اجتماعيات

رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب: تأثير سلبي لتزويج القاصرات على صحتهن البدنية والنفسية والعقلية

رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب: تأثير سلبي لتزويج القاصرات على صحتهن البدنية والنفسية والعقلية

ماجدة أيت لكتاوي

الرباط ـ  عاد النقاش بخصوص تزويج القاصرات بالمغرب إلى الواجهة من جديد، حيث أماط أحمد رضا الشامي، رئيس «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» اللثام عن «تزويج الطفلات في المغرب» مؤكدا أن للأمر «تأثيرا سلبيا على الصحة البدنية والنفسية والعقلية على الفتيات ويحرمهن من التعليم».

 ولفت المتحدث أمام لجنة «العدل والتشريع وحقوق الإنسان» بالغرفة الأولى للبرلمان المغربي، أن الاستثناء المعمول به في القانون المغربي خاصة مدونة الأسرة (الأحوال الشخصية) علاقة بتزويج القاصرات، صار هو القاعدة، موضحا أن القضاة المغاربة وافقوا على تزويج 12.940 قاصر عام 2022 معتبرا أن حجم الظاهرة يظل أكبر لكون الإحصائيات الرسمية لا تأخذ بعين الاعتبار حالات الزواج غيرِ الموثق، على غرار زواج الفاتحة.

تأثيرات سلبية

 وأفاد رئيس «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» وهو مؤسسة دستورية تضطلع بمهام استشارية حول الاختيارات التنموية الكبرى والسياسات العمومية، أن ظاهرة تزويج الأطفال، لا تزال مستمرة في المغرب رغم تحديد سن أهلِية الزواج في 18 سنة، الذي يوافق سن الرشد، مشددا على أن تزويج الطفلات له «تأثير سلبي كبير على الصحة البدنية والعقلية والنفسية للفتيات، بالإضافة إلى حرمانهن من التعليم والتكوين، وهي نفس التأثيرات التي تطال الذكور ممن يفرض عليهم الزواج في سن مبكرة».
وشدد على أن هذا التأثير واقع بالفعل وليس فكرة يدافع عنها البعض ويرفضها آخرون، فهناك معطيات علمية تبين التأثير السلبي للأمر. وعلاقة بالتأثير السلبي لتزويج القاصرات على المستوى الاقتصادي وتنمية المجتمع، أفاد رضا الشامي أن «زواج الطفلات يؤدي إلى ارتفاعِ مستوى الخصوبة غير المنتِجة وتكريس وضعية الفقر واستمرار التوريث الجيلي للفقر والتفاوتات بين الجنسين، ويعرضُ الصحة الجسدية والنفسية للفتيات وأطفالهن لمخاطر كبيرة».  طلب الرأي المتعلق بزواج القاصرات من المجلس، الذي تزامن مع مراجعة مدونة الأسرة بالمغرب جعل رضا الشامي يقول: «قدمنا توصياتنا للجنة التي أمر الملك محمد السادس بتشكيلها، رغم أن الموضوع لم نتناوله برمته من قبل، بل تناولنا مواضيع ذات العلاقة بالمرأة، وبالتمكين الاقتصادي والاجتماعي».
وأشاد رئيس المجلس بالمقاربة التشاركية المتبعة في مراجعة المدونة، واستماع اللجنة المكلفة لجميع مكونات وتلاوين المجتمع المغربي، وأوضح أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، طرح بدوره خلال جلسة الاستماع إليه من طرف اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، ظاهرة تزويج القاصرات، متوقعا أن تكون «مدونة الأسرة في صيغتها الجديدة، مواكبة للتطور الذي يعرفه البلاد».
وكشف تقرير أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بعنوان «إشكال زواج الطفلات وتأثيراته الضارة على وضعهن الاقتصادي والاجتماعي» أن ظاهرة تزويج الأطفال، بوصفهـا ممارسة ضارة تهم الفتيات بالدرجة الأولى، لا تزال مستمرة في المغرب رغم الجهود المبذولة لمكافحتها. ذلك أن تحديد مدونة (قانون) الأسرة التي جرى اعتمادها سنة 2004 لسن أهلية الزواج في 18 سنة، الذي يوافق سن الرشد، لم ينجح في القضاء على هذه الممارسة. ويعود سبب استمرار الظاهرة، نظرا لنص المدونة على «استثناء» يخول للقاضي خفض سن الزواج في بعض الحالات المعزولة، لكنه استثناء سرعان ما تحول إلى قاعدة.
وفق تقرير «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» اطلعت عليه «القدس العربي» وهو ما يعكسه عدد عقود الزواج المتعلقة بقاصر المبرمة سنة 2022 والذي بلغ 12.940 عقد. علما أن حجم الظاهرة يظل أكبر لكون الإحصائيات الرسمية لا تأخذ بعين الاعتبار حالات الزواج غير الموثق (على غرار زواج الفاتحة وغيره).
وأبرز التقرير أن الزواج المبكر، إلى جانب تأثيره السلبي الكبير على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للفتيات بوصفهن نساء المستقبل، فإن له تأثيرا سلبيا أشمل على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، ويؤدي إلى تضييق الآفاق المستقبلية للفتاة، مـن خلال إقصائهـا من منظومة التربية والتكوين ومن ثم حرمانها من فرص المشاركة الاقتصادية. كما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الخصوبة وتكريس وضعية الفقر، ويعرض الصحة الجسدية والنفسية للفتيات وأطفالهن لمخاطر كبيرة.
وأعرب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن رأيه، إعمالا للمصلحة الفضلى للطفل ونهوضا بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، بالإسراع بوضع حد لتزويج الأطفال بمختلف أشكاله من خلال «ملاءمة الإطار القانوني مع الدستور والاتفاقيات الدولية» التي صادق عليها المغرب، لاسيما من خلال نسخ المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة التي تفتح الباب أمام الاستثناء في تطبيق قاعدة سن أهلية الزواج (18 سنة) وتخصيص مقتضى في مدونة الأسرة متعلق بمبدأ «مصلحة الطفل الفضلى» مع تعريف هذا المبدأ وتحديد كيفيات تطبيقه.
ودعا التقرير، إلى محاربة الممارسات الضارة بالأطفال، عبر تسريع تنزيل السياسة المندمجة لحماية الطفولة، ووضع سياسة أسرية تأخذ في الاعتبار التربية على تحمل المسؤولية المناطة بالوالدين، وتوعية الأسر بالممارسات الضارة بالأطفال. إلى جانب وضع نظام معلوماتي من أجل تتبع وتقييم التقدم المحرز في مجال القضاء على الممارسة المتعلقة بتزويج الطفلات، على أن يرتكز هذا النظام على مجموعة من المؤشرات الملائمة، في انسجام مع حقوق الطفل ومصلحته الفضلى وأهداف التنمية المستدامة، وعلى المعطيات المتعلقة بالحالات المحتملة لزواج وطلاق الطفلات، وحالات الزوجات القاصرات المهجورات، والعنف الزوجي والأسري ضد الزوجات القاصرات. وأوصى المجلس ببلورة تقرير سنوي تقدمه السلطة الحكومية المكلفة بالطفولة أمام اللجان المعنية بمجلسي البرلمان، حول تطور وتيرة تزويج الطفلات والتدابير المتخذة في إطار السياسات العمومية ذات الصلة للحد من أسباب اللجوء إلى هذه الممارسة.

زواج المراهقة

وعلاقة بالتأثير النفسي والعقلي لتزويج القاصرات، قالت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي، إن الحديث عن تزويج القاصرات يحيل إلى زواج يتم خلال فترة المراهقة المبكرة أو المتأخرة، والدراسات على المستوى العالمي ومؤتمرات الجمعية الأمريكية للطب النفسي تؤكد جميعا أن المراهقة مرحلة هشة من الناحية النفسية والذهنية كذلك، لأن المراهق يكون أمام تحدي تشكيل الهوية وتحديد الأدوار المنوطة به، كأحد أكبر الأدوار التي تواجه المراهق، وحين نتحدث عن الهوية نتكلم عن أهم ما يمكن أن يشكل النمو النفسي والاجتماعي للمراهق.
وأفادت المرابطي متحدثة لـ «القدس العربي» أن الزواج وبقدر ما هو قرار جميل ومجال تجاذب ذكر وأنثى في بعده العاطفي والجنسي ورغبة في استمرار الحياة، إلا أنه يكون مجالا للتعرض لعدد من الضغوط انطلاقا من الشخصين نفسهما، حيث يكشف الزواج، ما بعد الأيام الأولى، عن التنافر الذهني واختلاف الطباع والعادات والاهتمامات، بالإضافة إلى الضغوط الممارسة من طرف العائلتين، وتحديدا ضغط عائلة الزوج.
وأوضحت المتحدثة أن هذه الضغوط مجتمعة، وفي ظل كون الزوجة مراهقة هشة لا تملك آليات المواجهة ومهارات الاشتغال والتعامل مع مواقف متعددة مع زوجها أو مع شبكة العلاقات العائلية المتشابكة، قد يعرضها إلى مجموعة من الاضطرابات النفسية، في حال كان لها الاستعداد النفسي، أو كانت تحمل جروحا نفسية، وإذا كان لديها استعداد وراثي.

العناية بالطفل

بعيدا عن الاضطرابات النفسية، أشارت الأخصائية النفسية، إلى أن الحياة الزوجية، بعيدا عن العائلة الممتدة، كانت تعمل على استكمال تنشئة هذه الفتاة. أما اليوم ستجد القاصر نفسها في زيجة تتشكل منها ومن زوجها وعليهما معا أن يواجها الحياة، وحين يرزقان بطفل نجد أن الفتاة لم تستكمل بعد نموها النفسي والاجتماعي والعقلي والذهني مطالبة بالعناية بالطفل الذي يتطلب بدوره العديد من القدرات والمهارات وهي عاجزة تماما عن إعطائه شيئا، والطفل في حد ذاته قد يشكل لدى العديد من الفتيات الأمهات، ضغطا آخر ينضاف إلى باقي الضغوط. وخلصت الباحثة في علم النفس المجتمعي أن الزواج في هذه المرحلة المبكرة ليس ربحا لأي فتاة ولا لأي مجتمع، والحديث هنا عن المجتمع المغربي، بل سيكون خسارة، وستكون تكلفة الزواج عالية جدا خاصة وأن الأرقام توضح أن نسبة عالية يتعرضن للطلاق، وحين تتطلق تأتي محملة بطفل أو اثنين، بتكلفة مضاعفة لا تتحملها الأسرة ولا المجتمع ولا الأبناء ممن لا يتوفر لهم المجال المساعد والملائم على التنشئة السوية.
إلى ذلك، أشارت معطيات دراسة أنجزتها رئاسة النيابة العامة حول الموضوع، أن 57 في المئة من طلبات الإذن بزواج القاصر لا يتعدى أمد البت فيها يوما واحدا، وأن 12.49 في المئة فقط من الملفات يتم اللجوء فيها إلى مساعد اجتماعي من أجل إنجاز بحث اجتماعي. وأن الحالات التي يتم اللجوء فيها إلى طبيب نفسي عند إجراء الخبرة الطبية تبلغ 0.29 في المئة من مجموع الحالات. كما أنه في 97.5 في المئة من الحالات تخلص الخبرة الطبية إلى قدرة الفتاة على الزواج.
وحسب دراسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان وصندوق الأمم المتحدة للسكان، أكدت أن 76 في المئة من أفراد العينة المستجوبة أنه يتم الاكتفاء بالإدلاء بشهادة طبية تفيد أن الطفل قادر على الزواج.
من جهة أخرى، أبرزت الدراسة ذاتها، أن 47 في المئة من أفراد العينة المستجوبة صرحوا أن أولياء أمور الأطفال يلجأون إلى تقديم طلبات جديدة أمام نفس المحكمة، عوض اللجوء إلى الطعن في مقررات الرفض أمام محكمة الاستئناف. ومن الأسباب التي تجعلهم يختارون هذه الصيغة كونها أقل تكلفة ولتقديرهم أن لديهم حظوظا أوفر في الحصول على الموافقة للمرة الثانية.
بدوره، أشار المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى أن نسبة طلبات زواج القاصر المقدمة للقضاء بين سنتي 2017 و2021 التي تمت الموافقة عليها بلغت 46 في المئة. فيما أبرزت دراسة منجزة من طرف جمعية حقوق وعدالة كاشفة أن 10.8 في المئة من حالات تزويج القاصرات التي شملتها الدراسة كان عبارة عن زيجات غير موثقة.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب