
ثقافة الخوف المجتمعي في الوطن العربي
بقلم د-عزالدين حسن الدياب
إنطلاقا من تعريف للثقافة يقولا بأنّ الثقافة هي كل ماينتجه المجتمع من عادات وتقاليد وقيم،ونتاج مادي وحضاري وفكري.
وفي هذه الحالة الثقافية،فالإنسان عبر علاقاته الاجتماعية اليومية،ورد فعله على حاجاته ومطالبه اليومية ينتج ثقافته، وفي هذه الحالة أيضاً،يرى أهل الاختصاص بالثقافة ودراستها في إطار تنوعها وتغيرها،أن الطبقات الاجتماعية،تنتج الكثير من قيمها وأعرافها وعاداتها،ولكن هذا الإنتاج الثقافي يعيش حالة التنوع والتعدد والتأثير المتبادل،وإن اختلفت مستويات التغيير ،من وقت لآخر،ومن طبقة إلى أخرى ومن مجتمع إلى مجتمع آخر .
التقدمة تمهد للقول إن الثقافة وهي في حالة تغير وتبدّل وتنوع،تشهد تغير في دور القوى الاجتماعية في إنتاج الثقافة المجتمعية.
ليس من شأن هذه المقاربة الدخول والاقتراب من موقف الفكر الاجتماعي والسياسي من قضايا دور القوى الاجتماعية في انتاج الثقافة المجتمعية،ومسويات هيمنتها،وتباينها بين نظام وآخر.وإنما الوقوف أمام المجتمع العربي،والاقتراب من أنظمة الاستبداد والكيفية التي تعمل عن طريق آلياتها في إنتاج عناصر ثقافية، لتفرض نفسها على مكونات البناء الاجتماعي
على اختلاف مواقعها وفعالياتها الاجتماعية الثقافية داخل هذا البناء.
من الملاحظ للباحث الأنثروبولوجي وهو يدرس الثقافة المجتمعية في الأقطار العربية، بحثا وتنقيباً ودراسة وتحليلاً،يلاحظ أنّ ثقافة الخوف المجتمعية،تشكل ظاهرة مشتركة بين الأنظمة العربية،على اختلاف تسميات الحكم جمهوري وملكي وأميري،وأن هذا الاشتراك،إذا جاز هذا التعبير، يمثل حالة سياسية،يمكن تسميتها ووصفها،بأنها آلية من آليات الأنظمة السياسية في الحفاظ على أمنها والبقاء على رأس النظام السياسي،لتحافظ في الوقت نفسه،على مصالحها الاقتصادية والسياسية.
وثقافة الخوف المجتمعية الموجودة في البناء الثقافي العربي،شكلت حالة خوف من العقاب،والاندماج في ثقافة الأنظمة السياسية العربية،من كثرة اليات القمع والحرمان،وعقوبة المحاربة بلقمة العيش والمستقبل،الذي يطول في كثير من الأحيان الأبنآء والأقارب،وحتى بعض الأصدقاء والمعارف،الأمر الذي خلق وأوجد حالة من التطبيع والتطويع،مع أوامر النظام العربي الرسمي،والامتثال لمحرماته ونواهيه،والاندماج في السلوك المجتمعي الذي يجعل الفعالية الشعبية،وأنشطتها الثقافية والاجتماعية،نابعة من السياسة الاجتماعية للأنظمة العربية.
وإذا ذهب الباحث الأنثروبولوجي،باتجاه البحث عن آليات الأنظمة على أختلاف آلياتها،وتنوّع اتجاهاتها وفلسفاتها السياسية،فيرى أنً هذه الأنظمة لها مشتركات أخرى غير العنف الجسدي،والسجن والتهجير،والتغييب/الخطف في مقدمتها الفساد وتسريع خطواته داخل البناء الاجتماعي،بحيث يحتل مكانته كعنصر ثقافي داخل الثقافة المجتمعية له شرعيته الأخلاقية والأدبية،وله قبوله المحمول بمسوغات السلطة السياسية،دبّر حالك،مين اخذ أمي بصير عمي، مال الدولة حلال زلال،عيش أيامك ومالك ومال الحلال والحرام،الله بيغفر وبسامح،وبيقبل التوبة.ليك فلان هبش كتير وصار صاحب عمارت، اهبش ياعمي ولا يهمك ..إلخ.
ويلاحظ الباحث وهو يقرأ الحالة الثقافية المجتمعية في الوطن العربي،أن ثقافة الخوف التي أسّست لها وبنتها الأنظمة العربية،خلقت حالة من الركود الثقافي،الذي يخلق بدوره عقلية الاتباع،وسلوك الرعية،التي تضمحل أمامها ثقافة المواطنة التي أصبحت مهدورة في الثقافة المجتمعية العربية الراهنة،ومجانية في سلوك أوساط كثرة من القوى الاجتماعية،التي يتشكل منها البناء الاجتماعي العربي،في مستوياته المحلية/الهوية والوطنية والعربية.
وتخلص هذه المقاربة الأنثروبولوجية للثقافة المجتمعية في الوطن العربي ،فيجد أن التحليل الثقافي لهذه الحالة الثقافية،أن ثقافة الخوف حاضرة في السلوك الاجتماعي للشخصية العربية،وحالة الرؤية للحالة الشعبية تجاه مايجري في غزّة من عدوان صهيوني طال كل مقومات الحياة في كل قطاع غزة،فالقتل والهدم واستئصال البشر ومقومات حياتهم لم يعرفها التاريخ في إكثر مراحلها وحشية وهمجية،كما هي الآن في غزة الكرامة من قبل النظام الصهيوني العنصري،ومن خلفه العدوانية الغربية-والإمبريالية الأمريكية.نقول إنّ ردّالفعل الشعبي العربي،لم يصل المصاف التي يجب أن يصل اليها، بفعل حالة ثقافة الخوف التي كثر حضورها في الثقافة المجتمعية العربية،وحالة كسر هذه الحالة وهزيمتها، رهن بما يتأتى من نصر على العدوان الصهيوني تحرزه المقاومة الفلسطينية في جهادها ضد هذا العدوان.
د-عزالدين حسن الدياب-5-3-2024-تونس