مؤتمر «استعادة طه حسين»… المزيد من الجدل حول المشروع الثقافي لصاحب «الأيام»

مؤتمر «استعادة طه حسين»… المزيد من الجدل حول المشروع الثقافي لصاحب «الأيام»
محمد عبد الرحيم
«أوَدّعكم بالكثير من الألم والقليل من الأمل».
(طه حسين)
القاهرة ـ «القدس العربي»: حضرت شخصية طه حسين (1889 ــ 1973) في الدورة الـ 55 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، من خلال المؤتمرات الخاصة التي تتابعت خلال أيامه. جاء المؤتمر بعنوان «استعادة طه حسين» حيث تم تقديم عدة أوراق بحثية وكذا مناقشات نقدية عن مؤلفات طه حسين ودوره في الثقافة المصرية والعربية، تزامناً مع إعادة إصدار أغلب أعماله عن طريق الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة. وفي ما يلي استعراض موجز لبعض الآراء التي وردت في المحاور المختلفة للمؤتمر.
استعادة طه حسين
قبل أيام من انعقاد المؤتمر أُقيمت ندوة عن أسباب اختيار طه حسين ومدى تأثيره في الثقافة العربية وضرورة التوقف عند مشروعه الثقافي وإعادة استقرائه. يبدأ الشاعر أحمد سراج من وجهة نظر طه حسين المخالفة للسائد في عصره، وصراعاته الدائمة منذ أن كان طالباً في الأزهر، ورفض الأخير منحه إجازة العالمية، وصراعه مع الحكومة المصرية عندما كان وزيراً للمعارف في أن يكون التعليم الثانوي بالمجان، وحتى في المجال البحثي، والقضية الشهيرة الخاصة بكتابه (في الشعر الجاهلي). أما الأكاديمي سامي نصار فيرى أن موضوع التعليم هو قضية طه حسين الأولى، وتجسد ذلك في مؤلفه المهم «مستقبل الثقافة في مصر» وهو الكتاب الذي يتم التوقف أمامه ومراجعته من آن لآخر، وفيه يرى حسين اختيارين لا ثالث لهما.. إما أن تنتج المدرسة آلات أو أن تنتج عقولا تستطيع أن تواجه التحديات من حولها.
مقدمات وحوارات
جاء المحور الأول تحت هذا العنوان، وقدّم رؤيته كل من الناقد والأكاديمي العراقي عبد الله إبراهيم، ورئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة القاهرة سامي سليمان، وأدار الحوار الشاعر أحمد سراج.
يرى سليمان بداية أن النهضة العربية وقتها خلقت نموذجها للمثقف الحديث، وعليه أن يُشكّل مشروعا ما لتحقيق هذه النهضة، ويتخذ من الكتابة تقديم مشروع لمواطنيه، وهذا النموذج الحديث تجلى عند أحمد لطفي السيد ورفاعة الطهطاوي، وغيرهما. وجاء مشروع طه حسين القائم على عدة قيم، أولها الحرية كقيمة محورية، ثم العدالة الاجتماعية، والإيمان بالتعددية وتقبل الاختلاف. ولكن يبدو أن كلمة عبد الله إبراهيم لاقت الكثير من الجدل حولها، خاصة عند تعرضه لكتاب طه حسين «مستقبل الثقافة في مصر» وبعد وصفه إياه بأنه أعظم ما كتب حسين، أضاف بأن الكتاب هو «نتاج التقرير الذي كتبه حسين إلى المندوب السامي البريطاني وقتها، وهذا لا ينتقص من طه حسين، لأنه ابن زمانه، دون أن ننسى أنه ابن التجربة الاستشراقية. وأتمنى أن لا ندفع طه حسين للقداسة، وعلينا تحليل كتاباته وألا نتعبد في محرابه».
وبعد هذه الكلمة جاءت المداخلات لتنفي مثل هذا الكلام.. فالناقد المصري صبري حافظ، طالب عبد الله إبراهيم بإثبات ذلك، ذاكراً أن.. «الكتاب حرره طه بمناسبة معاهدة 1936 التي طهرت أرض مصر من المحتل، ولم يبق له إلا مدن القناة». وأضاف الأكاديمي عبد الله التطاوي.. أن «الكثير من المشكلات التي واجهها طه حسين كانت بسبب عدائه للاحتلال، وردد مقولة حسين نفسه: يجب ألا يحتل إنكليزي منصباً يصلح أن يقوده مصري». أما الشاعر أحمد سراج، فيبدو أن مجال الندوة لم يسمح له بالرد المناسب، ففند كلمة عبد الله إبراهيم ونشرها على الفيسبوك، ذاكراً أن طه حسين رفض أن يكتب تقريراً إلى وزارة المعارف، أو الجامعة المصرية خشية إهماله. كما استشهد بكلمات طه حسين نفسه من مقدمة كتاب «مستقبل الثقافة».. «أغراني بإملاء هذا الكتاب أمران: أحدهما ما كان من إمضاء المعاهدة بيننا وبين الإنكليز في لندرة، ومن إمضاء الاتفاق بيننا وبين أوروبا في منترو، ومن فوز مصر بجزءٍ عظيم من أملها في تحقيق استقلالها الخارجي وسيادتها الداخلية. وثانيهما إنجاز ذلك الوعد الذي قدمته إلى الشباب الجامعيين ولم أُظهرهم عليه».
الأمر الآخر الذي استعرضه سراج في ردّه كان على عبارة أن طه حسين استشراقي، أو أنه «صاحب مرجعية مستعارة، قام فكره على مبدأ المقايسة، فكما شك الأوروبيون في الإلياذة، شك طه في الشعر الجاهلي». ويضيف سراج.. «ولست أدري كيف نعيب على مثقف استقلاله وسعيه لعلمنة تراثه، في ما نحاول نحن أن نفعل الأمر نفسه، ولو أجهد القائل نفسه قليلاً لوجد أن الشك أداة طه حسين، وأنه إلى منهج ابن خلدون أقرب.. إذن فما قاله إبراهيم عارٍ من الصحة». ويبدو أننا سنشهد سجالات مستقبلية أو مواقف عدائية تُلهينا عما نعيشه سياسياً واجتماعياً، فرغم التشدق ليل نهار بحتمية قبول الاختلاف في الرأي، إلا أن المعيار ينهار عند التجربة على أرض الواقع، خاصة وقد عنوَن سراج رده بـ(مصر العظيمة.. عقدة الأخ الأكبر)!
طه حسين والمؤسسات الثقافية
في هذا المحور أشار الناقد صبري حافظ إلى دور طه حسين في نشر الثقافة داخل مؤسسات الدولة، فحين كان مستشاراً لوزارة المعارف، أسس إدارة الثقافة داخل وزارة المعارف، وكان صاحب فضل في تكوين مكتبات في جميع المدارس الثانوية، إضافة إلى دوره الكبير في تأسيس جامعة الإسكندرية 1942، على غرار جامعات فرنسا، وأدارها في عاميها الأولين، وحين أقال الملك حزب الوفد، تمت إقالته من رئاسة الجامعة. من ناحية أخرى أشار حافظ إلى المعارك الكثيرة التي خاضها طه حسين في حياته الفكرية والسياسية، وهو ما استشعره المصريون، ويوضح ما كان لمؤلفاته ومقالاته من تأثير، حتى إن الشعب أطلق عليه لقب عميد الأدب العربي، بدلاً من عميد كلية الآداب التي حُرم منها بعد فصله.
طه حسين برؤى عربية
وفق هذه المحور قدّم بعض الأكاديميين العرب شهاداتهم على أثر فكر طه حسين، فالأكاديمي المغربي محمد مشبال، يؤكد مدى حضور طه حسين في الثقافة المغربية، كدعوته إلى المغرب وإلقاء المحاضرات في عدة مدن مغربية، إضافة إلى نصوصه الموجودة دائماً في المناهج الدراسية المغربية حتى الآن، ثم تناول أعماله بحثاً في الرسائل والأطروحات الأكاديمية، وكذا الإصدارات النقدية الحديثة. أما محمد صابر عرب وزير الثقافة المصري السابق، فحاول إظهار الوجه السياسي لطه حسين ـ لم ينس عرب أنه كان مسؤولاً حكومياً ـ فأظهر موقف حسين من انقلاب يوليو/تموز 1952، وطه حسين بالفعل هو مَن أطلق على هذا الحدث (ثورة) ولكنه لم يذكر ما طال هذا التأييد من تحولات، وكذلك موقف رجال يوليو منه بعد ذلك ـ كأي نظام عسكري ـ وهذا ما كشفه عرب نفسه، دون أن يدري، عندما ختم حديثه بأن طه حسين قبل وفاته قال لأحد تلاميذه «أودّعكم بالكثير من الألم والقليل من الأمل».
حتى (طه حسين) يائس!