كيف تعرف أنك في مدينة محتلة بالنظر إلى حبة خوخ بيد عجوز في شارع صلاح الدين؟

كيف تعرف أنك في مدينة محتلة بالنظر إلى حبة خوخ بيد عجوز في شارع صلاح الدين؟
قبل أسبوعين، هاجموها وسلبوا ما معها. صحيح أنه كان اعتداء خفيفاً، وبدون إصابة، ولم يكن السلب تحت التهديد بالسلاح كما هي الحال في الغرب. لكنها امرأة فلسطينية من القدس، تجلس على الرصيف في شارع صلاح الدين شرقي القدس، وتبيع الفواكه والخضراوات التي معظمها من إنتاج بستانها.
قبل أسبوعين تقدم منها شخصان يرتديان الزي الرسمي باللون الأسود (من المهم متى سيضيفون إلى الزي الأسود النظارات الشمسية التي لا يمكن الرؤية منها). لم يقولا شيئاً، أخذا بضاعتها ووضعاها في سيارة تندر من نوع “تويوتا” تابعة لبلدية القدس، كانت تقف في وسط الشارع. حدثت فوضى، شخص بدأ يصرخ، وآخر حاول التصوير، والمرأة (ابنة الـ 60 أو أكثر) بدأت تصرخ لسلب بضاعتها منها، الخوخ وورق العنب والكرز، وحاولت حمايتها بجسدها، ولكن بنجاح جزئي.
هي إحدى البائعات اللواتي يجلسن على رصيف شارع السلطان سليمان وشارع صلاح الدين. جميعهن مُسنات ومعوزات وليس هناك من يعيلهن. لم يكلف المفتشون أنفسهم عناء التحدث مع هذه المرأة في الوقت الذي كانوا يصادرون فيه بضاعتها. سألت شاهدة عيان كانت في المكان “إلى أين يأخذون البضاعة، ولماذا؟” فجاء الرد “لا تتدخلي”. وبعد تصميمها، قال أحدهم: “لا تملك تصريحاً”. هذا ما حدث. ثم ركبوا السيارة وذهبوا.
لم تتفاجأ المرأة المقدسية. فقبل بضعة أشهر، قالوا لها إنها لا تملك تصريحاً، ومنذ ذلك الحين والمسألة مسألة وقت إلى حين مجيئهم لسلبها بضاعتها. ولكن ما الذي يمكنها أن تفعله؟ هزت كتفها باستسلام. ولأنها والنساء الأخريات لا يملكن تصاريح للبيع بالمفرق، ويخرقن القانون المساعد في قوانين البلدية، فإنهن يعتبرن هذا السلوك نوعاً من المخاطرة المهنية.
مرة يأخذون من إحداهن، ومرة من أخرى. ربما قصدت البلدية ذلك عندما كتبت “إنفاذ القانون ينفذ بصورة متساوية وبدون تمييز”.
هذه المرأة أرملة منذ عشرين سنة، ولا معيل لها. ولكن لها قطعة أرض صغيرة تزرعها، وكل يوم، في الصيف والشتاء، تجلس على الرصيف وتبيع منتجاتها: ورق العنب والحاملة في الربيع، الخوخ والمشمش في الصيف، الزيتون في الخريف. ثمن البضاعة التي تم سلبها منها يقدر بـ 1500 شيكل. لم تقدم شكوى. كانت راضية لأنها نجحت في إنقاذ جزء من بضاعتها، واستمرت في البيع تقريباً بعد ابتعاد سيارة البلدية. وإذا كانت البلدية تريد محاربة بائعات المفرق في الشوارع، فإنه يصعب وصف طريقة أكثر غباء من هذه الطريقة لفعل ذلك.
البائعون في المكان يعرفون هذا الأسلوب جيداً. وحسب قولهم، ازداد التنكيل ببائعات المفرق في الأشهر الأخيرة. ولكن كثيراً ما يحصل مثل هذه المضايقات. لم يبق سوى لغز واحد لم يحل لهن، وهو إلى أين تؤخذ البضاعة التي تصادر وماذا يفعلون بها؟ التخمين الأكثر جنوناً الذي سُمع هو أن هذه البضاعة (التي تقدر بمئات أو آلاف الشواكل) تؤخذ إلى حديقة الحيوانات لإطعامها للحيوانات. وحسب شائعة أخرى، ترسل إلى دور المسنين في المدينة.
وجاء من البلدية: “بشكل عام، تؤخذ البضاعة إلى مخزن المواد المصادرة، ويفرج عنها بعد دفع مبلغ الغرامة. في هذه الحالة، يدور الحديث عن بضاعة قابلة للإتلاف، وتعالج حسب الإجراءات. إنفاذ القانون كان حسب القانون، مع تقديم تفسير شفوي لبائعات المفرق في الميدان”. بعد ذلك، وافقت البلدية على القول إن البضاعة القابلة للإتلاف يتم إتلافها جميعها.
مخالفة قوانين البلدية المساعدة لا تحدث فقط في شرقي القدس. ولكن يصعب تخيل أن مفتشي البلدية سيصادرون الساندويشات في مقهى يضع الكراسي على الرصيف خلافاً للقانون، لنفترض ذلك. ربما سيصادرون الكراسي والطاولات ويصدرون غرامة مالية للمشغل ووصل لاستلام البضاعة المصادرة، هو يستطيع دفع الغرامة واستعادة الكراسي (أو حتى الجدال وخفض المبلغ).
ولكن ما الذي ستفعله امرأة لم تحصل على ورقة مخالفة أو غرامة أو وصل؟ في أي عالم يأتون ويأخذون بضاعة، حتى بدون الشرح والقول للمرأة إلى أين يتم أخذ بضاعتها؟ هل كانت تفضل دفع الغرامة والاحتفاظ بالبضاعة؟ لكهنا لم تسأل. يمكن الادعاء بأنها تخلصت من دفع الغرامة بهذا النحو، لكن عملياً حتى لو أرادت الجدال على الأقل حول سعر البضاعة فلا يمكنها إثبات أي شيء، هل أخذوا منها أو كم أخذوا. أي أن هذه عملية سهلة للسلب.
موضوع “الترخيص” هذا غير واضح. فإذا لم يكن لديها تصريح للبيع على الرصيف، فهل توجد مثل هذه التصاريح في الأصل؟ وما هي شروط الحصول عليها؟ وجاء من المتحدث بلسان البلدية بأن هناك أماكن فيها تصاريح للبيع بالمفرق، مثل ساحة باب العامود. ومن سيقول لها بأن البضاعة أتلفت ولم تستخدم؟
منذ بدأت الحرب ازدادت وتيرة التنكيل الصارم التي ترافق ذلك. ذات يوم، كان يمكن التجول في شوارع شرقي القدس كنوع من النزهة القصيرة في الخارج: اللغة مختلفة، والملابس مختلفة، والروائح مختلفة. الآن، الجولة في هذه الأماكن جولة للتعرف على الاحتلال، ليس خلف الحاجز، بل في المحطة التالية للقطار الخفيف.
بقلم: نوريت فرغفت
هآرتس 5/6/2024