استعداداً لـ “لاهاي”: الجيش الإسرائيلي “يختار” حالات اشتباه بخرق القانون الدولي للتحقيق فيها
استعداداً لـ “لاهاي”: الجيش الإسرائيلي “يختار” حالات اشتباه بخرق القانون الدولي للتحقيق فيها
بدأ الجيش الإسرائيلي يحقق في عشرات الحالات في حرب غزة التي أثارت الاشتباه بخرق الأوامر وتجاوز صلاحيات القادة في الميدان، وخرق القانون الدولي. المدعية العامة العسكرية الرئيسية، الجنرال يفعات يروشالمي، صادقت لطواقم من قبل جهاز التحقيق التابع لهيئة الأركان، الذي عينه رئيس الأركان هرتسي هليفي، لفتح تحقيق في هذه الحالات، التي أدى جزء منها إلى نتائج قاسية من الإضرار بالأرواح والممتلكات. هذه العملية جرت على خلفية الإجراءات ضد إسرائيل في لاهاي. بعد أقل من شهر، سيتعين على إسرائيل إرسال تقرير عن النشاطات العسكرية في القطاع إلى محكمة العدل الدولية، وتفسر فيه كيف تعمل إسرائيل وجيشها عندما يثور شك بحدوث نشاطات تخالف القانون الدولي.
عين هليفي مؤخراً الجنرال احتياط يوآف هار ايفن رئيساً لجهاز التحقيق التابع لهيئة الأركان، وشكل طاقم تحقيق سيعمل بالتنسيق مع المدعية العامة العسكرية الرئيسية، ولن يكون خاضعاً لرئيس الأركان. مؤخراً، أجرى أعضاء الطاقم عدة لقاءات وضعوا فيها مع شخصيات رفيعة في النيابة العسكرية، بما في ذلك ضباط في قسم القانون الدولي، قائمة تشمل جميع الأحداث الاستثنائية التي نشرت في السابق أو معروف أنها حدثت في الحرب وصنفوها وفق أفضلية مستوى الحاجة إليها لإجراء تحقيق معمق في سلوك الجيش والقادة. في نهاية التحقيق، سيقدم الطاقم للمدعية العسكرية رأياً بشأن هل يجب فتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية فيما يتعلق بهذه الحالات. سيكون القرار النهائي في يد النيابة العسكرية، لكن موقف رئيس الطاقم سيكون له وزن كبير في اتخاذ القرار.
في معظم الحالات التي صنفها طاقم التحقيق والنيابة العسكرية، قتل عدد كبير من الأبرياء أو حدث مس كبير بالمباني الحساسة، مثل المستشفيات ومؤسسات التعليم ومؤسسات الحكم في القطاع. هدف التحقيق تحديد إذا نفذت هذه العمليات حسب أوامر وإجراءات الجيش الإسرائيلي والقانون الدولي. ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي يدركون الحاجة لهذه التحقيقات، حتى لو اضطروا لتقديم جنود للمحاكمة جراء لذلك. في الجلسة التي عقدت مؤخراً حول هذا الأمر، كان موقف الجيش أن التحقيق في هذه الحالات الاستثنائية أمر حيوي لمواصلة القتال.
يدرك الجيش الإسرائيلي أن الحرب الحالية مختلفة بشكل جوهري عما سبقها، من حيث القوة والزمن والبروز في الحوار القانوني الدولي. وحقيقة أن قضية الحرص على القانون الدولي التي تظهر دائماً في أي محادثة مع الجهات الأمريكية، إضافة إلى زيارات النائب العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان في رفح بدءاً من الأسبوع الثاني للحرب، عززت الفهم لدى الجيش الإسرائيلي بوجوب الحرص على الامتناع عن أحداث يصاب فيها أشخاص غير مشاركين. يحاول رئيس الأركان والقادة الكبار توضيح هذا الأمر في كل مناسبة لقادة القوات في الميدان، لكن هؤلاء يقولون بأنه لا يمكن مراقبة كل جندي وضابط قرر العمل على مسؤوليته خلافاً للأوامر.
وأوضح هرتسي هليفي في بداية الحرب بأن إجراء تحقيقات عميقة في وقت تعمل فيه قوات كبيرة في القطاع سيكون أمراً خاطئاً، وقد يحرف انتباه القادة عن دورهم العملياتي. ويدرك الجيش أنه يمكن إجراء تحقيقات أعمق على خلفية تقليص قوة القتال، واستدعاء قادة لتقديم إفاداتهم دون المس بأدائهم.
الحادثة المتوقع أن تحقق فيها النيابة العسكرية هي تفجير مبنى جامعة فلسطين قرب مدينة غزة في الشهر الماضي على يد قوات الهندسة. إن تفجير مؤسسات تعليم في الحرب مثل الجامعات والمدارس ورياض الأطفال يحتاج إلى مصادقة رئيس الأركان إلى جانب رأي قانوني يغطي الإضرار في المبنى، إذا كانت هناك حاجة عملية لتدميره. تفاجأ مكتب رئيس الأركان وقيادة المنطقة الجنوبية والنيابة العسكرية مما نشرته وسائل الإعلام الشهر الماضي عن هدم مبنى الجامعة دون إعطاء المصادقة المطلوبة.
قائد المنطقة الجنوبية، يارون فنكلمان، قام بعد الحادثة بفتح تحقيق قُدمت نتائجه لرئيس الأركان، الذي قال إن الانفجار نفذ بدون الحصول على المصادقة وأمر بخطوات انضباطية ضد قادة قوة الهندسة الذين شاركوا في النشاطات. ستفحص النيابة العسكرية خطوات الانضباط التي اتخذت وستقرر إذا كانت هناك حاجة لفتح تحقيق في الشرطة العسكرية. ربما ستطلب النيابة العسكرية من رجال هار ايفن القيام باستكمال التحقيق وفحص الحادثة من ناحية القانون الدولي. وقال الجيش الإسرائيلي عن هذه الحادثة إن “حماس استخدمت المبنى ومحيطه لتنفيذ نشاطات عسكرية ضد قواتنا، لكن عملية تفجير المبنى كانت بدون الحصول على المصادقة المطلوبة”.
وثمة حادثة أخرى سيفحصها طاقم هار ايفن، وهي قتل المخطوفين الثلاثة يوتم حاييم والون شمريز وسامر الطلالقة، الذين أطلق الجنود النار عليهم في الوقت الذي كانوا يحملون فيه الراية البيضاء ويرفعون أيديهم. التحقيق الانضباطي الذي جرى بعد الحادثة وعرض على العائلات ووسائل الإعلام، نقل إلى النيابة العسكرية لإجراء فحص عميق، التي بدورها طلبت من طاقم التحقيق التابع لهيئة الأركان إجراء عدة استكمالات في مواضيع قانونية لم ينفذها التحقيق الذي أجرته قيادة المنطقة. وطبقاً للنتائج، ستفحص النيابة العسكرية إذا كان سيتم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية أو إذا كان سلوك القوة في الحادثة يبرر تقديم لوائح اتهام. وهناك حادثة أخرى، وهي اغتيال إبراهيم البياري، قائد كتيبة وسط جباليا في حماس، حيث هوجم في المبنى الذي كان فيه بمخيم للاجئين شمالي القطاع، من قبل سلاح الجو. في غزة قالوا إن عشرات المدنيين قتلوا في هذا الهجوم.
قبل بضعة أسابيع، توجهت النيابة العسكرية لقادة القوات في الميدان فيما يتعلق بإحراق بيوت للفلسطينيين في قطاع غزة من قبل الجنود، وهي الظاهرة التي نشرت عنها “هآرتس” في الأسبوع الماضي. ورئيس الأركان الذي اطلع على هذه العمليات، تحدث مع القادة في الميدان وأوضح بأن الأمر يتعلق بسلوك خطير مخالف للقانون ويضر بشرعية إسرائيل في القتال. وقالت مصادر للصحيفة بأن توضيح رئيس الأركان نجح بشكل محدود فقط في وقف هذه الظاهرة. يدرك الجيش أنه رغم وجود الكثير من الحالات التي كانت فيها حاجة عملياتية لتدمير مبان في القطاع، التي استخدمت كبنية تحتية للإرهاب، فالكثير من البيوت تم إحراقها بشكل مخالف للقانون وللأوامر. وطاقم التحقيق التابع لهار ايفن، سيفحص عدداً منها.
أما الحادثة التي قتل فيها 21 جندي احتياط شرقي القطاع قرب “كيبوتس كيسوفيم”، فسيتم فحصها من قبل طاقم التحقيق، وهي في سلم الأولويات. قُتل الجنود بسبب انفجار مواد متفجرة كانت في المبنى الذي كانوا فيه، والذي كان نتيجة إطلاق قذيفة مضادة للدروع نحو المبنى.
هناك حادثة أخرى لم يتم فحصها في هذه المرحلة، وهي موت المخطوفين الثلاثة رون شيرمان ونيك بايزر والياهو طوليدانو، حيث قتلوا في نفق قريب من المكان الذي قتل فيه قائد حماس الكبير أحمد الغندور، قائد لواء الشمال في القطاع، نتيجة هجوم الجيش الإسرائيلي. تحقيق قيادة المنطقة أظهر أنه “لا يمكن استبعاد أو تأكيد أنهم قتلوا نتيجة الاختناق أو التسمم أو بسبب هجوم الجيش الإسرائيلي أو عملية لحماس”، حسب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. معيان شيرمان، والدة رون، اتهمت الجيش بقتل ابنها بضخ الغاز السام إلى المكان الذي كان يحتجز فيه. وحسب قولها فإن سبب موته أنه “لم يكن إطلاق نار بالخطأ، أو تبادل إطلاق النار، بل قتل متعمد. قصف مع ضخ الغاز السام”.
موقف النيابة العسكرية أن تحقيق قيادة المنطقة الذي أجري كان تحقيقاً عميقاً، وتم عرضه على أبناء العائلة بشفافية. ورداً على ادعاء أبناء العائلة حول استخدام وسائل قتالية مختلف عليها مثل الغاز السام، قال ضباط كبار في الجيش لأبناء العائلة بأن الجيش لم يستخدم أي مواد سامة أو مواد كيميائية في أي مرحلة في القتال، وأن الوسائل القتالية التي استخدمها الجيش تحتاج إلى مصادقة من قسم القانون الدولي بخصوص قانونيتها، والرأي الذي ينص على الشروط التي يمكن فيها استخدام هذه الوسائل. وقال الجيش الإسرائيلي إنه لم تكن أي معلومات لدى القوات عن وجود المخطوفين الإسرائيليين في النفق وقت الهجوم. هكذا، تم الهجوم حسب القواعد المسموحة.
ورد الجيش قائلاً إن جهاز التحقيق التابع لهيئة الأركان يعمل الآن على “فحص التقارير والشكاوى بشأن خرق القانون الإسرائيلي والدولي أثناء الحرب”. وجاء أيضاً أن “الجهاز بدأ في عملية لجمع المعلومات حول الأحداث المختلفة التي حدثت أثناء القتال، وهو الآن في مراحل الفحص الأولية”.
ينيف كوفوفيتش
هآرتس 6/2/2024