مقالات
مستقبل التعليم في السّودان واستمرار الحرب بقلم الاستاذ: احمد مختار البيت
بقلم الاستاذ: احمد مختار البيت

مستقبل التعليم في السّودان واستمرار الحرب
بقلم الاستاذ: احمد مختار البيت
قطع مؤشر دافوس العالمي حول التعليم، لعام “2021م” ، أن دولة قطر، احتلت المرتبة الرابعة عالمياً
وجاءت مصر في المرتبة قبل الأخيرة، ولا تعليم في ليبيا والسّودان والصومال والعراق وسوريا واليمن، بمعنى أن هذه الدول خارج التّصنيف. وﻣﺆﺷﺮ ﺩﺍﻓﻮﺱ، لقياس جوﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اعتمد “140” ﻣﻦ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ في المنافسة، وفق مؤشرات محدّدة. واحتلت ﺳﻨﻐﺎﻓﻮﺭﺓ المرتبة ﺍﻷﻭﻟﻰ، وﻛﺸﻒ ﻣﺆﺷﺮ ﺟﻮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ (ﺩﺍﻓﻮﺱ) ﻋﻦ ﺗﺪﻧﻲ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺟﻮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، وخرجت الدول التي تعاني ويلات الحرب من التّصنيف، من بينها السّودان، الذي ظل يعاني من الحروب منذ “1955م”، لتأتي حرب “15” أبريل “2023م”، لتكمل الناقصة كما يقول المثل الشعبي وتهدم كل شيء، النفوس والبنى التحتية للتعليم، وتشرّد “350” ألف معلم ومعلمة، وأكثر من “5” مليون طالب وتلميذ، وأكثر من “10” مليون أسرة، في الداخل والخارج، في أكبر مأساة إنسانية يشهدها العصر الحديث، مازالت فصولها مستمرة، ولم تستطع القطاعات المدنية والجهات المعنية بالتعليم، بلورة أي أفكار أو مشروعات عملية تتصدى لقضية التعليم في ظل الحرب الدائرة الآن في أغلب جغرافية السّودان، وعجز الجميع عن تقديم أجوبة، للأسئلة المقلقة، والمشروعة، لملايين السّودانيين، باعتبار التعليم في عالم اليوم، هو حاجة إنسانية ملحّة، وضرورة حياتية لا تقل عن الغذاء والدواء، ويمكن أن تستغل وسائل التكنولوجيا الحديثة في تذليل الكثير من العقبات، إذا توفّرت الإرادة والعزيمة المسؤولية الوطنية، فشعوب كثيرة، ودول عديدة، خاضت حروب داخلية و خارجية، لم تتخل عن رعاية التّعليم ومشروعاته المتجددة، بل اهتمت بالمعلمين، وحافظت على حياتهم، وأعفتهم من واجبات القتال، وإدخرتهم لبناء وإصلاح أجيال المستقبل بعد توقّف الحرب، لأن التعليم أساس كل بناء ونهضة، حتى الحرب نفسها تحتاج للتعليم والابتكار والمعرفة والخبرات المتنوعة، التي لا يوفرها إلا التعليم الجيّد.
ومن المهم جداً الإشارة إلى أن التعليم في بلادنا انهار قبل الحرب في “15” أبريل بفعل سياسات الحكومات وممارساتها الشائهة ونظرتها القاصرة، التي كانت ترى أن الأولوية في الإنفاق من ميزانيتها هو للأمن، ثم لقطاعات الدولة السيادية، وغاب عن إدراكها أن التعليم الجيد والمستمر، هو العمود الفقري للأمن والاستقرار، ولو صرفت الحكومات نصف ما بدّدته في الحروب، على التعليم والمعلمين، لحقّقت أمناً واستقراراً، لن تحققه ماسورة البندقية.
واليوم بعد أكثر من عام، استشعرت القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، خطورة توقّف التعليم، على مستقبل الوطن، وتنادت للبحث عن سبل للتّعامل مع الواقع المر، والتخطيط لاستئناف مشروعات إسعافية للتعليم في الداخل وظهرت تحديات جدّية واجهت السّودانيين، حتى الذين لجأوا لدول الجوار في مصر ويوغندا وتشاد وليبيا وإثيوبيا وأرتريا، وغيرها، واعترضتهم صعوبات كبيرة، وتعقيدات في السّكن والاستقرار ولغة التعليم والبيئة والثقافة المحيطة، والتقاليد ومحتوى بعض المواد، كالجغرافية والتاريخ واختلافات أخرى من المستحيل التّغلب عليها بسهولة، وبدأ المقتدرون التفكير في خيارات جديدة في بلاد الغربة، ومن جانب آخر يرى قطاع واسع من المعلمات والمعلمين، أن أي تفكير في معالجة أمر التعليم في السّودان، لابد أن يبدأ بوقف الحرب أولاً، لأن وقف الحرب يعني توفر الأمن والاستقرار، وهما شرطان ملازمان للعملية التعليمة، والمواطن لا يمكن أن يخاطر بذهاب أبنائه للمدرسة في ظل المعارك والقصف وتحت نيران المدافع، لأن حياة أبنائه بداهة، أهم عنده من تعليمهم رغم أهميته.
ويعتري السّودانيون قلق بالغ من توقف العملية التعليمية، وزاد من توترهم واضطرابهم، الأخبار التي تنشر في الميديا بين الفينة والأخرى، تُعلن عن موعد لاستئناف الدراسة، أو تحدد تاريخ لامتحان الشّهادة السّودانية “2023م” أوامتحان الشهادة السّودانية “2024م” ، الأمر الذي أربك تخطيط الأسر في الداخل والخارج لمستقبل أبنائها، وشل تفكيرها، وملأتها الحيرة، من الدور السّلبي لوزارة التربية والتعليم، إزاء قضية هي من صميم واجباتها ومهامها.
إن الاهتمام بالتعليم والتخطيط له، وتوّقع متغيّرات الأحوال والظروف، والتنبوء بالتّحديات، هو من سمات القيادة والإدارة الناجحة، في هذا العصر، وقد شاهد العالم كيف تعاملت المملكة المغربية، مع كارثة الزّلازل، التي ضربت العديد من مناطقها، حيث انطلقت العملية التعليمية في زمن وقياسي بعد الكارثة، في فصول متحرّكة، تحت إشراف الجيش المغربي. صحيح أن الزلزال لم يشمل كل المغرب، كما الحرب عندنا، ولكن العبرة بالتلاحم الشّعبي المبهر، الذي عبّر عن وحدة وطنية، في المغرب تدعو للفخر. وما أعظم حوجتنا للتلاحم الوطني الخلاق، في زمن الحرب !
لقد كشفت الحرب أسوأ ما في سلوكنا وتفكيرنا ونظرتنا لأنفسنا، وأظهرت إيجابيات عديدة ولكنها لا ترقى، لتحديات واقع الحرب الجارية الآن.
نحتاج في تقديري لإعادة النظر عاجلاً في موقفنا الراهن من التعليم والحرب، وعدم انتظار المجهول، وبالعودة لمؤشر دافوس، لم يصنّف بعض الدول، ومنها السودان، لأﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺑﺴﻂ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ جوﺩة ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، وﻳﺴﺘﻨﺪ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺆﺷﺮ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱﺣﺪﺩﻩ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، ﻭﻳﺘﻢ ﺍﺣﺘﺴﺎﺏ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﺷﺮ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ
ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠّﻘﺔ ﺑ “12” ﻓﺌﺔ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ، ﺗﻀﻢ: ” ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ، ﻭﺍﻻﺑﺘﻜﺎﺭ، ﻭﺑﻴﺌﺔ
ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻜﻠﻲ، ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ، ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ، ﻭﻛﻔﺎﺀﺓ ﺃﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻠﻊ، ﻭﻛﻔﺎﺀﺓ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻭﺗﻄﻮﻳﺮ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﻤﺎﻝ، ﻭﺍﻟﺠﺎﻫﺰﻳﺔ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ، ﻭﺣﺠﻢ ﺍﻟﺴﻮﻕ، ﻭﺗﻄﻮﺭ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻭﺍﻻﺑﺘﻜﺎﺭ .”
ويقول تقرير عن التقييم، ﺇﻥ تجربة ﺳﻨﻐﺎﻓﻮرة تعتبر تجربة فذة، ﻟﻨﻬﻀﺔ دولة، ففي ﺃﻗﻞ ﻣﻦ “50” ﻋﺎﻣﺎً ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻣﻦﺟﺰﻳﺮﺓ ﻓﻘﻴﺮﺓ تقطﻨﻬﺎ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺃﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴّﻜﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﻟﺔ ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﺗﻀﺎﻫﻲ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ
ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﺎ ﻧﻈﻴﺮﺍﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺗﻄﻮﺭﺍً .لأن ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ ﻟﻲ ﻛﻮﺍﻥ، فطن لﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻋﺎﻣﻞ ﺣﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﻘﻮﻯﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﻟﻌﺒﺖ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﻨﻐﺎﻓﻮﺭﺓ ﺩﻭﺭرﺍً ﻫﺎﻣﺎً ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ. ﻭﺃﻃﻠﻘﺖ ﻣﺒﺎﺩﺭﺓ « ﻣﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ، وﺗﻌﻠﻢ ﺍﻷﻣﺔ، تقوم ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻣﺒﺎﺩﺉ:
1- ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺃﺟﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ
2- ﺇﻋﻄﺎﺀ ﻗﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻣﺰﻳﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ
3- ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﻭﺍﺳﺘﺤﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘّﻤﻴﺰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻲ
4- ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﻳﺸﺮﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻮﺟﻬﻮﻥ ﻣﺨﺘﺼﻮﻥ ﻣﻜّﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﻭﺍﺳﺘﺤﺪﺍﺙ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﺛﻢ ﺃﻃﻠﻘﺖ ﻣﺒﺎﺩﺭﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻫﻲ ﻣﺒﺎﺩﺭﺓ
«ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺃﻗﻞ، ﺗﻌﻠّﻢ ﺃﻛﺜﺮ»
ﺭﻛًﺰﺕ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﺍﺋﻖ
ﺍﻟﺘّﺪﺭﻳﺲ ﻭﺗﻘﻠﻴﻞ ﺣﺠﻢ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ ﻹﻓﺴﺎﺡ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ.)
أبريل 2024م