منوعات

لينا خوري: المسرحية أعادت لي إحساسي بذاتي والفريق ساهم بالنجاح

لينا خوري: المسرحية أعادت لي إحساسي بذاتي والفريق ساهم بالنجاح

زهرة مرعي

بيروت ـ  «فيزيا وعسل» عرض مسرحي متكامل العناصر وقعته المخرجة اللبنانية لينا خوري يستمر في مسرح المدينة إلى 19 من أيار/مايو الحالي. عرض احتشدت فيه الأسئلة، واحتمالات الإجابات. لكنّ خوري تركت المتفرجين بمواجهة السؤال غير المريح «ماذا لو؟». سؤال من شأنه كبت النفس، لأنه يفترض طرح احتمالات عن لحظة مضت ليس لنا حيلة بالعودة إليها، مع احتمال أن يتاح للبعض الاستدراك قبل فوات الأوان.

مع كافة الأسئلة الممكنة عن مسرحية «فيزيا وعسل» تبقى الإشارة واجبة بأن لينا خوري تحترف «حركشة» المياه الراكضة، كما في مسرحياتها «حكي نسوان» و«حكي رجال» و«لماذا» وغيرها.
مع لينا خوري هذا الحوار:
○ كيف جمعت بين جفاف الفيزياء وحلاوة العسل على المسرح؟
• يعود الفضل بهذا الجمع لنيك باين، كاتب المسرحية المسمّاة Constellations. يعني الكاتب بهذا المُسمّى مسارات أو كوكبة، بينما يجمع عنوان «فيزيا وعسل» بين تركيبتين غريبتين، من شأنه طرح السؤال عن كيفية جمعهما. البطلة ماريان عالمة فيزياء، والبطل رولان مربي نحل. اختار نيك باين هاتين الشخصيتين حيث أفكار ماريان وعملها وحياتها محصور بالنظريات والعلم. ويصلح تسميتها «طايرا بالفضا» لتتمكن من تفسير وجودنا. في المقابل رولان مربي النحل واقعي، وحياته تسير خطوة بخطوة، تماماً كما قفير النحل الذي يعتمد نظام حياة واضحا. إذاً الخلط بين المهنتين يشكّل أساس العرض، وهذا يعود لنيك باين طبعاً.
○ تكرر القول عنك عادت بعد غياب، فهل العروض المسرحية مرتبطة بتوقيت؟
• شكراً للسؤال. المسرح ليس كبسة زر، نحتاج الوقت للتفكير والتحليل واختيار النص. مررنا بأزمات كبيرة في لبنان من ثورة، إلى سرقة أموالنا من قبل المصارف، إلى كورونا، وجميعها تكللت بجريمة انفجار المرفأ. والجريمة الأكبر العدوان على غزّة والإبادة المستمرة منذ سبعة أشهر. إذاً نحن في أوجاع متواصلة ويومية.
○ نعرف أن المسرحية كانت جاهزة لدى بدء العدوان على غزّة؟
• صحيح. بعد الثورة كنت في أمل كبير بأن يكون لنا وطن. لم يطُل الأمل حتى تلقيت الصفعة. وتوالت الانتكاسات التي سبق ذكرها، فلازمت المنزل مع إحباطي وأحلامي المجهضة. وجدت نفسي كفرد بدون قرارٍ يفضي إلى نتيجة. برأي كان يفترض بنا إعلان قرار المقاطعة الجماعية، وهذا لم يحدث، فقد تابع الناس حياتهم وكأن شيئاً لم يكن. فكرت ملياً في انكفائي، ووجدتني سأتغرّب عن نفسي وعملي ومهنتي لو تابعت الطريق نفسه. انتظمت حياتي لاحقاً، وفكّرت بالعمل المسرحي المناسب للمرحلة، فأي عمل فني يتناول أزمة ما يولد بشكله الطبيعي بعد تحليل الأسباب والمعطيات والنتائج، ورسم الأبعاد بطريقة فنية. الأخبار بمختلف مصادرها آنية وتتابع المتغيرات، ولهذا خلصت إلى الأسئلة الوجودية التي كنت أطرحها ومنها هل أملك حرية الخيار؟ وهل قدرنا جميعاً أن نعيش بهذه الطريقة؟ إلى أسئلة مماثلة، حتى وقعت على نص نيك باين الذي خطف عقلي، لطرحه ما كنت أفكر به بطريقة ذكية، وجميلة وجديدة على المسرح. طرح هذا النص سينمائياً أسهل بكثير لوجود المؤثرات المساعدة في تجسيد هذه العوالم جميعها. عندما قرأت المسرحية ملياً خفت من صعوبتها على الجمهور الذي ربما يطلب التسلية للتنويه عن الأزمات التي يعيشها. بحثت عن سواها وعدت لها مراراً، قررت الإنطلاق وتواصلت مع ريتا حايك وألان سعادة وكانا الخيارين الوحيدين، أحبا النص وقالا لنباشر. بعد القراءة الأولى والثانية بدأ العدوان على غزّة، فتراجعت الاندفاعة.
○ وكيف كانت العودة؟
• بعد شهرين من الإنكفاء، قلت للبطلين لا شيء عندي أقوله، كل ما أرغبه أن نحكي معاً في جلسة. وكان اللقاء مع ريتا حايك، وألان سعادة والسينوغراف حسن صادق، وسألتهم رأيهم بالقرار المفترض؟ بعد الكثير من الحكي، تمّ الرأي على أن المسرح مهنتنا، وإن لم نقدّمه فنحن نتغرّب عن ذاتنا، ونصبح خارج الحياة، مع العلم أنّ الثيمات الأساسية التي تطرحها المسرحية تحكي أموراً كثيرة، عن العدوان على غزّة وعن التاريخ والجغرافيا وقدرنا، ووجودنا كبشر، وقرر الجميع العودة للعمل.
○ الصهيونية تلعب بحياتنا منذ حوالي القرن. وأصحاب المصارف سرقوا أموالنا ولعبوا بها. ومسرحيتك تركت مصيرنا مرتهناً لحجر الزهر. لماذا؟
• المسرح ليس تشخيصاً لمرض ووصف للدواء، بل يطرح الأسئلة حول أفكار ما، أو يساعد لرؤوية الأمور بطريقة مختلفة للمعهود. السؤال هل لدينا حرية الخيار؟ أم قُدّر لنا أن تكون حياتنا وفق هذه الخيارات؟ نظريات الفيزياء والبيولوجيا تقول إن خلايا الدماغ تعمل قبل أن تطرق بالنا فكرة ما. إذاً هناك نظريات تقول بأننا نملك الخيار، وأخرى تقول العكس وبأننا نقوم بردة فعل على مسارات محددة، من كواكب بعينها وليس سواها. في المُحصلة تطرح المسرحية أيضاً أن كل خيار نتخذه، موجود بالأساس في مجموعة كبيرة من الكواكب، هذا إذا كانت نظرية الأوتار صحيحة في علم الفيزياء، فمنهم من يؤكدها، ومنهم من ينفيها، فإن كانت صحيحة، فالاحتمال كبير بوجود عوالم متعددة، وإن لم تكن صحيحة فنحن أمام فكرة «ماذا لو أخذت هذا الخيار وليس الآخر؟» حيث لكل خيار نتائجه. ورداً على السؤال عن حجر الزهر أعود لمثل انكليزي يقول «هذا الورق الذي حصلتَ عليه المهم بماذا تلعب». والأمر مماثل في حجر الزهر، الحركة تتم وفق رقم الزهر، وفي المقابل هناك فرضية «ماذا لو» امتلكتَ فرصة رمي الزهر ستة آلاف مرّة؟ وعندها كم فرضية تكون أمامنا؟
○ بالنهاية كأنك تقولين أن الإرادة والحرية محبوستان في مكان ما وهما وهم؟
• لا تقول المسرحية هذا. تطرح الأسئلة وكل متلق يراها من منظاره. شخصياً وبعد كل الأزمات التي مررنا بها بتُّ أفكر بأننا نعيش وهم حرية الاختيار، نحن نقوم بردِّ فعل على أفعال حصلت.
○ «فيزيا وعسل» عرض مشحون بتوقع ماذا سيلي بين مشهد وآخر. كم شغلك؟
• تعيش المسرحية معي منذ خمس سنوات، منذ كانون الأول/ديسمبر استؤنفت التمارين بكثافة. المسرحية غنية جداً، وبالمقابل لعناصر المسرح كافة من سينوغرافيا، وإضاءة وملابس أن تتحد لتفسير هذا الغنى، ولتكون في الوقت عينه مُتعة بصرية. النص نصّ ممثل بامتياز، البطلان يتبدلان على المسرح ويقدمان 48 حالة، وبأقل من ثواني، فعلاً هي مسرحية مُكثّفة بكل عناصرها، والفريق بكامله أغرم بها، ولهذا جاء العمل متكاملاً حسب رأي.
○ بين النص وجدارة البطلين وحيويتهما كسبتِ لعبة التشويق. كم اشتغلت على الممثلين؟
• حلو. هذا هو المطلوب. تكامل العمل ونجاحه في تشويق المتلقي ناتج من وضوح الرؤية التي امتلكها كمخرجة حيال النص. عملت مع ممثلين رائعين، يتميزان بالذكاء والإحساس المرهف، بل هما كريمان في عطائهما، يصلان إلى التمارين قبل الموعد بكثير، شغلهما العرض المسرحي ليل نهار، وعملنا معاً على تفاصيل التفاصيل. التناغم بين الفريق وعلى كافة المستويات كان جميلاً، وأشدد على أهمية باقي العناصر من السينوغرافيا إلى الضوء والصوت والملابس، جميعهم أعطى أحلى ما لديه بعد أن توضّح المطلوب.
○ أشعر وكأن رد الفعل على «فيزيا وعسل» وعودتك إلى المسرح أصاباك بالحبور؟
• صحيح. شعرت بأني لينا مع بدء العمل على المسرحية. «فيزيا وعسل» أعادت لي إحساسي بذاتي، وبعملي وأهدافه.
○ إن سألك أحدهم عن وصفة حب مع جرعة فيزياء ماذا تقولين؟
• تضحك وتقول: لست أدري إن وجدت وصفة للحب. ما يمكنني قوله أن الحب هو أسمى مشاعرنا، وبدونه لا طعم للحياة، الحب أكبر بكثير من اختصاره بوصفة واحدة. أحياناً تكون مفاهيمنا للحب خاطئة، وإن ترفعنا عن التفاصيل الصغيرة كما الغيرة والحب والتملُّك والتفكير المتشابه، عندها تصبح الدنيا بألف خير.
○ وكيف خطر لك الممثلان ريتا حايك وألان سعادة؟
• لكوني أعرف عملهما وأحترم خياراتهما في المسرح وعلى شاشة التلفزيون، يعملان باحترافية، طاقاتهما قوية. و«فيزيا وعسل» مسرحية ممثل بامتياز، وتحتاج لممثلين لديهما القدر الكبير من الحب والطاقة، ولم يخطر لي أسماء سواهما.
○ برأيي الثوب المتعدد الوظائف والأشكال الذي ارتدته «ماريان» كان مسرحية موازية. فماذا عنه ومن ابتكره؟
• نفّذت الثوب مصممة الأزياء سوزي شمعة، نتعاون معاً منذ زمن بعيد. طلبت منها ثوباً يصبح ثمانية أثواب، ردّت: نعمممممم؟؟؟ أجبت: دبري راسك. بعد أسبوع طلبت حضور التمارين وقياس الثوب على ريتا حايك، وهذه حكاية الفستان الـ«بوردو». سوزي شمعة نفّذت عدداً منه لأنه بات مطلوباً وبألوان متنوّعة. ثوب ماريان بات في السوق.
○ سؤال عن مفاعيل ما سمي «الثورة» اللبنانية التي أحبطتك. هل زادت لديك التوقعات فكانت النكسة؟
• كنت من المواظبين على زيارة ساحة الشهداء. شعرت بوعي عميق لدى الشباب الرافضين لنتائج الحرب الأهلية، واحساسهم بأن الحكّام يسرقوننا وجهاً لوجه. آمنت بأن الوعي قادر على التغيير، نعم أصابني الإحباط عندما اكتشفت أن التركيبة الحاكمة أقوى منّا بكثير، ومتغلغلة كالأخطبوط.
○ وهل تعنين بالتركيبة أوليغارشية المال والطوائف معاً؟
• طبعاً. هما معاً علّتنا الكبرى، وكذلك تركيبة اللبناني الذي يؤثر الانتماء لطائفته على الانتماء لمواطنيته.
وعروض المسرحية مستمرّة حتى19 أيار/مايو خميس جمعة سبت أحد في مسرح المدينة.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب