على غرار فكر “داعش”.. الحاخام المؤثر الذي يريد تحويل إسرائيل إلى دولة شريعة على النمط الإيراني
على غرار فكر “داعش”.. الحاخام المؤثر الذي يريد تحويل إسرائيل إلى دولة شريعة على النمط الإيراني
الناصرة- “القدس العربي”: في إطار سعيها لتوضيح طبيعة الصراع الداخلي الإسرائيلي المتنامي، منذ تَولّي ائتلاف اليمين الديني الصهيوني مقاليد الحكم في إسرائيل، أواخر كانون الاول/ ديسمبر الماضي، نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية حواراً هاماً مع الدكتور موتي إنباري، الباحث في الأصولية اليهودية، وأستاذ الدين في جامعة نورث كارولينا في ولاية بيمبروك، يلقي فيه الضوء على الفكر الأصولي اليهودي لقادة إسرائيل الجدد، وقواعدهم الشعبية المتنامية، معتقداتهم، مخططاتهم، برامجهم التنفيذية، ومصادر دعمهم المحلية والخارجية.
نجح التيار الأصولي اليهودي في توظيف الصهيونية العلمانية لتحقيق مشروعه التوراتيّ، ثم الانقلاب عليها، بعد إنجاز مهمتها الرئيسية في إنشاء إسرائيل، وتمكينها.
تكمن أهمية الحوار، الذي تولّتْ ترجمته من الإنكليزية للعربية الدكتورة غانية ملحيس، لصالح قراء “منتدى فلسطين” (نورد هنا مقاطع واسعة منه)، في تسليط الضوء على كيفية نجاح التيار الأصولي اليهودي في توظيف الصهيونية العلمانية لتحقيق مشروعه التوراتيّ، ثم الانقلاب عليها، بعد إنجاز مهمتها الرئيسية في إنشاء إسرائيل، وتمكينها، وتوسّعها، ما يهيّئ للشروع بالمضي قدماً في إقامة دولة التوراة على كامل “أرض إسرائيل”.
يؤكد هذا الحوار، برأيها، وبحق، أن جوهر المشروع الصهيوني ومنطلقاته العقائدية الأصولية وثيق الشبه بالفكر الداعشي، ويكشف حقيقة دخول المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الديني، الذي انتهج التدرّج والتراكم، مرحلةً نوعيةً جديدة. وتؤكد ملحيس، في مقدمتها للنص المترجم، أنه ينبغي فهم مرتكزاتها الفكرية، وآليات عملها لتبيّن أخطارها الوجودية، التي لا تقتصر على فلسطين، بل تمتدّ لتطال جلَّ المنطقة العربية والإسلامية وعموم العالم. وتتساءل ملحيس؛ هل يصحو أهل الكهف العربي الذين استطال سباتهم؟ وهل يدرك النظامُ السياسي الفلسطيني والعربي خطاياه، ويكفّ عن أداء الدور الوظيفي في تسريع تنفيذ مخططات عدوهم النقيض؟
هل يتجنّد العرب، ويهود إسرائيل العلمانيون، والعالم، للتصدي لنظام “داعش ” الصهيوني، الذي يمتلك أسلحةً نووية خارج إطار الرقابة الدولية؟
الرؤية الدينية الخطيرة
تهدف الرؤية الثيوقراطية الراديكالية للحاخام يتسحاق جينسبيرغ إلى اقتلاع الصهيونية العلمانية، وسحق المحاكم، وإخضاع الجيش، وبشكل عام إسقاط دولة إسرائيل كما نعرفها. هكذا يحذّر البروفسور موتي إنباري، الباحث في الأصولية اليهودية، وأستاذ الدين في جامعة نورث كارولينا، في ولاية بيمبروك، والذي تلقّى تعليمه في الجامعة العبرية في القدس، وحصلَ على درجة الدكتوراه من معهدها لليهود المعاصرين.
إيليت شاني: تتناول أطروحةُ الدكتوراه الخاصة بك جزئياً الحاخام يتسحاق جينسبيرغ. أخبرنا قليلاً عنه..
موتي إنباري، الذي تتناول أطروحةُ الدكتوراة التي قدّمها، جزئياً، يتسحاق جينسبورغ (78عاماً)، يقول عنه إنه ولد في الولايات المتحدة، وانتقلَ إلى إسرائيل في سن مبكرة، أصبح ملتزماً دينياً، ينتمي أساساً إلى دوائر حركة حباد الحسيدية (واحدة من مدارس اليهودية الأورثوذوكسية، ومقرها الرسمي في بروكلين بنيويورك، وهي أكبر منظمة يهودية في العالم، وقد أسسها الحاخام شنيور ملادي عام 1788، وقد نشأت الحركة في بيلاروسيا، ثم انتقلت إلى لاتفيا، ثم بولندا، ثم الولايات المتحدة الأميركية، عام 1940).
ويتابع: “لكن أتباع جينسبورغ الطلاب والجماعات لا ينتمون بالضرورة إلى حباد، بل ينتمون إلى ما يُعرف باسم “شباب التلال”. إنهم الجيل الشاب من المستوطنين، الذين هم في ثورة ضد نظرة آبائهم وأجدادهم للعالم الذين أقاموا المستوطنات بالفعل. ما يميز عقيدة الحاخام جينسبيرغ هو النظرة الثيوقراطية الراديكالية للعالم التي تنبثق من خطاباته وكتاباته”. ويُعرف اسم الحاخام جينسبيرغ بمقاله “باروخ هاجيفر” (مدح باروخ غولدشتاين، سفاح مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل، والذي قَتَلَ 29 من المصلّين المسلمين عام 1994).
قبل أن يشرح موتي إنباري رؤية الحاخام جينسبيرغ للعالم، يتوقف عند شرح المناهج المختلفة للمسيائية، فيقول إن اليهود الأورثوذكس (الحريديم وأتباع الصهيونية الدينية) يسعون إلى دولة يهودية تعمل حصرياً وفقاً لقوانين التوراة، وتختلف الآراء فقط في ما يتعلق بمسار الوصول إلى هناك. منوهاً أن اليهود الحريديم توصلوا إلى نتيجة مفادها أن هذا الهدف لن يتحقق إلا في زمن المسيح، وبالتالي فقد تبنّى موقفاً متحفظاً يقول: لسنا مجانين في إسرائيل، لكنها جزء من العالم الذي نحن فيه، وبالتالي لا يوجد خيار سوى العيش فيها والتعاون معها”.
هل يتجنّد العرب، ويهود إسرائيل العلمانيون، والعالم، للتصدي لنظام “داعش ” الصهيوني، الذي يمتلك أسلحةً نووية خارج إطار الرقابة الدولية؟
“هآرتس”: إنهم لا يتماهون كثيراً مع الدولة. إنهم غير مستعدين للخدمة في الجيش. لكن الصهيونية الدينية لها وجهة نظر مختلفة؟
موتي إنباري: “تؤمن الحركة الصهيونية الدينية، التي تعتمد أساساً على تعاليم الحاخام أبراهام إسحاق كوك، أن الحركة الصهيونية، وإسرائيل التي نشأت في أعقابها، تعكس عملية مسيانية ينفذها البشر. لن يرسل الله المسيح لتغيير النظام العالمي. هذه عملية أرضية، وليست إلهية، ويجب المشاركة فيها. هذا هو نهج “غوش إيمونيم” على سبيل المثال. نعم. بدأت حركة “غوش إيمونيم” في الظهور بعد حرب 1967، وكان مبدؤها التنظيمي هو أن العملية المسيحانية التي يتقدم بها الناس قد أحرزت تقدماً كبيراً في أعقاب تلك الحرب وغزو إسرائيل. هذا الفهم دفع شباب الحركة الصهيونية الدينية إلى إقامة المستوطنات والمشاركة في العملية. وهذا هو السبب أيضاً في أن التنازلات الإقليمية كانت دائماً تشكل أكبر تهديد لهم”.
“هآرتس”: لأنهم يعتقدون أن الاحتلال عمل فداء، عمل إلهي؟
موتي إنباري: “بالتأكيد. لقد تحقق النصر عام 1967 لأن هذا ما أراده الله، والمهم هو أننا، نحن الشعب اليهودي، يجب أن نحاول أن نفهم ما يريده الله ويطلبه، وأن نتعاون معه من خلال المستوطنات.
إن التنازل عن الأرض يقوّض النظرة الدينية بأسرها للعالم، والتي ترى نفسها على أنها الصلة بين الصهيونية والفداء. أي حل وسط يضرّ بالعملية التبشيرية التي تمر بها إسرائيل. وعليه كان هدف “غوش إيمونيم”، منذ اليوم الأول، خلق حقائق على الأرض، لضمان عدم حدوث انسحاب من أي من المناطق الفلسطينية، لا مقابل السلام أو أي شيء آخر. منذ الانسحاب من سيناء عام 1979، ومروراً باتفاقيات أوسلو لعام 1993، وصولاً إلى فك الارتباط من قطاع غزة عام 2005، تضع نوعاً من علامة الاستفهام فوق المناطق الفلسطينية.
يحاول الحاخامات، وغيرهم من قادة الحركة الصهيونية الدينية، التعامل مع هذا السؤال: كيف نردّ على التسوية الإقليمية، وكيف نفهمها، وماذا يريد الله وكيف يتوقع منا أن نتصرف”.
إنباري: من بين جميع السلطات الدينية التي أعرفها، فإن جينسبيرغ هو الوحيد الذي خرج علناً دفاعاً عن باروخ غولدشتاين، لقد تحدث عن مفهوم سيادة العرق اليهودي، ولاهوت الانتقام.
“هآرتس”: الصعوبة التي يسعون إلى حلها هي كيف كان من الممكن أن تنحرف الخطة الإلهية؟ انحرفت، أو ربما تعرضت للدمار، والدولة هي المسؤولة في الواقع. إنها الدولة التي عملت ضد الإرادة الإلهية، التي قررت إعادة الأراضي والتراجع عن الخطة.
موتي إنباري: “هذه هي النقطة بالضبط. التيار الرئيسي للصهيونية الدينية عالق في فخ. ومن وجهة نظرهم أرض اسرائيل مقدسة لأن هذا ما هو مكتوب في التوراة. لكنهم طوروا بأنفسهم نموذجاً تكون بموجبه دولة إسرائيل مقدسة أيضاً لأن الله قرّر تحقيق الخلاص من خلال إسرائيل. ولكن ماذا يحدث عندما تُلحِق دولة إسرائيل المقدسة الأذى بأرض إسرائيل المقدسة؟ ما الذي من المفترض أن نكون مخلصين له؟ إلى الدولة بالموافقة على التنازلات الإقليمية، أم إلى أرض إسرائيل من خلال أعمال المقاومة؟
“هآرتس”: أزمة دستورية نسخة المؤمن؟
موتي إنباري: “هذه الأزمة هي المفتاح لفهم حالة الصهيونية الدينية في عصرنا. إنها جزء لا يتجزأ من الثورة القضائية التي يقودها أولئك الذين يرتدون القبعة الدينية، وأعتقد أن دافعهم هو التفكير في أنهم إذا سيطروا على المحكمة العليا، فسيكونون قادرين على تجّنب تسوية إقليمية في المستقبل.
من وجهة نظرهم؛ ما دام ليس لهم سيطرة على المحكمة العليا، فإن “أرض إسرائيل” في خطر. لا يريد جينسبورج انتظار المسيح ليأتي وينقذه. يريد أن يسيطر على مؤسسات الدولة ليتمكن المسيح من القدوم. إنه نهج عدواني. في الواقع، فإن التيار الرئيسي للصهيونية الدينية هو الاستسلام لقداسة الدولة. لقد فهموا أنهم بحاجة إلى تعزيز أجندتهم من الداخل، من خلال السياسة والمحاكم ونظام التعليم والمظاهرات. لكن من الواضح أنه إذا لم يساعد ذلك فسيكونون مضطرين للتصالح مع الواقع. في الواقع، قبلوا التنازلات على مفترق الطرق (الماضي) للتنازلات الإقليمية، على الرغم من كل الغضب والمقاومة”.
“هآرتس”: لكن الدوائر المتطرفة لم تقبل ذلك بأي حال من الأحوال؟
موتي إنباري: “لا. في تلك الدوائر، التي ينتمي إليها الحاخام جينسبيرغ، أيضًا يقولون: انتظر دقيقة واحدة، آسف، علينا إعادة حساب طريقنا. كتب جينسبيرغ عشرات، وربما مئات، من الكتب. لن نحاول مناقشة نطاقها الكامل هنا، ولكن حتى لو تضمن بعض التبسيط المفرط، من الأفضل لنا أن نفهم الخطة التي يتمتع بها الحق المسياني الراديكالي لدولة إسرائيل. يؤكد جينسبيرغ أنه في حالة تهاجم فيها إسرائيل بشكل فعال أرض إسرائيل، يجب أن يذهب الولاء للأخيرة، وليس الأولى. إنه لا يؤمن بالتغيير “من الداخل” من خلال آليات ديموقراطية، مثل الانتخابات والتشريعات وما إلى ذلك. إنه يدعو إلى فك الارتباط عن الدولة، والتحصّن في جيب ديني والانتشار لحظة الحقيقة، وفي ذلك الوقت سيكون من الممكن السيطرة على الدولة بالقوة من الخارج. وهو نهج ناشط للغاية: الناشط المسياني- الغيبي. الدولة لا تسقط في النظام، لذا سنجعلها في نصابها. تم التعبير عن نهجه بشكل جيد في مقال كتبه خلال فترة الانسحاب من غزة، وهو نص يظهر أيضاً على موقعه على الإنترنت بعنوان “حان وقت كسر البندق”. في هذا المقال، شبّه جينسبيرغ دولة إسرائيل بالبندق، الذي يحمي ثماره بأربع قشور. الحواجز التي تم إنشاؤها بواسطة الإجراءات السلبية للفرد، والتي تخلق حاجزاً ميتافيزيقياً بين الذات والنور، من خلال أفعالنا الأنانية. إنها ما يمنعنا من تلقي كل النعم المخصصة لنا ً، أو من الشعور بالسعادة أو اليقين أو الوفاء طوال الوقت. يعلم التصوّف أن ذاتنا النقية الكاملة موجودة بالفعل، إنها مغطاة فقط بهذه الأصداف غير المرئية، مما ينتج عنه تأثير مشابه لتأثير الستارة الموضوعة فوق المصباح. الضوء موجود دائماً، ساطع، لكن لا يمكننا رؤيته، لأنه مغطى. كل ما علينا فعله هو إزالة تلك الأغطية، ونستطيع أن نرى النور ونشعر به! ومع ذلك، ما دامت هذه الأصداف تغطينا، فلا يمكننا بلوغ المستوى الروحي الذي جئنا إلى هذا العالم لتحقيقه. لذلك، فإن عملنا هو كسر تلك القشرة للكشف عن النور الذي ينتظرنا. لكن كيف نكسر تلك القشرة؟ ماذا يمكننا أن نفعل لنشعر بالسعادة واليقين والرضا والاقتراب من النور؟ كيف نزيل الحجاب الذي يغطي أنفسنا الحقيقية الكاملة؟ الصدفة، أو القشرة، كلمة مشحونة في مصطلح “الكابالاه” بالعبرية (التصّوف) بأنها تمّثل قوى الظلمة والنجاسة. جينسبيرغ هو عامل “الكابالاه”، و”القشرة” في هذا العالم الروحي الغيبي هي الشرّ الذي يغطّي ويخفي الشرارة الإلهيّة. للوصول إلى تحقيق الشكل المطلوب من الدولة. للوصول إلى الثمار، من الضروري سحق القشرة، تكسير البندق”.
“هآرتس”: لكن الفاكهة التي يتحدث عنها ليست إسرائيل الحالية؟
موتي إنباري: “الفاكهة” هي الدولة التي نشتاق إليها– الدولة الطوباوية، دولة التوراة. دعونا نحسب الصدفات/ القشور/ الأربعة.
الصدفة/ القشرة الأولى/ الخارجية: هي الفكر الصهيوني، أي فكرة أنه يمكن للمرء أن يكون يهودياً، ولكن ينكر رؤية الدولة القائمة على الشريعة اليهودية. أتخيل أن هذه القوقعة تشمل الليبرالية والديمقراطية والعلمانية. تشكل هذه الصدفة مجمل الوعي الصهيوني العلماني. قضايا مثل الحقوق الفردية، ورغبات الأفراد. وهي شرعية فقط، بقدر ما تتوافق مع رؤية ثيوقراطية دينية، والخلاص، وبناء الهيكل الثالث.
الصدفة/ القشرة الثانية: هي النظام القضائي والمحاكم ووسائل الإعلام ونظام التعليم. وكل ذلك من وجهة نظر الحاخام جينسبيرغ، ينشر قيماً سلبية بين الشعب اليهودي. ويرى بأن دوافع القضاء ليست أخلاقية، ولكنها دوافع المتعة. كل هذه الأنظمة تروج للقيم الليبرالية العالمية، والتي لا علاقة لها على الإطلاق بـ “مملكة إسرائيل”. المحكمة التي تتحكم في كل شيء وتديره ، تحض على الجواز والاستيعاب والمساواة بين اليهود والعرب.
الصدفة/ القشرة الثالثة: هي الكنيست، وأجهزة الدولة التي لا تهتم، في رأيه، بمصالح الشعب كما ينبغي.
الحكومة، يمينية كانت أم يسارية، خطرة لأنها تعمل من خلال التسويات وتؤدي إلى انسحاب من الأراضي الفلسطينية، وبالتالي يجب القضاء عليها هي الأخرى.
الصدفة/ القشرة الرابعة: الأقرب إلى الفاكهة، هي الأكثر إثارة للاهتمام على الإطلاق. تلك هي الجيش. الفكرة هي أن للجيش، من حيث المبدأ، إمكانية للمساعدة في تحقيق الرؤية المسيحانية، لكن ليس في شكلها الحالي. لا يلزم تدميره، بل إجراء بعض التغييرات فقط.
يدرك جينسبيرغ أن الدولة الفاضلة التي يتصورها أيضاً ستحتاج إلى جيش، وبالتالي فهو يبحث عن طريقة لإبقاء الجيش كأداة، ولكن لعكس عقليته. في نظرة جينسبيرغ للعالم، الانتقام له قيمة خاصة، وحيوية خاصة به، والله يحترمه. اتضح أن جزءًا من المشكلة هو أن الجيش يعمل بمبدأ “طهارة السلاح”، والذي يسميه “مبدأً نجساً ملتوياً”. يصف كيف يرفضون أمراً، ويوجه الجنود أنه عندما يخبرهم قائدهم شيئًا يتعارض مع إرادة الله، عليهم أن يجيبوا: “أنا أحبك، لكن التوراة هي المصدر الأعلى للسلطة، ويجب علينا أن نصغي لها”. إنها تحظى بشعبية كبيرة في الآونة الأخيرة.
“لقد تحقق النصر عام 1967 لأن هذا ما أراده الله، والمهم هو أننا، نحن الشعب اليهودي، يجب أن نحاول أن نفهم ما يريده الله ويطلبه، وأن نتعاون معه من خلال المستوطنات”.
“هآرتس”: كل هذا الكلام اللطيف. لماذا هو ضروري؟
موتي إنباري: “يقول إن اتخاذ مثل هذه النغمة يهدف إلى الإظهار للقائد أن الجندي لا يتحدث من مكان انفعالي أو غضب، ولكن من منظور عالمي منظم”.
“هآرتس”: وبعد المرحلة النظرية ينتقل إلى مرحلة الجراحة؟
موتي إنباري: “ينتقل من الأساليب النظرية إلى الأساليب الملموسة المفترضة، موضحاً ما يجب القيام به. يجب سحق الصدفات/ القشور/ الثلاث الأولى لاقتلاع الروح الصهيونية العلمانية وإسقاط الحكومة. حتى يتم إنشاء نظام قائم على التوراة، يجب سحق المحكمة العليا بقراراتها الجنائية. لكن الجيش لا يجب سحقه، بل يجب إخضاعه فقط. في هذا السياق من المهم إجراء مقارنات – ويجب ذكر ذلك صراحة- هذه هي طريقة تفكير داعش و”القاعدة”. هذه المنظمات لا تؤمن بالدول الإسلامية التي توجد فيها، وبالتالي فهي تسعى للاستيلاء عليها من الخارج وفرض نظام على الطراز التوراتي– والذي سيكون في حالتهم الشريعة. هذه هي نفس الأنماط ونفس طريقة التفكير. كلهم أصوليون. دعونا نتحدث عن “باروخ هاجيفر”، نص جينسبيرغ حول مذبحة الحرم الإبراهيمي.
في المقال، يقدم فكرتين مركزيتين لهما صلة بعصرنا: الأول هو مفهوم سيادة العرق اليهودي، والآخر هو لاهوت الانتقام.
من بين جميع السلطات الدينية التي أعرفها، فإن جينسبيرغ هو الوحيد الذي خرج علناً دفاعاً عن باروخ غولدشتاين. في أعقاب نشر المقال، تم وضع جينسبيرغ رهن الاعتقال الإداري لمدة 21 يوماً، لكن هذه كانت نهاية الأمر.
يؤكد في “باروخ هاجيفر” أن تصرف غولدشتاين كان جديراً بالثناء، لأن الدم اليهودي أجدر من الدم العشائري. وفقاً للمفاهيم القبالية، فإن اليهود فوق الطبيعة، وبالتالي، في حالة ينوي فيها أحد غير اليهود قتل يهودي، يجب تصفية العشيرة من أجل حماية اليهودي”.
“هآرتس”: لكن ضحايا غولدشتاين لم يكن لديهم مثل هذه النوايا؟
موتي إنباري: “صحيح، لم تكن حالة “إذا جاء شخص ما لقتلك اقتله أولاً”. دَخَلَ غولدشتاين ببساطة إلى مكان للعبادة وأطلق النار على الناس بشكل عشوائي. كان رد جينسبرغ على ذلك أن الفلسطينيين لديهم بالفعل خطة لتنفيذ هجوم إرهابي ضد اليهود، لذلك كان تصرف غولدشتاين جديراً بالثناء. لقد كان في الحقيقة عازماً على حماية الدم اليهودي، وكان مسموحاً بقتل العديد من غير اليهود لتجنيب حتى يهودي واحد. في نظرة جينسبيرغ للعالم، الانتقام له قيمة خاصة، وحيوية خاصة به، والله يحترمه”.
“هآرتس”: لذلك لا توجد جريمة في الواقع لا يمكن تبريرها؟
موتي إنباري: “لا شيء. ولا توجد مشكلة في “إبادة” بلدة حوارة (إشارة إلى دعوة لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش لمحو حوارة). على العكس تماماً. إنه مزيج من عدة أفكار. التفوق العنصري، الانتقام، وتخريب مؤسسات الدولة.
“هآرتس”: هل يمكنك شرح طريقة تفكير اليهود الذين أحدثوا فساداً في حوارة؟
موتي إنباري: “يبدو أن هؤلاء الأشخاص مرتبطون بعالم جينسبيرغ الروحي، بتأثيره، كما دعا في كتاباته إلى إقامة ميليشيات مسلحة. انظروا، لا يوجد عمق فكري خاص هنا، إنه انتقام أساسي، وانعدام الثقة في إمكانية تحقيق العدالة عن طريق المؤسسات الحكومية القائمة. لقد قتلوا منا، وسوف نقتلهم. لا يمكن الاعتماد على دولة إسرائيل لتحقيق العدالة، وبالتالي سنعمل على تحقيق العدالة بأنفسنا.
هناك أيضاً مسألة الردع، وهو ما يفترض أنه ما حاول غولدشتاين خلقه، رغم أن عمله لم يولّد ردعاً، بل على العكس، فقد أدى فقط إلى تفاقم الوضع الأمني، وأدى إلى عمليات انتحارية.
يتمتع الحاخام جينسبيرغ بنفوذ كبير بين السكان المتدينين. يرأس العديد من المؤسسات، وهو معلم. إنه بالتأكيد شخصية مؤثرة، ويكمن تأثيره الأساسي في شحذ مبدأ الانتقام، كما تعبر عنه فكرة هجمات “بطاقة الثمن”، والتي أصبحت شبه روتينية. عليك أن تفهم أن العديد من حاخامات الحركة الصهيونية الدينية يتحدثون علانية ضد الانتقام. هذا هو أيضاً نهج خريجي مدرسة ميركاز هاراف يشيفا (المؤسسة المركزية للصهيونية الدينية، استناداً إلى تعاليم الحاخام كوك): لا ينبغي تنفيذ أعمال الانتقام بطريقة استباقية، وأن من واجب الدولة توفير الحماية. غير أن جينسبيرغ يعتقد خلاف ذلك، والدعم الواسع لأعمال الانتقام الاستباقية، خاصة بين جيل الشباب في الحركة الصهيونية الدينية، يظهر مدى فداحة تداعيات أفكاره.
“الحكومة، يمينية كانت أم يسارية، خطرة لأنها تعمل من خلال التسويات، وتؤدي إلى انسحاب من الأراضي الفلسطينية، وبالتالي يجب القضاء عليها”.
“هآرتس”: اشتعلت النيران في بلدة حوارة الفلسطينية خلال هجوم المستوطنين هناك، في 27 شباط / فبراير. يبدو أن هؤلاء الأشخاص مرتبطون بعالم جينسبيرغ الروحي، بسبب تأثيره؟
موتي إنباري: “نعم. هناك رغبة في الانتقام. وأيضاً ضد الجمهور العلماني الليبرالي الذي يفترض أنه جعل فك الارتباط ممكناً. انظروا، الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير ليسا مرتبطين مباشرة بالرجل المعني، وهما ليسا من أتباعه. بعد قولي هذا، عندما أكد سموتريتش أنه يجب القضاء على حوارة، أو عندما نشر خطته لانتصار إسرائيل قبل بضع سنوات (إشارة إلى خطة الحسم في 2017)، تلك الأفكار لم تولد في فراغ”.
ويخلص إنباري للقول إن حزب “الصهيونية الدينية” ينتمي إلى المعسكر الذي يؤمن بأنه من الممكن والضروري تغيير الأمور من الداخل. يريد جينسبيرغ ثورة من الخارج. لكن هاتين المجموعتين تسعيان جاهدتين لتحقيق نفس الهدف. الفرق فقط في المسار. وبكيفية الوصول إلى هناك.