ثقافة وفنون

يأتي العاشقون إليك يا بغداد -الـشاعر/ محمد الفيتوري

الـشاعر/ محمد الفيتوري

يأتي العاشقون إليك يا بغداد
الـشاعر/ محمد الفيتوري
 
هذا المساء
كأن ثمة من يرقع غيمة مثقوبة
هذا المساء
كأن أجنحة فلسطينية الألوان
تزلق في الهواء
كأن طفلا حاملاً حجراً،
يراوغ قاتلاً متربصاً،
ويغوص في عينيه..
يحفر في صخور الجاهلية جدولا للضوء..
ثم يغيب خلف ظلام من قتلوا إبتسامته..
ومن قتلوه
كان الطفل ذو الكوفية الحمراء
يركض عارياً
إلا من الحجر المخضب في يديه
أكاد.. إني لا أصدق..
عارياً إلا من الكوفية الحمراء..
والحجر المخضب في يديه
وألف نيشان من الذهب المرصع
فوق صدر لم يخض حرباً
وألف إذاعة قصفت متاريس العدو
وألف أغنية مسلحة من الوزن الثقيل
على عرش ذليل،
*
لمن إذن؟
تلك الأساطيل التي يبنونها
في البر، أو في البحر، أو في الجو
للنازية السوداء
أم للطفل؟
أم للمشي خلف جنازة الوطن القتيل؟!
*
أقول.. إني لم أزل
كانت وراء حديقة الزيتون
رأس مثل رأس الطفل
ملقاة وراء حديقة الزيتون
إني لم أزل
كانت يد الحاخام تغرق في دماء الطفل
كان الطفل يغرق في دم الحاخام
كانت رعشة القدمين
والكفين.. والشفتين
لا.. إني أكاد أقول: لا
وأنا الذي لم يختبئ يوما وراء دموعه
إن الالي سرقوا طفولة ذلك الآتي
من المأساة
قد سرقوا فمي
لم يتركوا لي غير قافية على وتر خجول
سرقوا فمي
لم يتركوا لي ما أقول
*
أرأيت يا بغداد
يأتي العاشقون إليك
مثقلة حقائبهم بماء البحر..
والصدف الشتائي القديم..
وزنبق الأمطار
يأتي البحر ذو الرايات
فوق خيوله الزرقاء
مسبوقا بأجنحة مباغتة من الأنوار
تأتي الشمس حاملة كؤوس رحيقها الأزلي
ليل نهار
يأتي الشعر والشعراء
في زمن انشطار الضوء، يأتي الشعر والشعراء
شاخصة نواظرهم، إلى بغداد
كعبتنا التي سجدت على عتباتها
شمس المجوس
سلمت يا ياقوتة المنصور
لكن المجوس الآخرين هناك
في تلمودهم يتقلبون
يلونون جلودهم فوق الرمال
ويقضمون أصابع الأطفال والموتى
ويرتجفون مقرورين لإسمك
هل علمت؟
هناك تحت سقوفهم، وبطون دباباتهم
يتعبدون خرائب الماضي
وترتجفون مقرورين لإسمك
أنت يا بغداد
يا بغداد..
يا بغداد..
*
وأكاد لولا وجه بغداد العظيم
متوجاً بالنصر
أسقط في الذهول
وأكاد أوقن أن شمساً فوق هذي الأرض
أدركها الأفول
وأكاد أحفر فوق جدران الخرائب والطلول
لم يتركوا لك ما تقول
لم يتركوا لك ما تقول
الرباط 4-11-1990

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب