محتجون طالبوا بإقالة وزير التموين… ومؤسسات الدولة تعاني عجزا في الأدوية… والمواطن يدفع ثمن فشلها

محتجون طالبوا بإقالة وزير التموين… ومؤسسات الدولة تعاني عجزا في الأدوية… والمواطن يدفع ثمن فشلها
القاهره / حسام عبد البصير
القاهرة ـ «القدس العربي»: بين تصرف بائع البرتقال العفوي أول النهار حينما قذف عدة ثمرات على قافلة متوجهة لغزة، وتصريحات وزير الخارجية سامح شكري بون شاسع بين الإحساس الفطري بالوطنية والانحياز لصالح الضحية، وبين الانبطاح والهرولة للعدو والدفاع عنه في لحظة فارقة من تاريخ الشعب الفلسطيني الذي يدفع أثمانا باهظة على مدار الساعة … التصريحات التي أحدثت فزعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي جاءت ردا على سؤال من وزيرة خارجية إسرائيل السابقة، تسيبي ليفني حول حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والإجماع الفلسطيني، وقال سامح شكري في مقطع فيديو مأخوذ من جلسة حوارية في مؤتمر ميونيخ للأمن 2024: “أعتقد أن من الصحيح تماما أن حماس خارج الأغلبية المعترف بها للشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية والاعتراف بإسرائيل والاعتراف بتسوية تفاوضية ورفضهم التنازل عن دعم العنف..”. وواصل شكري تصريحاته التي تسببت في صدمة للعديد من المراقبين وأحدثت دويا عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “لكن لابد أن تكون هناك مساءلة حول لماذا تم تمكين حماس في غزة ولماذا تموّل لتعزيز الانقسام بين حماس وبقية التيار الأساسي للكيانات الفلسطينية المتبقية الصانعة للسلام سواء كانت السلطة (الفلسطينية) أو (منظمة التحرير الفلسطينية) أو الرأي العام، وهنا أرى أن هذه مسألة مهمشة وينبغي التطرق لها..”. بدوره رد المستشار تامر شيرين شوقي على ماورد على لسان شكري بمزيد من الغضب قائلا: هذا التصريح المهين يعبر بنا من صفة الفشل الى صفة أخرى تبدو مظاهرها كل يوم أوضح من سابقه.. صفة: “الخيانة”.. هذا تصريح لا يخرج إلا من خونة.. هذا تصريح يمكن توقعه من وزير خارجية إسرائيل.. وزير خارجية الولايات المتحدة.. إنما لا يمكن ولا يتصور ولا يفترض صدوره من وزير الخارجية المصري مهما حاولوا تفسيره وتبريره. فوزير الخارجية هو رأس الدبلوماسية المصرية العريقة وكلماته يجب أن توزن بمثقال الذهب.. وزير خارجية مصر التي تحملت من 1948 عبء القضية الفلسطينية، وقدمت 104 آلاف شهيد، وتحول اقتصادها الغني الى اقتصاد حرب لمدة 30عاما قبل أن يستولي عليه تجار الحرب والفساد والعمولات.. وتساءل تامر عبر صفحته الشخصية: كيف يمكن للمقاومة أن تثق في مصر وسيطا نزيها بعد تصريح كهذا من وزير خارجية مصر؟ كيف يمكن أن تكون مصر على مسافة متساوية من الطرفين للأسف بعد أن كانت تتبنى وجهة النظر الفلسطينية حتى نهاية عهد اللواء عمر سليمان؟ إذن لم يكن هذا التصريح خيانة!! فما تعريف الخيانة؟ كيف وصلنا الى هنا؟ وتريدون أن تقنعوا المصريين أنكم مع فلسطين وقضيتها وحقوقها؟ هل حسم الأمر وأصبحت مصر في معسكر واحد مع إسرائيل؟ كيف سيكتب التاريخ عن هذه الفترة من عمر مصر بكل سيئاتها وانعدام حسناتها؟
وفيما له علاقة بالباحثين عن إقامة داخل مصر أكد مصدر أمني أنه سيتم إيقاف الخدمات التي تقدمها الدولة للأجانب، المعفيين من الحصول على إقامة لغير السياحة في البلاد آخر يونيو/حزيران المقبل، وفقا للمهلة المحددة. وأشار المصدر إلى أن الإيقاف في حالة عدم حملهم بطاقة إعفاء الإقامة، والتي تستخرج من الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية وفروعها الجغرافية في جميع المحافظات.
المهم النوايا
قال ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات إن مصر ستشارك في الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. وكشف، حسب “الأخبار”، عن أن مصر قدمت مذكرة لمحكمة العدل الدولية، وستقوم بتقديم مرافعة شفهية أمام المحكمة يوم 21 فبراير/شباط 2024 المقبل. وأوضح أنه فيما يتعلق بموضوع الرأي الاستشاري، تشمل المذكرة المصرية تأكيد عدم شرعية الاحتلال الاسرائيلي الذي دام أكثر من 75 عاما بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وكذلك سياسات ضم الأراضي وهدم المنازل وطرد وترحيل وتهجير الفلسطينيين، بالمخالفة للقواعد الآمرة للقانون الدولي العام، ومنها حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحظر الاستيلاء على الأراضي من خلال استعمال القوة المسلحة. كما تتضمن المذكرة رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، التي تنتهك بشكل صارخ مبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وأنهى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات تصريحاته، بأن المذكرة والمرافعة المصرية تطالبان المحكمة بتأكيد مسؤولية إسرائيل عن كافة تلك الأفعال غير المشروعة دوليا، بما يحتم انسحاب إسرائيل بشكل فوري من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مدينة القدس، وتعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي لحقت به نتيجة لتلك السياسات والممارسات غير المشروعة دوليا، فضلا عن مطالبة كافة دول العالم والمجتمع الدولي بعدم الاعتراف بأي أثر قانوني للإجراءات الإسرائيلية والكف عن توفير الدعم لإسرائيل، واضطلاع المنظمات الدولية والأمم المتحدة بمسؤولياتها في هذا الصدد.
بلا قيمة
الأحداث الجارية والمستمرة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والأراضي المحتلة تؤكد ما انتهى عنده الدكتور محمد حسن البنا في “الأخبار” أن حكم محكمة العدل الدولية مازال حبرا على ورق! مازالت حكومة السفاح نتنياهو تمارس جرائم الحرب والإبادة الجماعية للمدنيين. وما زالت أمريكا وبريطانيا والمانيا تمدها بالسلاح والعتاد والدعم المالي في خرق صارخ للقانون الدولي الإنساني. ومازال الخرس العالمي يسيطر على المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان التي كانت تهب وتتحرك في الفاضي والمليان بتوجهات مخابراتية عالمية! ومازال العالم العربي يقف متفرجا متألما ظاهريا ممصمصا الشفاة على ما يراه على شاشات التليفزيون والكمبيوتر والموبايلات من مجازر يومية يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ويؤرقه فقط الألفاظ المناسبة للتعبير عن القلق والشجب والإدانة! وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية ترى أن ما يحدث من تطورات في رفح الفلسطينية من شأنها أن تزيد بشدة ما يعد كابوسا إنسانيا له عواقب لا توصف فإنها رفضت طلب دولة جنوب أفريقيا بفرض إجراءات عاجلة إضافية لحماية مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، لكنها شددت أيضا على أنه يتعين على إسرائيل احترام الإجراءات السابقة التي فرضت أواخر يناير/كانون الثاني الماضي في مرحلة أولية، في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل. قالت المحكمة التابعة للأمم المتحدة في بيانها: إن «الوضع الخطير في رفح يتطلب التنفيذ الفوري والفعال للتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة بتاريخ 26 يناير 2024، التي تنطبق على جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك رفح». وأضافت أن إسرائيل “لا تزال ملزمة بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”. المحكمة أمرت إسرائيل ببذل كل ما في وسعها لمنع «الموت والدمار وأي أعمال إبادة جماعية في غزة»، لكنها لم تصل إلى حد إصدار أمر بإنهاء الهجوم الذي أدى إلى تدمير القطاع الفلسطيني. ولا يزال آلاف الشهداء والجرحى لم يتم انتشالهم من تحت الأنقاض بسبب تواصل القصف وخطورة الأوضاع الميدانية، في ظل حصار خانق للقطاع وقيود مشددة على دخول الوقود والمساعدات الحيوية العاجلة للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الكارثية.
هل من جدوى؟
كشف فاروق جويدة في “الأهرام” عما يلي: طالبت الصديق أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية بضرورة انعقاد قمة عربية عاجلة يشارك فيها القادة والزعماء والملوك العرب. لقد تمادت إسرائيل في جنونها ويبدو أنها لن تتراجع عن مشروعها في تهجير سكان غزة، وهي الآن تحاصرهم في رفح على حدود مصر. إن إسرائيل تشعر بالهزيمة أمام المقاومة الفلسطينية وتصر على تصفية حماس رغم أن العالم كله يدرك أن تصفية حماس قضية مستحيلة، وأن الشعب الفلسطيني لن يترك أرضه، وأن على إسرائيل أن تقبل الواقع وتوافق على إقامة الدولة الفلسطينية. إن المطلوب الآن من جامعة الدول العربية أن يصدر القادة العرب بيانا يدينون فيه ما يجري في رفح ويرفضون تهجير الشعب الفلسطيني ويحملون الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مسؤولية ما تحمله أطماع إسرائيل من مخاطر تهدد المنطقة كلها. إن ما فعلته إسرائيل في غزة يمكن أن يحدث في دول عربية أخرى لأن إسرائيل تسعى إلى إقامة الكيان الضخم الذي تسعى لإقامته ليس أمام العالم العربي الآن غير أن يحمل أمريكا مسؤوليتها في ردع الأطماع الصهيونية، وعلى العالم أن يقف في وجه هذا العدوان الغاشم، وعلى الدول العربية أن توقف مواكب التطبيع لأن إسرائيل لن تتراجع عن مشروعها التوسعي في تهجير الفلسطينيين، وللأسف الشديد أن الوقت فى صالحها. إن القمة العربية في هذه الظروف يمكن أن تكون آخر الأوراق قبل تصفية القضية الفلسطينية. إن الشيء الغريب حقا أن البعض يهاجم ويدين حماس وهي الجبهة الوحيدة التي تدافع عن كرامة هذه الأمة وأمن شعوبها أمام مؤامرة كبرى لا أحد يعرف مداها.
الحبايب
خطف العيون والقلوب بجلبابه المتواضع البسيط وأقفاص البرتقال التي بدت هي كما اخبرتنا هالة فؤاد في “المشهد” كل ما يحمله من رأس مال مثله كملايين الباعة الجائلين ممن يكدون ليل نهار للحصول على قوت يومهم الهزيل. لم يمنعه ضيق حاله من التحرك بقوة وشهامة تمتد يده بسرعة لتلتقط أكبر ما يمكن حمله من ثمرات البرتقال.. يهرول بها بسرعة ثم يطيح بها بأقصى ما يستطيع لتستقر أعلى الشاحنات بعدما لفتت نظره قوافلها تحمل اسم البلد الشقيق الحزين. بدت تلقائيته واضحة لا تقل وضوحا عن حماسه الطاغي على كل خطواته وحركة جسده السريعة ويده الممتدة بعزم ووجهه الواشي بتحد ورغبة في إرسال أقصى ما تجود به اليد حتى لو بدت متواضعة قليلة.. كانت رسالته أقوى كثيرا وأعمق من ثمرات البرتقال التي يقذفها سرعة لتبدو مثل صرخة رفض لما يحدث من حرب لإبادة أصحاب الحق والأرض، أو ربما صيحة مؤازرة من قلب شقيق يخبرهم بأننا معهم أو هي أقرب لباقات ورد يحاول أن يهديها لأشقاء منكوبين علها تخفف قدرا من حزنهم. وربما تبدو أيضا مثل قنابل لا تطولها يده لكنها تداعب خياله يتمنى أن يقذف بها ليحرق قلب عدو مثلما دمر وحرق وأباد شعبا أعزل محاصرا بلا طعام ولا شراب ولا دواء ولا جدران تحميه من قذائف. أمام أيام حزينة ممتدة بطول حرب الإبادة الوحشية لتلف أرواحنا بسواد الألم الجاثم فوق قلوب تئن من وطأة الإحساس بالضعف والعجز وقلة الحيلة يأتي مشهد الرجل الرمز ليخفف قدرا من الوجع.. كان كل ما فيه يترجم ما نشعر به جميعا، رغبة في إرسال رسالة، في مد يد العون، في مشاركة بقدر ما نستطيع بكلمات حانية مؤازرة مشجعة “سلموا لي على الحبايب”.. لا أعرف حقيقة إذا كان يرددها أم أن الكلمات جاءت مصاحبة لرسومات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مترجمة لسان حال البائع المتجول البسيط. أيا ما كانت هي رسالتنا جميعا “سلموا لي على الحبايب، وليتهم يسامحونا”.
المثال
سامحونا على العجز والضعف وقلة الحيلة.. سامحونا على الصمت على ضعف أصحاب عروش وملوك وأصحاب فخامة وسمو لم تطلهم ذرة من حماس البائع البسيط! تابعت هالة فؤاد متأثرة بسلوك بائع البرتقال: لم يسرعوا مثلما فعل لتقديم العون لرفع الظلم على الشعب المبتلى بجبروت عدو لا يعرف الرحمة.. لم يقفوا بقوة لمنع جرائم الإبادة اليومية التي تحدث على مرأى ومسمع الجميع، ولم يرحموا دموع أطفال وشيوخ ونساء، وقفوا صامتين أمام دماء تنزف وأرواح تزهق وبيوت تدمر ودمار يطيح بكل البشر والحجر. لم يجهدوا أنفسهم حتى بمجرد التلويح بأوراق الضغط التي يمتلكونها فانتزعوا أوراق التوت التي كانت تخفى خنوعهم وتخاذلهم. غابت المواقف الرسمية العربية الحاسمة الرادعة الأبية، فلم يعد أمامنا سوى المشاهد البسيطة الشعبية لتخفف قدرا من ألم العجز، من تاجر البرتقال لصغار يرفضون شراء حلوى اعتادوا عليها وحموا أنفسهم من مشروبات كانوا قد أدمنوها قدموا كل ما يمتلكونه لنصرة القضية قدر ما استطاعوا. انطلقت حناجرهم بحماس تغنى لفلسطين في المدارس.. تبرعوا بمصروفهم لقوافل المساعدات.. امتدت أيدي آخرين بالدعاء لم تجد غيره من يخفف الألم ولا تمتلك غيره لنصرة القضية. مشاهد عفوية بسيطة لكنها تخفف قدرا من الإحساس بالعجز.. وجهها الشباب في عيد الحب بعدما استبدلوا كلمة “الفلانتين بفلسطين”. هي المسكونة حقا في القلب وستظل حتى يتحقق النصر لأصحاب الأرض بعد قهر عدوهم إن شاء الله، وإن غدا لناظره قريب.
«كفاية كده»
مازالت قصة بائع البرتقال وحبه الفطري للفلسطينيين مصدر اهتمام الكثيرين بسبب ما عبر عنه مجسدا مشاعر معظم المصريين ونقل أحمد علاء في “الشروق” تصريحات كشف فيها الرجل عن أمله بالنسبة للفلسطينيين: روى ربيع أبو حسن بائع الفاكهة صاحب فيديو إلقاء البرتقال على شاحنة المساعدات التي كانت متوجهة إلى قطاع غزة، تفاصيل الواقعة التي أثارت تفاعلا واسعا. وأوضح خلال مداخلة هاتفية مع برنامج «الحكاية» الذي يُقدمه الإعلامي عمرو أديب، عبر شاشة «mbc مصر»، إنه يتابع الأوضاع في قطاع غزة، ويدعو للفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي. تابع: «أول ما جات لي الفرصة حسيت إن حاجة من ريحتهم جاية ناحيتي.. فاللي قدرت عليه عملته ورميت البرتقال.. وكنت بدي للسواقين في الكابينة وأقولهم كلوا من ده ومتجوش عند اللي وراء علشان يوصلهم». وأشار إلى أنه كان يتمنى تقديم أكثر من ذلك للفلسطينيين، موضحا أنه يتلقى الكثير من الاتصالات من الداخل والخارج لتوجيه الشكر له. وكشف عن أن أحد الفلسطينيين تواصل معه وشكره على ما فعله، فرد عليه بأنه يدعو لهم كثيرا بسبب ما يواجهونه. واختتم تصريحاته: «أتمنى من ربنا إن غزة تتعمر والبيوت تتبني والناس تربي ولادهم وكفاية لغاية كده».
نكبة رفح
أحكمت إسرائيل النطاق على مشروعها الرامي إلى اجتياح مدينة رفح بريا، وغدت ترتب كل شيء من أجل التنفيذ. شجعها على المزايدة والمضي قدما في القيام بهجمات ضد الفلسطينيين، كما أشارت سناء السعيد في “الوفد”، صمتُ المجتمع الدولي. لقد بدا وكأن الجميع قد استنكفوا ممارسة الضغط الحقيقي على الكيان الصهيوني لصرفه بعيدا عن تنفيذ ما خطط له، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة الرئيسية لهذا الكيان بدا وكأنها تتضافر معه وتدعمه وتوافقه على تنفيذ هذه المهمة. ولا أدل على ذلك من أن كل ما بدر عنها هو مطالبتها لإسرائيل بالحفاظ على المدنيين فيما إذا خاضت التجربة وبدأت في تنفيذ العملية. وجاء هذا في محاولة منها لتجميل صورتها وإظهار نفسها وكأنها ضد اجتياح رفح، ولا أعلم كيف لمدينة تتعرض لقصف جوي وبري وبحري ألا يمتد الموت إلى المدنيين فيها؟ المأساة هي أن العالم كله يخضع للكيان الصهيوني الغاصب، ولهذا تمادت إسرائيل في غيها ومضت تطالب الأمم المتحدة بأن تسهم معها في إجلاء الفلسطينيين المدنيين من رفح حتى يتسنى لها إنجاز مهمتها في اجتياح رفح. ظهر جو بايدن متجاوبا مع الكيان الصهيوني في مهمة اجتياح «رفح»، ولا أدل على ذلك من دعمه سياسيا وماليا وتسليحا من أجل إتمام المهمة. ولهذا بادر جوزيف بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فحث حلفاء دولة الاحتلال وفي مقدمتهم الولايات المتحدة على وقف إمداد إسرائيل بالسلاح. جاء هذا بعد مقتل عدد هائل من النازحين الفلسطينيين في غزة، ليصل عدد الضحايا إلى ما يزيد على تسعة وعشرين ألفا حتى الآن. بلغت الجرأة برئيس وزراء إسرائيل إلى أن يطالب الأمم المتحدة بمساعدة إسرائيل في إجلاء المدنيين الفلسطينيين من رفح قبل التوغل البري المحتمل.
طوفان مصيلحي
تصدر وزير التموين، الدكتور علي المصيلحي ترند مصر، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إثر الهجوم الحاد عليه أثناء افتتاحه لأحد معارض “أهلا رمضان” في القليوبية، حيث طالبه الحاضرون بالرحيل، بسبب ارتفاع الأسعار. كشفت حنان عبد الهادي أن الهجوم على وزير التموين، في المعرض تسبب في خروج علي المصيلحي سريعا بسبب حالة الهجوم والتجمهر ضده، الأمر الذي دفع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لتدشين هاشتاغ “وزير التموين”، الذي طالبوا فيه بإقالة الوزير، الذي تسبب في زيادة أسعار العديد من السلع، منذ توليه مسؤولية الوزارة. قال فتحي أبو حطب: “أخطأ المصيلحي عندما تجاهل الغضب، وأصر على قص الشريط، في مشهد مرتبك. التفسير الوحيد للفيديو أن #وزير_التموين، يقضي آخر أيامه في الوزارة”.
وعلق ياسر فضل فقال: “بسبب الأسعار.. المواطنون يهاجمون وزير التموين ويقولون له: حسبي الله ونعم الوكيل فيك”. أما أشرف خليل فقال: “وزير التموين سيرحل مع تشكيل الحكومة المقبلة. لأن تغييره حاليا سيتضح أنه غير ناجح مع علمنا بذلك لكن الشكل الدبلوماسي الأمثل تغييره مع التشكيل الجديد للحكومة”. وقال وائل الإمام “أغرب منظر ممكن تشوفه في حياتك وأوسكار فن اللامبالاة.. وزير التموين يفتتح معرض أهلا رمضان وسط دعوات الناس عليه”. وعلق علام باي قائلا: “مظاهرات على وزير التموين في معارض أهلا رمضان.. الوضع أخطر مما تتخيل الناس بتكلم نفسها للأسف وزير غير ناجح”. وقال طارق عبيد “الإصرار على استمرار الحكومة وعلى رأسها وزير التموين علامة من علامات العزلة الشعورية.. وزير كل مستشاريه مقبوض عليهم في قضايا فساد وانفلات أسعار وغياب أي خطة أو رؤية أو معالجة من أي نوع للأزمات باستثناء اللامبالاة والتصريحات المستفزة”. ورد محمد توفيق فقال: “الناس جابت آخرها من وزير التموين…”. وعبر صلاح المهاجر عن غضبه قائلا: “بمناسبة وجع القلب دة امبارح تم عرض تقرير لهروب وزير التموين من افتتاح معرض أهلا رمضان بتاع كل سنة في القليوبية بعد ما كان بتضرب من الناس لأن السادة في المعرض رافضين يبيعوا للناس إلا بمزاجهم ودة في وجود المحافظ والوزير في مشهد يدمي القلوب…” وقال حمدي الجلادي: “ارتفاع الأسعار خاصة أسعار المنتجات كالأرز وقصب السكر والبصل سببه الرئيسي على المصيلحى وزير التموين.
الدولار وأيامه
ليس هناك أي جديد حسب محمد حسن الألفي حين نعيد ونزيد في جملة بديهية هي أن السياسة اقتصاد والاقتصاد سياسة، ونعتقد أن كل مواطني مصر في العشر أو الخمس عشرة سنة الأخيرة باتوا بالعذاب الذي هم فيه يدركون معنى ومغزى هذه العبارة أو المفهوم الأكاديمي.. فالسياسة وفق ما أوضح الكاتب في “فيتو” اقتصاد أي تكون قويا، أو بلطجيا أو انتهازيا، أو مستثمرا، مرابيا، إن كنت من دول التريليونات، مدججا بالسلاح، متكبرا باقتصاد لا يهتز، والوجه الآخر لهذا المفهوم، هو الاقتصاد سياسة، فحين تنجح كفاءات الوطن في وضع سياسات اقتصادية ومالية ناجحة تمتلئ خزائن الدولة، وجيوب المواطنين، وتكون رأس الدولة عالية مرفوعة، لا مستدانة، ولا باحثة عن قرض.. وفي الحالة المصرية، عزل المواطن نفسه عن ضجيج لا ينفع لوزير المالية.. وبات الشعب فريسة عملة تلاعبه وتراوغه وتحط من كرامته لتدللها عليه ولعجز دولة بحالها عن توفيره بالقدر الكافي، في الوقت الذي تحقق فيه شركات يملكها فرد أو بضعة أفراد، أقول شركات، وليس دولة قوامها تعدى المئة مليون، مليارات الدولارات وقيمتها السوقية تتجاوز التريليونات.. إنه الدولار الذي كشف عوار المعالجات المالية، بل كشف الاعوجاج في العلاج، فالدولة تطارد تجار العملة المسيطرين علي السوق السوداء، وفي الوقت ذاته لا تملك الحصيلة الدولارية الكافية لسد احتياجات المستوردين والمصنعين، فإن لجأوا إلى السوق السوداء واجهتهم قضايا أمن الدولة.. طبيعي أن تلاحق الدولة عصابات اكتناز الدولار والمضاربة عليه، وطبيعي أن يحتاج المصنعون للعملة العسيرة لشراء مستلزمات الإنتاج، وطبيعي أن تكون لدي بنوك البلد دولارات تغطي الاحتياجات كافة، من غذاء ودواء وقطع غيار وأعلاف وكيماويات.
الدولة مرتبكة
انتهى محمد حسن الألفي إلى أن المعادلة مختلة، فلا الدولة تملك ما يكفي، وتسعى لتدبيره بالاقتراض، ولا تركت السوق الموازية، إذ لا يجوز أن تتركها بطبيعة الحال تضارب على سعر الجنيه في مواجهة الغول الدولاري، وفي المنتصف، يتعذب الناس في أكلهم وشربهم ودوائهم واحتياجاتهم.. أسباب ما نحن فيه باتت محفوظة ومكررة، وحين يتكرر التكرار يقع الملل ثم العزوف ثم تتعمق النزعة نحو نسيان الأسباب، وتتسلط فقط فكرة كيف اشتري كيلو اللحم بـ500 جنيه، يعني الألف الزيادة التي قدمها الرئيس نهبها التجار قبلها بشهر، وصارت تساوى كيلوين لحمة! ويسأل الناس عن نهاية الحلقة المفرغة: ليس لديك يا حكومة دولارات ولذلك تطاردين من لديه الدولارات بالمليارات، في سوق إخوانية سرية موازية. وسؤال آخر: ما هو حجم الأموال الدولارية التي تصادرها الحكومة يوميا وشهريا وسنويا؟ وأين تذهب هذه الأموال بالضبط؟ لابد من إعلان يومي كاشف عن حجم الأموال التي تصادرها الجهات الرسمية، وأين توضع، وفيم تستخدم، وأن يكون ذلك مستداما وسياسة ثابتة لوزارة المالية، منعا للقيل والقال، الشفافية يا وزارة المالية مطلوبة.. خصوصا أن المالية بالذات تعرضت لاتهامات استخدام سيارات تمت مصادرتها في وقت يوسف بطرس غالي.. بطبيعة الحال لا أرمي إلى اتهام، بل أرمي إلى التذكير بضرورة درء الشبهات بإعلان كم صادرت وفيم أنفقت أو حفظت..
رسائل مهمة
ثلاث رسائل حملتها زيارة الرئيس التركي إلى مصر، أردوغان، بعد قطيعة دامت 11 عاما، الأولى وفقا لعمرو الشوبكي في “المصري اليوم” تقول إن الحوار والتواصل بين الدول لا يعني تطابق الآراء في كل الملفات، إنما يفتح الباب لنمط متحضر لإدارة الخلافات والتحالفات يعود بالنفع على كلا الشعبين. أما الرسالة الثانية فهي من شقين، أحدهما يخص تركيا، والثاني يخص مصر، ففيما يتعلق بتركيا تقول الرسالة إنه لا يمكن اختزال مصر والعالم العربي في تيارات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها هي فقط التي على صواب، وأن ما روجت له هو الصحيح، فحتى لو اختلفت تركيا مع الرواية الرسمية، فإن هذا لا يعني تجاهل التنوع داخل المجتمع المصري، وأن التيار الذي عارض الإخوان في 2013 يمثّل أغلبية الشعب المصري. إن تصور أي بلد أنه يمكن أن يختار حلفاءه تبعا للتوجهات السياسية للنظام القائم كما فعلت تركيا مع مصر ثبت خطؤه، فلا أحد يتخيل أن معيار إقامة علاقة مع أي دولة هو أن تشاركها توجهاتها السياسية، صحيح أن من حق تركيا أن تبني نموذجها السياسي وفق تاريخها وسياقها الاجتماعي والسياسي وكذلك مصر، حتى لو كان النموذجان مختلفين، فالمطلوب هو البحث عن المصالح المشتركة لتعود بالنفع على الشعبين، وحتى لو كان التقارب في التوجه السياسي يعزز من عمق العلاقات بين الدول، فإن الخلاف في التوجهات السياسية لا يعني قطعها. أما بالنسبة لمصر فلم يكن صحيحا تجاهل قوة تركيا وحضورها الإقليمي والدولي وثراء وتنوع نموذجها السياسي والانتخابي، وأننا بحاجة لمراجعة فكرة أن الدول التي نختلف معها نتحدث صباحا ومساء عن نقاط ضعفها وعيوبها، ونتجاهل نقاط قوتها، وإذا حدث العكس، وأصبحنا «سمنا على عسل»، نتحدث فقط في مزاياها ونقاط قوتها، ونتجاهل عيوبها وسلبياتها.
أما الرسالة الثالثة فتتعلق بأهمية احترام الشعوب وعدم الإساءة إليها، حتى في ظل الخلافات السياسية، وهي تجربة مريرة بسبب إساءة بعض الإعلاميين في مصر إلى شعوب اختلفت مع نظمها السياسية مثلما جرى مع قطر وتركيا، ثم عادت العلاقات معهما إلى وضعها الطبيعي، وبقيت الإساءات في الذاكرة. من المهم أيضا الإشارة إلى أن دلالة أن يبدأ أردوغان بزيارة القاهرة تكمن في عملية الرجل وبراغماتيته الشديدة لأنه اكتشف بعد أكثر من عقد من الزمان أن موقفه من مصر كان عقائديا مناقضا لجوهر مشروعه الفكري وخبرته السياسية.
بدون استئذان
أصبحت جميع البيوت لا تخلو من حالات الإدمان، والتي يصعب التخلص منها مدى الحياة. بل من المؤسف حسب سامية فاروق في “الوفد” أنها لا تقتصر على أفراد بعينهم من الأسرة، لكنها تشمل الأسرة بأكملها من أصغر فرد فيها إلى رب الأسرة، وتزداد المشكلة خطورة كل يوم أكثر من قبله. كان من قديم الزمان في بداية ظهور المخدرات نخشى جميعا على أولادنا من الوقوع في بؤرة الإدمان ونحرص بشدة أن نبعدهم عن هذه المخاطر بشتى الطرق. واليوم أصبحنا جميعا تحت إدمان وسيطرة الهاتف المحمول بتطبيقاته وما نشاهده على السوشيال ميديا. فلو حسب كل منا وقته لاكتشف أن حياته يقضيها أمام هاتفه، لا يشعر بمن حوله من أسرته ولا أصدقائه ولا يعرف شيئا عن دينه أو مستقبله بالكامل، لأنه أصبح مكبل الأيدى أمام هذا الإدمان. من المؤسف أن هذا الإدمان قتل أشياء كثيرة داخلنا جميعا كبار أو صغار، وأول شيء تمكن في قتله هو الترابط الأسري، بالإضافة إلى البعد عن الدين، وقتل أي نوع من الابتكار والعلم، خلق لدينا نوعا من الكسل والتراخي، والشعور بعدم القدرة على الحركة فأصبحنا جميعا محبوسين داخل هذه الزنزانة التي ندخلها بإرادتنا ولا نستطيع الخروج منها بإرادتنا. فقد نجحت الدول الغربية في تحقيق أهدافها وغزونا بكل سهولة، فعلى الرغم من أن العديد من المنتجات الرقمية قد تكون مجانية الاستخدام، إلا أنها تسرق أغلى سلعة ومورد لدينا وهو وقتنا، حتى نظل عبيد فكرها ولا يكون لدينا الوقت في التفكير والإبداع والابتكار.
يسرق الوقت
المشكلة الفعلية من وجهة نظر سامية فاروق أن الهاتف ليس يسرق الوقت فقط وإنما هو يذهب بالعقل، لأنه أكثر شيء يؤثر على الانتباه ويجعل المدمن مصابا دائما بالتشتت، فهو من أخطر الأعداء على أولادنا خاصة الذين يظلون أمامه بالساعات على التوالي، وكثير من الأمهات تسعد بذلك لانشغال الطفل عنها حتى تتمكن من ممارسة مهام المنزل أو غير ذلك، وهي لا تعلم أنها تقضي على صغيرها دون أن تشعر. الوضع الحالي بالفعل خطير جدا ولا بد من أن ندق أجراس الخطر لينتبه الشعب المصري من السقوط في هذه البئر التي تجعلنا نظل في داخلها لسنا بأحياء ولا أموات. فلا بد أن ننتبه جميعا ولا نترك أنفسنا فريسة لهذا الهلاك الذي لا محال منه. وعلينا جميعا أن نبدأ بأنفسنا أولا، فكل أسرة يجب أن تنتبه أن لديها في المنزل أخطر أنواع المخدرات التي يتعاطى منه كل فرد في الأسرة، ولذلك لا بد أنا نتعافى نحن الكبار أولا حتى نتمكن من أن نعافي أولادنا منه. فإذا شاهد الطفل أبويه لا ينغرسان أمام الهاتف ويحاولان التقرب من الأبناء ووضع إستراتيجية يمشي عليها الجميع وهو تخصيص وقت محدد للهاتف ويكون النصيب الأكبر لتجمع الأسرة مع بعضها البعض في جلسة حب ونقاش كما كنا من قبل ظهور هذا الحرامي لعاد المجتمع كما كان من قبل وهو ما نطلق عليه زمن الخير.
صاحب السؤال
مضى على إعدامه حوالي 2500 سنة ومازال يشغل الدنيا ويحير مفكريها بأسئلته التي ليس لها إجابات. اخترع السؤال وجرؤ على طرحه ولم يتمكن أحد من مجاراته فيما يصل إليه. تابع رفعت رشاد في “الوطن”: قامت فلسفته على المنهج التوليدي حيث يطرح أسئلته ويدفع المتحاورين معه لكي يجيبوا بما يعتقدون فيستنبط من خلال إجاباتهم معتقداتهم وأفكارهم حول ما طرحه من مسألة. هو سقراط الذي عاش بعد جلاديه بألفين وخمسمئة عام بينما لا يتذكر أي منا أسماء أولئك المتآمرين، أمه قابلة (داية) فاتخذ من مهنة أمه موازاة لعمله فيقول عن نفسه: قدري أن أولد النفوس الحبلى بثمار الحكمة. كانت أمه – فاناريت – سيدة فاضلة تزوجت من أبيه – سوفرونيسك – وأنجبا سقراط عام 469 قبل الميلاد. كان والده نحاتا فتعلم سقراط مهنة أبيه وأتقنها. في يوم بينما كان منهمكا في نحت تمثال لوجه ما سمع صوتا هاتفا يقول: لماذا يا سقراط تبذل جهدا كبيرا لتنقل إلى الحجر صورة مثال جامدة لا روح فيها؟ لماذا لا تفكر في صقل نفسك وتجعل منها تمثالا حيا يجسد حقيقة ما عليه الآلهة؟ تخلى سقراط عن المطرقة والإزميل وانصرف للبحث عن الحقيقة، ورفض طلب والده بأن يعود مرة أخرى إلى عمله. كان قرار سقراط وموقفه موعدا للحوار مع التاريخ. كانت أثينا قبلة العلم والفلسفة يسكنها المشاهير منهم وتوجد بها جماعة السفسطائيين. العلم متاح للقادر على سداد مصروفاته، أما سقراط فكان فقيرا فلم تصله إلا أصداء تلك الدروس التي كانت تشغل أثينا، لكنه كان يملك عقلا ثاقبا وعبقرية فريدة فلم يُسِلم بالتأكيدات ولم يأخذ بالمسلمات، بل عمل فكره في كل أمر سائلا فاحصا مستقرئأ متقصيا، وكان يقول: إذا قال أحدهم إن شيئا هو كذا، فهل نسلم بما قال، أم نفحص ما قال ونصل إلى الحقيقة؟
الرحلة
راح سقراط يطوف شوارع أثينا من الصباح حتى المساء بادي الفقر والتقشف غير عابئ بالحر أو البرد، ولا هم عنده حسب رفعت رشاد غير العمل على تحسين فكر الآخرين من خلال محاوراته معهم لكشف الحقيقة أمامهم. وازداد عدد خصومه بسبب كشفه زيف الكثير مما كان مسلما به وخلال سنوات طويلة كاد أن يقلب النظام الديني والسياسي في أثينا بعدما جعل الناس يتساءلون إذا كان ما يعتقدون هو الحق أو الحقيقة أم لا. وكان لا يرى حقيقة إلا الفضيلة، ليست الثروة أو المجد والجاه هي ما يجب على الإنسان إنهاك نفسه لتحقيقها وإنما الفضيلة. رأى الأثينيون أن ما يفعله سقراط يفسد الشباب ويصرفهم عن العمل لجمع الثروة وتعليمهم عدم الإيمان بآلهتهم.
كانت أثينا خارجة من حرب البلوبونيز مهزومة مثخنة الجراح بعدما فقدت المدن التي كانت تحكمها لصالح اسبارطة. كانت الهزيمة في حاجة إلى كبش فداء لإسكات العاصفة داخل أثينا، فأشارت الأصابع إلى سقراط، ذلك الفاسد المفسد والمشكك في العقائد! قام أنيتوس أحد الأثرياء الكبار بدفع مليتوس وهو شاعر مغمور لرفع دعوى من خلال محام – خطيب – إلى الحاكم ووجهوا لسقراط تهمتين، بأنه لا يعترف بآلهة المدينة ويعمل على إحلال آلهة جديدة، ويفسد الشباب، والعقوبة المطلوبة الإعدام.