمزة، مما يوحي بأهداف متباينة. “الطريق إلى السلام غالبا ما يكون واضحا، لكن السير يعوقه اختلاف النوايا”، كما لاحظ ذلك أحد المحللين الإقليميين.
ويؤكد هذا التناقض، بين أهداف تحركات البرهان الدبلوماسية وتوقعات المجتمع الدولي. وبينما تتردد أصداء الدعوات إلى السلام وحل النزاعات على مستوى التفاوض وليس الحلول العسكرية، ويبرز التناقض الأكبر ما بين خطاب الداخل وخطاب الخارج فإن نوايا البرهان الحقيقية، التي تخيم عليها ارتباطاته مع مجموعات ودول معينة، ترسم صورة لأجندات مختلفة ومتعارضة.
إن علاقة البرهان بجماعة الإخوان المسلمين جماعة علي كرتي، والتي ينظر إليها على أنها تتعارض مع السعي لتحقيق السلام من خلال مواقفها المعلنة التي كانت سببا في تقويض الفترة الانتقالية وإشعال الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في السودان اليوم، تضيف طبقة من التعقيد إلى جهوده الدبلوماسية. وتتحدى هذه الرابطة تعامله مع الكيانات التي تركز على السلام مثل جدة والإيغاد، مما يثير تساؤلات حول مصداقيته ونواياه.
إن الدور المعقد الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمين بقيادة علي كرتي في السياسة السودانية غالباً ما يجذب الحذر الدولي. وتتناقض أجندتهم التي تحركها الصراعات بشكل صارخ مع جهود السلام العالمية، مما يضع البرهان في موقف حساس. وأن الاصطفاف مع الإخوان هو حبل دبلوماسي مشدود له مضار خارجية والأخطر داخلية تتمثل في تهديد وحدة وسلامة أمن السودان “.
وهذا الانتماء يعقد محاولات البرهان لحشد الدعم، حيث أن كل مهمة تخاطر بالتغلب على الأهداف المتضاربة لجماعته ومبادرات السلام العالمية المطروحة على الساحة خاصة جدة والايقاد المدعومة دوليا وأفريقيا، مما يعيق التقدم ويزيد من عزلة السودان على عزلته.
ومما يزيد الأمور تعقيدًا ما ورد من أنباء وشواهد عن دعم إيران للبرهان، خاصة في مجال التكنولوجيا العسكرية. وهذا التحالف، الذي يتعارض مع الموقف العالمي الذي يدعو إلى محاصرة الصراعات الإقليمية، يعمق عزلته الدبلوماسية، التي ينظر إليها المجتمع الدولي بعين الشك والريبة والخيبة من ناحية أخرى. ويضع كل تحركاته محل تندر خاصة في ظاهرها السلام وواقعها قرع طبول الحرب والحشد لسفك مزيدا من الدماء.
وفي مواجهة هذه التحديات، غالباً ما يُنظر إلى قيادة البرهان على أنها تفتقر إلى الحسم اللازم للحرب والبراعة المطلوبة للدبلوماسية. وانقياده الأعمى لأجندة أضرت بالجيش والدولة معا. ويمثل هذا التصور، إلى جانب خيبة الأمل المحلية والدولية، نظرة قاتمة للجهود الدبلوماسية التي يبذلها بلا جدوى سوى تلك التي تهزم مشروع حلم دولة الحرية والعدالة والمواطنة والسلام بأفقها الوطني الفسيح.
إن دورة الدبلوماسية غير الفعالة، والتي تفاقمت بسبب التحالفات التي تؤدي إلى نتائج عكسية لجهود السلام، تؤكد الحاجة الملحة إلى اتجاه استراتيجي جديد في السودان في ظل دولة راشدة وقادرة على فهم واستيعاب حقيقة الدولة السودانية، وتطلعاتها نحو بناء علاقات متوازنة تقوم على الندية والاحترام المتبادل. إذ يقف الشعب السوداني اليوم عند منعطف حرج، ولربما نقطة اللاعودة، حيث يعوق الركود السياسي والدبلوماسي تقدمها نحو السلام والازدهار.
تطرح الرحلات الدبلوماسية للفريق البرهان، التي تميزت بنطاقها وتناقضاتها المتأصلة، تحديات كبيرة لفعاليتها الدبلوماسية ومسار السودان نحو مستقبل السلام والاستقرار. إن التنافر بين مساعي البرهان ومشورة المجتمع الدولي، والذي تفاقم بسبب اصطفافاته الداخلية والخارجية المعقدة، يسلط الضوء على أهمية إدارة التوازن المعقد وهو الأمر المطلوب في إدارة العلاقات السياسية والدبلوماسية بنهج احترافي مفقود الآن. مما يتطلب تسليط الضوء أيضا على الحاجة الملحة إلى إعادة تعريف النهج الذي يتماشى مع الدعوات المحلية والعالمية للسلام والاستقرار، والحاجة الأكثر أهمية إلى بناء دولة المؤسسات وليس دولة الحزب، دولة المواطنة التي تعبر عن الكل وليس عن الجماعات. مما يمهد الطريق لسودان أكثر ازدهارا في المستقبل القريب إذا تواضع لتكون هذه آخر الحروب السودانية.
29 يانير 2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب