
أصداف : قصة «ضياع» أرشيف
بقلم وليد الزبيدي
المقال منشور في الوطن العمانية
وصلتني نسخة من كِتاب صدر حديثًا من تأليف الأستاذ الدكتور حارث عبود الأكاديمي والإعلامي العراقي الكبير، مع عدَّة سطور تعطِّرها كلماته وتؤطِّرها لُغة راقية.
أعتقد أنَّه لَمْ يُخطِّط لظهور كِتابه في هذا الوقت تحديدًا من العام 2024 متزامنًا مع ذكرى أليمة على قلوبنا، هي ذكرى جريمة العصر الكبرى، الَّتي ارتكبتها الولايات المُتَّحدة ومعها المُجتمع الدولي، عِنْدما شرعت قوَّاتهم في مِثل هذه الأيَّام من العام 2003 بغزو العراق وتوجيه حمم صواريخها وقنابلها لِتغزوَ بلدًا آمنًا يبعُد عن واشنطن آلاف الكيلومترات وتشرع في تدميره وتخريبه.
في سياق تقديمه لكِتابه الصَّادر بعنوان «أحاديث سلام الله عَلَيْكم.. في الفِكر والتَّربية والثَّقافة والأخلاق» يتوقف الدكتور حارث عبود عِنْد نقاط مُهِمَّة كثيرة، لكنَّه يشير إلى أحَد أوْجُه مآسي العراق المُحتلِّ، هذه المسألة تخصُّ الأرشيف الصحفي والإذاعي والمرئي الَّتي ربَّما يجهل الكثيرون أوْجُهها المؤلِمة، والكثيرون لَمْ يعرفوا ماذا حصل في بداية الغزو الأميركي عِنْدما أطلقت دبابات أميركيَّة القنابل لِتفتحَ أبواب المتحف العراقي لِيقفَ المارينز يتفرَّجون على عصابات غالبيَّة أفرادها جاؤوا مع قوَّات الغزو وقَدْ تمَّ تدريبهم بإتقان، لِنَهْبِ الذَّاكرة العراقيَّة الفكريَّة والتاريخيَّة والفولكلوريَّة والثقافيَّة ضِمْن برنامج لِمَحْوِ العراق وإحلال «عراقهم» الدَّخيل في حياة أبناء بلاد الرافدين.
نعُودُ إلى قصَّة الكِتاب وموضوعته وماذا واجَه المؤلِّف في هذه القضيَّة تحديدًا، فقَدْ بدأَ الدكتور عبود بتقديم برنامج إذاعي يومي في إذاعة بغداد استمرَّ لِعَقْدٍ كامل، وهو أطول برنامج إذاعي يومي في تاريخ الإذاعة العراقيَّة (بدأ في العام 1987، حيث كانت الحرب العراقيَّة ـ الإيرانيَّة مشتعلةً، حتَّى العام 1997 حيث كان الحصار متواصلًا بجميع أثقاله ومآسيه)، ونشرت صحيفة الجمهوريَّة البغداديَّة نصوص تلك الحلقات، وتناول خلالها الكاتب والإذاعي مختلف الموضوعات، وأصبح البرنامج بصوت الدكتور حارث عبود إحدى الأيقونات البارزة في إذاعة بغداد، يستمع إِلَيْه الكثيرون، سواء عِند بثِّه أو في فترة الإعادة من أثيرها.
قَبل عدَّة سنوات عاودَ الدكتور عبود بثَّ حلقات جديدة بذات العنوان وبنَفْسِ طريقة الطَّرح والتَّناول، لكنَّ هذه المرَّة من خلال قناته في اليوتيوب، ويتابعه الكثيرون لِمَا يُقدِّمه من موضوعات رصينة وعلميَّة هادفة.
بعد تقديم الكثير من الحلقات وبسبب الحاجة للتَّعريف بما طرقه وتناوله في برنامجه يُقْدم الرجُل على خطوة حيويَّة ومُهِمَّة، إذا أراد أن يجمعَ ما قدَّمه سابقًا في كتابه في فصلَيْنِ رئيسيَّيْنِ، السَّابقة أي قَبل الاحتلال واللاحقة الَّتي بثَّها صوتيًّا مؤخرًا، وبِدُونِ شَكٍّ تُعَدُّ هذه خطوة ممتازة ومباركة.
لكنَّ المحطَّة المأساويَّة الَّتي توقَّف عِنْدها الدكتور حارث عبود، أنَّ الكثير من أرشيف تلك الحلقات الإذاعيَّة قَدْ سُرقت ونُهبت واختفَت حالها حال الكثير من المكتنزات والمكنونات العراقيَّة. ولَمْ يتمكَّنْ من توثيقها. هذه صفحة مُظلمة تضمَّ الكثير الكثير.
نُبارك للدكتور خطوته هذه، ومن بَيْنِ كُلِّ الرُّكام سينهض العراق مرَّة أخرى.