دراسة لجامعة تل أبيب: 7 عوامل من شأنها تفجير علاقات العرب واليهود في إسرائيل في ظل الحرب على غزة

الناصرة- “القدس العربي”: اختار فلسطينيو الداخل الاكتفاء باحتجاج منضبط على الحرب ضد غزة، في ظل مخاوف من ردّ فعلٍ دموي غير مسبوق من قبل إسرائيل، التي تبدو جريحة، وتتصرف بشكل أهوج منذ “طوفان الأقصى”، على مبدأ تفويت فرصة عليها للقيام بخطوات خطيرة بمفاهيم تاريخية، ما يثير جدلاً أحياناً في أوساطهم عن مدى صحة هذا الموقف.

في المقابل، يقول ثلاثة باحثين إسرائيليين (إفرايم لافي، مئير إلران، وتومار فدلون)، في مقال مشترك نُشر في موقع معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، إن هناك سبعة عوامل من الممكن أن تؤدي لتفجّر علاقات اليهود والعرب داخل إسرائيل، في ظل الحرب على غزة وفي ما يلي موجز مزاعمهم:

الدراسة: القنوات التلفزيونية الإسرائيلية لا تُعتبر المصدر الأساسي للمعلومات الإخبارية للجمهور العربي، فنحو نصف هذا الجمهور يتابع قناة “الجزيرة” وقناة “مساواة”

التعامل مع الضحايا والدمار والكارثة الإنسانية في قطاع غزة

“يرى الجمهور العربي الفلسطيني في إسرائيل مشاهد الدمار والكارثة الإنسانية في القطاع، وهو يتأثر بها كثيراً. وبينما تترسّخ هذه الصور في وعيه، فقد تتسبّب بإضعاف تماهيه مع نضال الدولة من أجل القضاء على شبكات “الإرهاب الإسلامي” في القطاع. وعلى الرغم من أن أغلبية الجمهور العربي لا تتماهى مع “حماس”، فإن كثيرين من هذا الجمهور لا يبرّرون قوة الرد العسكري الإسرائيلي، واستهداف السكان المدنيين في القطاع، ويرون أن ما يحدث هو بمثابة أصداء للنكبة. إن الخطاب السائد في أوساط الجمهور العربي هو أن دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح سيُفاقم معاناة الغزيين كثيراً. وكلّما استمرت المأساة الإنسانية في القطاع، كلما تفاقم الغضب لدى الجمهور العربي، وتصاعدت الحاجة إلى الاحتجاج ضد الحرب. فإلى جانب الاستنكارات الحادة التي يطلقها قادةُ الجمهور العربي، وانتظام الناس في محاولة لتوسيع المساعدات الإنسانية المرسلة إلى القطاع، من المحتمل أيضاً حدوث مظاهر احتجاج، على هيئة تظاهرات وإضرابات، قد تتدهور نحو العنف. ومن علامات ذلك المسيرات التي أُقيمت في بعض البلدات في “يوم الأرض” في 30 آذار/مارس، احتجاجاً على ما يجري في القطاع، وعبر دعوات وقف الحرب”.

تفاقُم الإحساس بالاغتراب عن الدولة والأغلبية اليهودية

“إن إشارة وزراء إسرائيليين إلى أحداث نيسان/أبريل- أيار/مايو 2021، بصفتها “انتفاضة من الداخل”، وتأطير مكافحة العنف والإجرام في المجتمع العربي على أنها “حرب” ضد “عدو داخلي”، قد خلقت وهماً متحيزاً للواقع. إن هذا التوجه المتطرف ظهر أيضاً في مطالب وزراء اليمين بفرض قيود على صلاة العرب في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان الماضي. مثل هذا السلوك يوصم المجتمع العربي بصفة عدو، ويعمّق شعور الاغتراب لدى المواطنين العرب، بصورة قد تعزّز المكونات القومية والدينية المتطرفة الموجودة في هذا المجتمع”.

ضرب الأمان الشخصي

“بعد انخفاض حادّ طرأ على نسبة الجرائم في المجتمع العربي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، عادت أبعاد هذه الظاهرة إلى سابق عهدها. ويُعتبر هذا الأمر الموضوع الأساسي الذي يُقلق المجتمع العربي، والشاهد على استمرار إهمال الشرطة والحكومة لمعالجة مشكلة الإجرام . ورغم أنه لم يتم، حتى الآن، اتخاذ إجراءات حقيقية لتقليص ظاهرة الجريمة الخطِرة، وهو ما يخلق إحباطاً في صفوف المجتمع العربي وشعوراً عميقاً بأن الدولة لا تقف إلى جانبه  إزاء هذا الأمر الحيوي، فإن تعاظُم الإجرام والعنف في صفوف المجتمع العربي وتوفُّر سلاح متنوع، يشمل وسائل إيذاء جماعي تملكه منظمات الإجرام، والتي تشكل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي، وخصوصاً عندما تكون مؤسسات إنفاذ القانون محدودة القدرة على مواجهة التحدي. ويمكن القول إن الشعور الشخصي بالأمان تضرر أيضاً بسبب التساهل، مؤخراً، في إجراءات منح تراخيص لحمل السلاح الناري، والتي زادت بصورة كبيرة، الأمر الذي رفع عدد حاملي السلاح. وهي ظاهرة قد ترفع احتمالات وقوع الأخطاء، والتعامل مع أيّ حالة إطلاق نار [من جانب العرب] على أنها عملية “إرهابية”، الأمر الذي قد يؤدي إلى المساس بغير المتورطين”.

تدهوُر الحالة الاقتصادية

“لقد أضرّت الحرب بالقدرة الاقتصادية للمواطنين العرب. وتشير المعطيات إلى أن الضرر الاقتصادي الذي أصاب المجتمع العربي أكثر فداحةً منه في أيّ وسط آخر. وتشير معطيات بنك إسرائيل إلى أن نسبة البطالة لدى العرب تفاقمت مع بداية الحرب، وخصوصاً في صفوف الذكور، إذ انخفضت نسبة تشغيل هؤلاء في هذه المرحلة بنسبة 27%، مقارنةً بـ11% في أوساط الذكور من اليهود. يضاف إلى ذلك التقليصات المالية الأفقية الاتجاه في موازنات الوزارات الحكومية، والتي أضرّت بالخطة الخمسية الهادفة إلى تعزيز اقتصاد المجتمع العربي، إذ إن هذه التقليصات تسببت بضرر تبلغ نسبته 15% في الميزانيات المخصصة للوسط العربي، والتي تهدف إلى حلّ مشكلة الإهمال الذي استمر أعواماً طويلة. سيؤدي مثل هذه التقليصات، في المدى القصير، إلى الإضرار بالمجتمع العربي، كما أنه سيؤدي إلى ضرب الدخل القومي والاقتصاد الإسرائيلي في المدى الطويل”.

تصاعُد القيود على حرية التعبير، وتفاقُم الشعور بالملاحقة

“يسود المجتمع العربي شعور بالاضطهاد من السلطة، وخصوصاً من جانب المؤسسات المؤتمنة على إنفاذ القانون. فالدولة تثبت يومياً أنها غير ديمقراطية، على الأقل في ما يتعلق بالعرب. إن متابعة جهات إنفاذ القانون الحثيثة للمنشورات في شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً لدى الشخصيات المؤثرة، على غرار البروفيسورة نادرة شلهوب كيفوركيان، يُنظر إليها على أنها تهدف إلى تقييد حرية التعبير والحرية الأكاديمية. يضاف إلى ما تقدّم التقارير المتعلقة بأوامر الفصل الدائمة بحق الطلاب العرب من مؤسسات التعليم العالي، وفصل العرب من وظائفهم في قطاعات عمل مختلفة”.

الاستفزازات والتنكيل من الجهات القومية المتطرفة، العربية واليهودية

“يتحفظ المجتمع العربي إجمالاً عن الأيديولوجيات المتطرفة، وهو لا يؤيد الأفعال “الإرهابية” التي نفّذها عرب إسرائيليون مؤخراً. ومع ذلك، فإن هذا الدعم قائم في صفوف مجموعات راديكالية لديها حضور في صفوف الشباب، وفي شبكات التواصل الاجتماعي. هناك تخوف، مع استمرار الحرب، من نشاطات احتجاجية وأعمال خرق للنظام العام، تؤدي إلى وقوع مواجهات بين جهات راديكالية، قومية ودينية، تسعى لتعزيز برنامجها الأيديولوجي، إلى جانب الشبان من ذوي الخلفيات الجنائية، الذين سيرغبون في استغلال الوضع القائم لأغراض إجرامية. في أوساط اليمين اليهودي المتطرف، تعمل أطراف ذات توجهات مناهضة للعرب بصورة شديدة الوضوح، ترى في العرب جزءاً من “العدو الفلسطيني”، وتحظى بالشرعية من جهات مسؤولة. من شأن هؤلاء أن ينفّذوا القانون بأيديهم، وأن يشتبكوا مع مجموعات عربية، بادّعاء حماية اليهود. إن عملية التسلح الواسعة النطاق منذ اندلاع الحرب، قد تغذي العنف الخطِر بين اليهود والعرب. ودور الشرطة وجهات إنفاذ القانون يتمثل في كبح المجموعات المتطرفة بموجب القانون، ومنعها من الانجرار إلى أعمال شغب متبادلة”.

الدراسة: الشعور الشخصي بالأمان تضرر أيضاً بسبب التساهل بإجراءات منح تراخيص لحمل السلاح الناري

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العربية الخارجية في المزاج العام

“القنوات التلفزيونية الإسرائيلية لا تُعتبر المصدر الأساسي للمعلومات الإخبارية بالنسبة إلى الجمهور العربي. فنحو نصف هذا الجمهور لديه أجهزة خاصة، ويتابع الأخبار بواسطة وسائل الإعلام الأجنبية المتحدثة بالعربية، وخصوصاً قناة “الجزيرة” القطرية، وقناة “مساواة” التجارية من رام الله، التي تتوجه إلى الجمهور العربي في إسرائيل. يحصل الجمهور العربي على معلومات مفصلة، عبر وسائل الإعلام هذه، بشأن أعداد الضحايا والدمار في القطاع، وهو ما لا تعرضه القنوات الإسرائيلية. يبدو التركيز، في وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالعرب في إسرائيل، على الألم والتعاطف مع سكان قطاع غزة. كما يتسم الخطاب السائد بالغضب من النشاط الإسرائيلي العسكري، والتفهم أن طريق “المقاومة” هي وسيلة للتحرر من الاحتلال. ويظهر التضامن مع سكان القطاع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب الدعوة إلى الدعاء لهم خلال الصلوات عموماً، وخلال شهر رمضان على وجه الخصوص”.

خلاصة وتوصيات

ويخلص الباحثون الإسرائيليون الثلاثة لتقديم توصيات لمنع انفجار محتمل بالقول إن علاقة كلّ من الدولة والأغلبية اليهودية بالمجتمع العربي ترتبط مباشرةً بالأمن القومي، فهناك خطر إستراتيجي كامن الآن في احتمالات التدهور نحو عنف متبادل، من شأنه أن يحوّل البلد إلى ميدان مواجهة بين اليهود والعرب. ويرون أن سلطات الدولة تتحمّل مسؤولية تحييد الجهات التي تعرّض استقرار العلاقات مع المجتمع العربي للخطر، والعمل على تعزيز العلاقات وتقويتها، استشرافاً للمستقبل، وذلك على أساس الاعتراف بأن العلاقات المستندة إلى ضبط النفس ولجمها، هي وسيلة لتحريك تسوية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين ما بعد الحرب.

ويختتمون بالقول: “بناءً عليه، بات من المطلوب اليوم اتخاذ إجراء له تأثير في الوعي من أجل الحفاظ على الاستقرار الداخلي. إن توسيع نطاق المساعدات الاقتصادية الموجهة إلى السلطات المحلية العربية، والمصالح التجارية، والمحتاجين، سيؤثر بصورة إيجابية. وذلك إلى جانب الامتناع عن الإمعان في فرض القيود على حرية التعبير، وتصعيد النضال ضد الإجرام والعنف، ولجم الجهات المتطرفة من الجانبين، وتلافي المضايقات والمواجهات المتبادلة التي من شأنها أن تشعل النار في البلد”.