
لغتنا_الجميلة *
بقلم د. هاشم غرايبه*
من أهم القضايا التي تؤرق القابضين على جمر الانتماء لهذه الأمة، وتقلق الحريصين على النهضة بها، هي الانحدار المتتالي جيلا بعد جيل في الإلمام باللغة والحفاظ على إجادة الأجيال الجديدة لها.
لطالما اعتبر اغلب الناس دروس القواعد في اللغة العربية من أصعب المواضيع، وأظن أن السبب يعود الى الطريقة الخاطئة في تعليم اللغة، جهلا من معدي المناهج المدرسية أو قصدا.
فالتلميذ إذا لم يفهم الموضوع لن يمكنه استيعابه، والإعراب خاصية متميزة للغة العربية ويعني فهم المعنى، ودور كل مفردة من أقسام اللغة الثلاث وهي الفعل والإسم والحرف، ومتى ما أُدرك دور المفردة في تفسير معنى الجملة عُرف إعرابها، وبالضرورة متى ما عُرف إعرابها فُهم معناها.
ما يميز اللغة العربية أنها معربة بكليتها، ويعني ذلك أن كل لفظة فيها مشتقة من جذر، والذي هو أصلا يتكون من ثلاثة حروف، لذلك من السهل معرفة معنى كل لفظة بإرجاعها الى جذرها، كما يمكن معرفة إعرابها، لأنه مرتبط منطقي بتصريفها، وهذا أهم ما يميزها عن باقي لغات البشر، التي أغلب ألفاظها مبنية.
مثال للتوضيح، الجذر (فتح)، جميع المشتقات مثل مفتاح مفتوح فاتح انفتاح افتتاح..الخ، كل لفظة معناها مشتق من الجذر، بينما في الانجليزية لا علاقة بين لفظتي (open و key)
كما يمكن معرفة معنى الجملة من فهم دلالات الحروف، وأكثر تلك الحروف استعمالا هي حروف الجر، ولكل منها استعمال محدد لا يمكن استبداله بغيره، بل حتى يتغير بتغير موضعها، وهي كثيرة في اللغة العربية إذ تقدر بواحد وعشرين حرفا، أشهرها وأكثرها استعمالا هي الحروف التي تدخل على الأسماء الظاهرة والمضمرة (الضمائر) كليهما، وهي: من ، وإلى، وعن، وعلى، وفي، والباء، واللام، ولعل وخلا، وحاشا، وعدا ولولا، وبقية الحروف لا تدخل إلا على الأسماء الظاهرة فقط وهي :حتى، ومذ، ومنذ، ورُب، وكي، والواو، والكاف، ومتى.
وفيما يلي أبرز معاني هذه الحروف:
مِنَ: يدل على التبعيض أو بيان الجنس، وقد تكون مِنَ زائدة، وتُستخدم أيضاً لبيان السبب، كما تدُل على بداية المكان، وقليلاً ما تُستخدم لبداية الزمان، أما “على”: فتفيد الاستعلاء، أي أن شيئاً يعلو فوق الآخر، وقد يكون الاستعلاء ملموساً او محسوساً.
ومن أجمل استعمالاتهما قوله تعالى: “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا”، وعندما يجيء النفي قبل الإستثناء فإنه يفيد الحصرفجاءت “من” هنا لبيان الجنس لتدل على عموم جنس الدواب فلا استثناء لأية دابة في الأرض، فيما جاءت “على” قبل لفظ الجلالة في معنى تحمّل المسؤولية عن تأمين الرزق، وبالتالي فبما أنه تعهد من قِبَلِ مقسّم الأرزاق، فذلك يعني اطمئنان الموعود الى تحقق الوعد.
إلى: يدل على انتهاء الزمان أو المكان وقد تُفيد المصاحبة أو تأتي مرافقة لكلمة لتدل على الاستفهام.
عَن: يفيد المجاوزة. في: يُستخدم لبيان الظرف سواء كان ظرف مكان أو زمان، وقد يدل على السبب وأحياناً يدل على الاستعلاء. رُبَّ: من معانيها التقليل أو التكثير. الكاف: تُستخدم عادة للتشبيه أو التعليل، وأحياناً تكون زائدة. اللام: تُستخدم للتعليل أو للمُلكية، أو زائدة. الباء: فلها عدة استخدامات منها التبعيض، والاستعانة، وتدُل على الظرف، والمصاحبة، والسبب. الكاف : تُستخدم للتشبيه. حتّى : شبيهة بمعنى إلى فهي تستخدم للانتهاء سواء للمكان أو للزمان. التاء والواو : كُل منهما تُستخدم للقَسَم ويتبعهما لفظ الجلالة، أما الواو بدون لفظ الجلالة فيُعتبر حرف عطف. مُذ ومنذُ: يتم استخدامهما لبيان الزمان، وقد تُستخدمان للظرف. خلا وعدا وحاشا: إما أن تكون حروفاً أو أن تكون أفعالاً ماضية، تنصُب الكلمة التي تأتي بعدها، وهذا حسب موقعها بالجملة.
مما سبق يتبين لنا سعة في المعاني وتنوعا هائلا في المدلول، ولذلك كانت البلاغة في العربية، لأنها تعطي المعنى المراد بلا لبس أو عتامة، وبأقل عدد من الكلمات، وأما الصعوبة في تعلمها التي يواجهها الأجيال الجديدة فتعود الى المناهج أولا، والتخلي عن بناء قدرات القراءة والكتابة، والاستبدال بها الوسائل الاليكترونية، ثم يليها قلة المطالعة، والميل الى الكتاة باللهجة الدارجة لسهولتها بسبب قلة مفرداتها وغياب النحو فيها، مما يؤدي الى قلة استعمالهم اللغة الفصحى.