تحقيقات وتقارير

الأردن و«الحافة الاقتصادية»: لماذا لا تتقدم إستثمارات خليجية بغطاء سياسي؟

الأردن و«الحافة الاقتصادية»: لماذا لا تتقدم إستثمارات خليجية بغطاء سياسي؟

بسام البدارين

عمان / «ادعموا الأردن..إذا أردتم معادلة أفضل في حراكه من أجل السلام والقضية الفلسطينية».

تلك كانت العبارة التي استعملها مسؤول بارز في الدولة الأردنية في اجتماع مع ثلاثة سفراء لدول خليجية في عمان قبل أسابيع قليلة.
الفكرة كانت أن الميزانية المالية للأردن تعاني من عجز وأن زمن المساعدات المباشرة يعرف الأردنيون أنه انتهى وأن النطاق الاستثماري الذي يفترض أن ينعش الاقتصاد بعد فيروس كورونا عرقلته حرب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتوترات الشديدة في حرب المخدرات على الحدود مع سوريا والفوضى التي تغرق فيها الحالة العراقية.
طبعا هذا المنطق لا يقوله المسؤولون الأردنيون علنا.
لكن في الغرف المغلقة وبعدما أصر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على حشد خمس دول عربية بالإضافة إلى تركيا في برنامج تنفيذي بعنوان رسم سيناريو المستقبل الفلسطيني، بعد تلك المحطة حصريا أصبح المناخ مواتيا لأن تتحدث عمان عن القيود التي تفرض على نشاطها في مسار القضية الفلسطينية تحديدا علما بأن الخبرة الأردنية أساسية ومطلوبة وبإلحاح حتى من دول الخليج.
لاحظ المراقبون في المربع المالي الاقتصادي الأردني مؤخرا أن الميزانية المالية التي مررها الوزير الدكتور محمد العسعس عبر البرلمان تضمنت بندا زاد من مخصصات الدفاع والأمن لأول مرة بهدف حماية القرار الوطني المستقر.
تلك عبارة استخدمها الوزير العسعس وقبل ذلك أمام «القدس العربي» في جلسة نقاشية كان يعتبر حماية الثوابت في الموقف السياسي الأردني لمناصرة حقوق الشعب الفلسطيني والعودة إلى مربع السلام المنصف العادل عنصرا أساسيا حتى في التدابير المالية.
ما حصل مؤخرا في سياق منظومة الاتصال الأردنية الخليجية عموما قد يستحق التأمل، فالإشارات زادت على أن التنسيق مع دولة قطر حصرا في الملف الفلسطيني وصل إلى مستويات مريحة ومتقدمة جدا وهو ما سمعته شخصيات بارزة سياسيا حتى في أروقة القصر الملكي.
بالمقابل العلاقات بين الأردن ودولة الإمارات أيضا في أفضل أحوالها مع قناعة عمان بأن أبو ظبي في الاحتراز ولا تتوفر لديها الرغبة في الاشتباك مع ما يحصل غربي نهر الأردن إلا في جزئية الإغاثة والمساعدات ما جعل التنسيق مع الإمارات ضروريا لأي مرحلة يصبح فيها ما يسمى بالمسار الأردني فعالا.
وتتطور الاتصالات مع السعودية وحجم التفاعل والتنسيق الأردني مع وزيري الخارجية في مصر والسعودية في قمته وفي أفضل أحواله وفقا لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي يحرص على بلورة موقف عربي جماعي يرفض التعامل بالقطعة والتقسيط مع العدوان الإسرائيلي على غزة وينطلق من فهم توافق عليه الصفدي مع زملائه العرب ومضمونه وقف العدوان خطوة أولى باتجاه خطة شمولية كاملة وبضمانات تحسم ملف التسوية برمته قبل الاسترسال في مرحلة التطبيع الإبراهيمي.
بالتوازي يحتاج بقاء مصر أقرب للمنطلق الأردني حرصا يوميا على التواصل بعد ظهور تباينات ما بين المواقف والتصريحات أحيانا، لكن بكل حال ما يقوله مسؤولون كبار في الدولة الأردنية لكل ضيوفهم الخليجيين هو العودة للتأكيد على ان معادلة تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة تتطلب الآن أكثر من أي وقت مضى معادلة مختلفة وأكثر عمقا في دعم الأردن.
لا تتحدث عمان لا عن مساعدات ولا عن تمويل وتظهر مرونة كبيرة في الحديث عن شراكات استثمارية تعلم مسبقا أنها تتحرك بقرار سياسي، لذلك أصبح تمكين الأردن ولو جزئيا اقتصاديا أو قد يصبح قريبا، من الظروف الموضوعية لإطلاق مشروع أكبر بالتعاون مع الأمريكيين والأوروبيين تحت عنوان تأسيس ثم تنشيط مرجعية فلسطينية أصلب بعيدا عن محور المقاومة.
الاعتقاد يترسخ أكثر بأن نظرة مختلفة للمالية الأردنية أصبحت مطلوبة وسط قناعة مراكز قوى في المحور الإقليمي العربي بأن دور الأردن وخبرته هما أساسيان في المشهد وبأن إنطلاق عملية ناضجة ومنتجة لتسوية الملفات الإسرائيلية والفلسطينية العالقة قد يتطلب مساعدة الأردن والحد من عجز ميزانيته في العام المقبل على الأقل وهذا ما يسمعه من سياسي عمان صباح كل جمعة على طاولة إفطاره السفير السعودي النشط نايف بن بندر السديري.
بكل حال ما خطط له جيدا هو أن صمود وتعافي الاقتصاد الأردني من متطلبات أي خطة موضوعية تريد النجاح لحسم الصراع ومنع امتداده الإقليمي، وما هو غير معلوم حتى الآن فقط هو جزئية كفاءة الطاقم الاقتصادي الحالي في حكومة الأردن في إدارة هذا النمط من التفاوض على أساس تبادل المصالح الأساسية علما بأن الجزء المالي في الخطة الاقتصادية تمكن من إنجاز الكثير والفارق سواء مع البنك الدولي أو مع صندوق النقد الدولي.
الحاجة ملحة للتفكير وزاريا خارج الصندوق في الملف الاقتصادي الحكومي تحديدا وللسعي نحو الاستثمار بلاعبين أكثر مهارة لاحقا في الحاجة إقليميا ودوليا لدور الجغرافيا السياسية الأردنية في منع انهيار الأوضاع خصوصا في الضفة الغربية، حيث الرهان كبير ليس على السلطة بعد تنشيطها فقط ولكن على ما تيسر من أذرع وماكينات اقتصادية أردنية.
ومع إدراك بعض الساسة في عمان أن دور بلادهم أساسي ومطلوب بإلحاح تكاثرت تلك الهمسات والتساؤلات التي تستفسر عن سر غياب للتضامن الاستثماري وتحديدا الخليجي مع الاقتصاد الأردني.
وهذا تضامن بات مطلوبا وقد يصبح لاحقا جزءا حيويا من خطة أمريكية أوسع وأعمق.

ـ «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب