طلاب بريطانيا: أوقفوا الحرب وقتل الأبرياء في غزة
طلاب بريطانيا: أوقفوا الحرب وقتل الأبرياء في غزة
محمد نون
لا ينفصل الحراك الاحتجاجي لطلبة الجامعات في بريطانيا للمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية في غزة، عن المشهد العام الذي عاشته المملكة المتحدة خلال سبعة أشهر من تلك الحرب، حيث ضجت مدنها بتظاهرات وطنية عارمة تطالب الحكومة بوقف توريد السلاح لإسرائيل، والعمل على وقف فوري لإطلاق النار. ففي شباط/فبراير الماضي، كشف استطلاع للرأي عن تحول الرأي العام في بريطانيا نحو رفض أوسع للحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، وتعاطف أكبر مع الفلسطينيين. وأعطى احتجاج الطلبة الجامعيين دفعا أكبر للأصوات المطالبة بوقف الحرب، وتسبب بإحراج للحكومة البريطانية ووضع الأحزاب السياسية أمام امتحان للمصداقية في الاستجابة لرأي هذه الشريحة الهامة جدا من الرأي العام، لكون طلبة اليوم سيصبحون قادة الغد .
اتساع دائرة الاحتجاج
طلبة الجامعات البريطانية يوسعون إطار احتجاجهم في الجامعات المرموقة في لندن ونيوكاسل وبريستول ووارويك وليدز وشيفيلد وشيفيلد هالام وغيرها، ليكملوا صورة المشهد الطلابي العالمي الذي انطلق من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم امتد إلى أعرق الجامعات الأمريكية، ليتابع انتشاره حول العالم ببلوغه بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية، وكل ذلك يجري بشكل حضاري وسلمي من جانب الطلبة عبر التجمع في مناطق مفتوحة ونصب الخيم داخل جامعاتهم واعتمارهم الكوفية الفلسطينية ورفع العلم الفلسطيني.
وكانت أبرز المطالب التي رفعها الطلاب والموظفون المشاركون في الاحتجاجات الداعمة لفلسطين في الجامعات البريطانية، تتمثل في دعوة إدارات جامعاتهم إلى إنهاء التعاون مع الشركات التي تزود إسرائيل بالأسلحة. واللافت أن الطلبة يعبرون بدقة عن مدى إحساسهم بالمسؤولية الشخصية في رفع الصوت ضد استمرار الحرب على غزة، ويصرخ بعضهم بشعارات مفادها رفضهم استخدام جامعاتهم لما يدفعه الطلبة الجامعيون من أقساط لها، واستثماره في مشاريع بحثية أو إنتاجية تصب في صالح الجيش والحكومة الإسرائيلية التي تتهمها شكوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة .
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الطلاب في جامعة بريستول الذين أقاموا خيما للاحتجاج على جامعتهم، قاموا بتوجيه انتقادات لها بما أسموه «التواطؤ في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين».
والموقف ذاته تكرر في جامعة كامبريدج وأيضا لدى مجموعة «تحالف حرم شيفيلد من أجل فلسطين» المكونة من موظفين وطلاب وخريجين في جامعة شيفيلد وجامعة شيفيلد هالام، الذين نصبوا خيمة تضامنية مع فلسطين.
وهكذا فإن المشهد في الجامعات البريطانية يكمل ما بدأ به زملاؤهم في الولايات المتحدة اعتبارا من يوم 18 نيسان/ابريل الفائت، عندما نفذ طلاب رافضون للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة اعتصاما في حرم جامعة كولومبيا في نيويورك، مطالبين إدارتها بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية وسحب استثماراتها في شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية.
كذلك فإن توسع دائرة الاحتجاج في الجامعات البريطانية ووصولها إلى العاصمة لندن، كان شبيها بتوسع حالة الغضب التي اجتاحت الطلبة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث امتدت تظاهراتهم إلى عشرات الجامعات الرائدة مثل هارفارد، وجورج واشنطن، ونيويورك، وييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونورث كارولينا.
وهكذا كان القاسم المشترك للحراك الطلابي غير المسبوق في دعم فلسطين انطلاقا من الولايات المتحدة، وصولا إلى جامعات بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وحتى الهند، هو الدعوة إلى وقف الحرب على غزة ومقاطعة الشركات التي تزود إسرائيل بالأسلحة.
تعاطف شعبي وسياسي غير حكومي
ويحظى تحرك الطلبة الجامعيين في بريطانيا بتعاطف شعبي وسياسي متزايد لكنه غير حكومي .
بعض مظاهر ذلك التعاطف يظهر في ما يبثه ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع لوقفات الاحتجاج التي ينظمها الطلاب في جامعاتهم ومنها وقفة جامعة كامبريدج البريطانية لمطالبة إدارة المؤسسة بسحب استثماراتها ووقف تعاونها مع إسرائيل.
وكذلك كان الاهتمام بارزا بما يقوم به الطلبة في لندن حيث تظاهر الطلاب والعاملون في جامعة كينغز كوليدج مطالبين جامعتهم بقطع علاقاتها مع شركات تصنيع السلاح الإسرائيلية ومؤسساتها البحثية.
وطالب المتظاهرون الإدارة بالدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة وتقديم مساعدات للمؤسسات الصحية التي دمرتها إسرائيل بالقطاع المحاصر. والجدير بالذكر أن جامعة كينغز كوليدج لديها روابط أكاديمية ومادية مع معهد «تكنيون» الإسرائيلي وشركات تصنيع سلاح مثل إلبيت ورفائيل.
كما عبر المتظاهرون في لندن عن تضامنهم مع زملائهم المعتصمين والمتظاهرين في الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين وتنديدا بالحرب على غزة.
وكان طلاب في جامعة أدنبرة ووارويك ومانشستر أعلنوا انضمامهم لحراك التخييم الجامعي، تضامنا مع غزة في مواجهة الحرب الإسرائيلية. وقال طلاب من جامعة مانشستر – إنهم لن يغادروا المخيم قبل تلبية طلباتهم، المتمثلة في قطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب، والقطع الفوري لجميع استثمارات الجامعة في شركة «باي سيستمز» (وهي من أكبر شركات الأسلحة الأوروبية وتشارك في إنتاج طائرات «إف-35» و«إف-16» التي تستخدم ضد الفلسطينيين في غزة).
كما تنص مطالب الطلبة على قطع العلاقة مع أي شركة تصنيع أسلحة أخرى، ووقف أي أبحاث أكاديمية غير أخلاقية، والامتناع عن اتخاذ إجرءات عقابية ضد الطلاب.
ويُسجل لجامعة مانشستر أيضا مواقف مماثلة تعود إلى عام 2021 إثر الهجمات التي نفذتها إسرائيل ضد الفلسطينيين حينها، فقام أكثر من 200 عضو يعملون في هيئة التدريس والبحث في الجامعة بمطالبة الإدارة بقطع علاقات التعاون مع جامعة تل أبيب نظرا لتقديمها خدمات بحثية للجيش الإسرائيلي يستخدمها في أعماله التدميرية، ولذلك اعتبروها «متورطة بشدة» في عمليات القصف التي نفذها الجيش الإسرائيلي في شهر أيار/مايو 2021 وأدت إلى استشهاد 248 فلسطينياً من بينهم 66 طفلاً.
ويرى الطلبة الجامعيون أن المأساة التي أحدثها القصف الإسرائيلي حينها، يتواصل بشكل أكبر وأفظع في الحرب الحالية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/اكتوبر الماضي، وما زال مستمرا فيها ويصفونها بأنها إبادة جماعية .
دعم للطلاب من كوربن ودنكان
وفي إطار الدعم السياسي للحراك الطلابي قال الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني جيرمي كوربن وهو أيضا صاحب تجربة عريقة في مجلس العموم البريطاني نظرا لكونه نائبا منذ العام 1983 عن دائرة إزلينغتون الشمالية: «إن المملكة المتحدة شهدت أربعين تظاهرة وطنية تطالب الحكومة البريطانية أن تدعم وقف إطلاق النار في غزة وأن تتوقف عن توريد السلاح إلى إسرائيل».
ودعا كوربن في تصريح خاص لـ»القدس العربي» إلى وقف «الحرب المجنونة التي قُتل فيها آلاف الفلسطينيين، فنحن نطالب بالسلام والعدالة للشعب الفلسطيني ووقف قصف غزة».
وأعرب كوربن عن تقديره للاحتجاجات الطلابية في الجامعات والمعاهد البريطانية حيث يقوم الطلبة بالتعبير عن تضامنهم مع قطاع غزة، وقال :»أنا أؤيدهم تماما، فهم يُظهرون الروح الشبابية الرافضة لما يشاهدونه عبر الشاشات من مشاهد الرعب الذي يتعرض له أهالي غزة» مضيفا أن الطلبة هم الذين يقررون الطريقة التي يعبرون فيها عن تضامنهم مع غزة .
كذلك سألت «القدس العربي» ألآن جيمس دنكان وزير الدولة السابق في وزارة الخارجية البريطانية وهو أيضا كان نائبا سابقا في البرلمان عن حزب المحافظين، فقال عن رأيه في الاحتجاجات الطلابية في الجامعات البريطانية للتضامن مع الشعب الفلسطيني: «أعتقد أن هذه الاحتجاجات في الجامعات هي أمر جيد، ولا أعتقد أنها من أشكال معاداة السامية أو دعم التطرف الإسلامي كما يتهمها البعض بذلك، فالطلاب الجامعيون يملأون الفراغ الأخلاقي الذي أنتجه عدم كفاءة السياسيين الذين لا يلتزمون بالقوانين الدولية، والآن حان الوقت للسياسيين في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لكي يلتزموا بالقانون الدولي وأن يعلنوا بوضوح أن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية هو أمر غير شرعي، وأنه حان الوقت ليكون لفلسطين دولتها المستقلة التي تستحقها».
وأجاب الوزير دنكان بشأن مسؤولية الحكومة البريطانية في وقف الحرب في غزة فقال: «أعتقد أنه من المهم جدا أن نستذكر التاريخ لنقف على حقيقة الافتقار للعدالة بعد 76 سنة من النكبة، ولقد حان الوقت الآن لاحقاق العدالة».
وأضاف: «نحن نشاهد اليوم عنفا شديدا في غزة، ولكن هذا لم يبدأ منذ السابع من أكتوبر بل إنه بدأ منذ العام 1947- 1948 منذ النكبة ذاتها، ولذا نعتقد أنه حان الوقت ليكون لفلسطين دولتها التي تستحقها».
ورأى الوزير البريطاني السابق أن «الحكومة البريطانية تتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك بعد 76 عاما من النكبة، لأن أصل الأمر يعود إلى عام 1917 عندما تم ترتيب الأمور ليكون لليهود وطنا (قوميا) ولكن من دون أن يكون قيامه على حساب الفلسطينيين، ولكنه جاء على حسابهم، وهذه ازدواجية المعايير وهي ازدواجية غير مقبولة».
وشدد قائلا: «أعتقد أن الحكومة البريطانية فشلت في مهمتها بشأن إقامة الدولة الفلسطينية وفشلت بعدم تصويتها في الأمم المتحدة على إقامة الدولة الفلسطينية».
سوناك يحذر ويتشدد
في المقابل كان موقف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك متسما بالتحذير ، حيث دعا رؤساء الجامعات لعدم التسامح مع ما وصفها حوادث معاداة السامية. ووصف الطلاّب المتضامنين مع غزة بـ«الأقلية الصاخبة» داعيا إلى حماية زملائهم اليهود من المضايقات.
ودعا سوناك رؤساء الجامعات إلى حماية الطلاب اليهود مما وصفه بـ«المضايقات» و»الإساءات» المعادية للسامية من أقلية صاخبة في الاحتجاجات داخل الجامعات، كما وجّه بعدم التسامح مع حوادث معاداة السامية. وقال المتحدث باسم سوناك إنه دعا رؤساء بعض من أشهر الجامعات البريطانية إلى مقر الحكومة في داونينغ ستريت وأخبرهم أنه يتعين عليهم اتباع نهج عدم التسامح مطلقا مع حوادث معاداة السامية وأي شكل آخر من أشكال التمييز.
وأعلن سوناك في آذار/مارس عن خطط لمعالجة ما وصفه بالنشاط المتطرف في بريطانيا، لكن بعض السياسيين في حزبه حذروه من استغلال القضية في محاولة للحصول على مكاسب سياسية.
وقال المتحدث للصحافيين بعد الاجتماع إن رئيس الوزراء «دعا الجامعات إلى أن تظل معاقل للتسامح حيث يجري النقاش باحترام مع الآخرين ويشعر كل طالب فيها بالأمان».
ومضى المتحدث قائلا إن سوناك حضر إلى جانب وزراء التعليم والأمن والمجتمعات المحلية في النقاش الذي أُثيرت فيه مخاوف بشأن تسلل «محرضين من غير الطلاب» إلى الحرم الجامعي.