بقاء قاليباف وجليلي في سباق الرئاسة الإيرانية في مواجهة بزشكيان يبعد فرصة الحسم من الدورة الأولى

بقاء قاليباف وجليلي في سباق الرئاسة الإيرانية في مواجهة بزشكيان يبعد فرصة الحسم من الدورة الأولى
رلى موفّق
” أيام قليلة تفصل الإيرانيين عن الاستحقاق الرئاسي، حيث يتنافس فيه ستة مرشحين وافق مجلس صيانة الدستور على أهليتهم لخوض الانتخابات. “
الإيرانيون على موعد مع الانتخابات الرئاسية المبكرة في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو الجاري، ويستعدون للتوجّه إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس إبراهيم رئيسي الذي قضى ووزير خارجيته أمير حسين عبداللهيان وسبعة آخرين في تحطم مروحية فوق أذربيجان الشرقية يوم التاسع عشر من أيار/مايو الماضي.
أيام قليلة تفصل الإيرانيين عن الاستحقاق الرئاسي، حيث يتنافس فيه ستة مرشحين وافق مجلس صيانة الدستور على أهليتهم لخوض الانتخابات. خمسة ينتمون إلى أجنحة المحافظين والمتشددين تحت عباءة المرشد والحرس الثوري، بينهم مرشحان قويان هما محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي، فيما المرشّح السادس مسعود بزشكيان يُعدُّ من خارج هذا التصنيف، وله شخصيته التي يمكنها أن تتماهى مع مسار المعتدلين والمنفتحين والإصلاحيين، علّها تُشكِّل عامل تحريك للشريحة المنكفئة وغير المكترثة والمُقاطِعة للعمليات الانتخابية بمجملها، من بعض مؤيدي وأنصار الرموز الإصلاحية، وجذب لتلك الأصوات الكامنة في المنطقة الرمادية. تُشكِّل نسبة المشاركة في العملية الانتخابية عاملًا من عوامل الحكم على مشروعية النظام، ومعياراً من معايير استقراره ونجاح عمل آلياته السياسية والإدارية في إدارة الاستحقاقات الدستورية. في الانتخابات الرئاسية 2017 كانت نسبة المشاركة 73 في المئة، وانخفضت إلى 48 في المئة في انتخابات 2021 مع استبعاد مجلس صيانة الدستور المرشحين الإصلاحيين أو القريبين منهم. وشهد النظام تحدياً أكبر مع النسبة المنخفضة التي سجلتها الانتخابات البرلمانية في آذار/مارس 2024 والتي لم تتعدَ 42 في المئة في عموم إيران و25 في المئة في طهران.
يرى متابعون لمجرى الأمور أن نسبة المشاركة، والتي قالت تقارير غير حكومية إنها لم تتجاوز 39 في المئة، دقت ناقوس الخطر بوجه النظام الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية. وينظر أحد منظري «المحور» بحكمة إلى قرار مجلس صيانة الدستور تمرير ترشيح مسعود بزشكيان، انطلاقاً من أن الرجل لا يُعتبر من الناحية العملية لصيقاً بالمجموعة الإصلاحية ورموزها مثل: محمد خاتمي، ومير حسين موسوي، ومهدي كروبي، الموجودين في الإقامة الجبرية، ومصطفى تاج زاده الموجود في السجن، التي هي على علاقة متذبذبة مع المؤسسة الدينية صاحبة الكلمة الفصل العليا في الجمهورية الإسلامية التي يتماهى مُرشدها علي خامنئي مع الحرس الثوري المتحكّم هو الآخر بالمفاصل الأساسية في البلاد، بل هو – أي بزشكيان – يُمثّل سيرته الشخصية والمهنية التي تلقى تقديرها واحترامها، والتي يمكنها أن تُضفي حيوية على المعركة الرئاسية. كما يعكس قرار مجلس صيانة الدستور إرادة الدولة العميقة والمرشد في المحاولة لاستعادة الكتلة الإصلاحية للانخراط في المشهد الداخلي السياسي بما يسهم في تجاوز آثار التصويت المتدني نسبياً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي جاءت في خضم الحرب الحالية التي تشهدها المنطقة.
ليس أكيداً أن النظام، من حيث الدولة العميقة والمرشد والحرس، يقرأون أن طبيعة المرحلة تقتضي الإتيان برجل من خارج دائرة التيار المحافظ بأجنحته من معتدلة إلى متشددة ومتشددة جداً، بحيث يكون رجل المرحلة شخصية على غرار شخصية بزشكيان الذي بدأ يلقى تأييداً من رموز الإصلاحيين مثل خاتمي وكروبي، ويدعمه أحد أبرز رموز حقبة الرئيس الأسبق حسن روحاني، والمتمثل بوزير خارجيته محمد جواد ظريف عرَّاب الاتفاق النووي الإيراني 2015 وهو اليوم يُشكِّل ظل بزشكيان، كونه يعمل مستشاراً ومساعداً له، ويظهر معه في مختلف جولاته الانتخابية وحتى في إطلالاته التلفزيونية. وقد اعتبر أن 28 حزيران/يونيو يُثبت مرة أخرى أن الشعب الإيراني لن يُحبط، داعياً إلى التصويت، لأن عدم التصويت ليس رسالة، إنما هو إعطاء القوة للأقلية المتكبّرة التي تقود إيران نحو ظروف غير مرغوبة، معرباً عن يقينه بأن شعب إيران يرغب في أن تتم إزاحة أولئك الذين هم في صدد الحرب والعقوبات والضغوط ضد إيران.
في الواقع لا إشارات حاسمة تدفع إلى الاستنتاج بأن النظام راغب في إحداث تحولات ما في المرحلة المقبلة في إيران، حتى ولو كانت تلك التحولات تحت سقف المرشد؛ فبزشكيان عبّر بوضوح في أحد مناظراته التلفزيونية عن «أنَّ ما سيفعله هو اتباع سياسات خامنئي وهي خط أحمر بالنسبة لي». ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هناك ثمة «تفاهمات ما» مع الدولة العميقة وحكم المرشد المتشدد. حتى الساعة، تغلب النظرية القائلة برغبة الدولة العميقة والمرشد في أن تكون الانتخابات شكلًا وتوقيتاً ومضموناً في هذه اللحظة من الصراع المحتدم في الإقليم والعالم، رسالة سلسة وانسيابية تؤكد على الاستقرار في الداخل، وأن يمر الاستحقاق بأقل الخسائر ليبقى الواقع الإيراني الداخلي متماسكاً أمام التحديات الكبيرة الآتية من الخارج.
كما أن تكون النتيجة رسالة قوّة تُظهر تماسك المؤسسة الإيرانية في الداخل وأهليتها لمواجهة التحديات. هذه الرغبة تتطلّب أن يكون الآتي إلى موقع الرئاسة رئيساً محافظاً إنما مُحصَّناً بمستوى عال من التنافس الإيجابي.
لا بدَّ من أن تشهد الأيام الفاصلة عن موعد الانتخابات انسحاب ثلاثة مرشحين من المحسوبين على التيار المحافظ، والذين أظهرت استطلاعات الرأي انخفاض حظوظهم؛ والكلام يطال أمير حسين قاضي حسين هاشمي، ومصطفى بور محمدي، وعلي رضا زاكاني، فيما يُستبعد أن ينسحب أحد المرشَّحَين القويَّين سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف لصالح منافسه، بما يجعل المنافسة في الدورة الأولى بين مرشح من التيار المحافظ وبين بزشكيان بوصفه المرشح الوحيد غير المحسوب على المحافظين والمدعوم من بعض رموز التيار الإصلاحي، والذي ينتمي إلى القومية التركية الأذرية.
وإذا سارت الدورة الأولى بمرشحين ثلاثة، فلن تكون هناك نتيجة فاصلة في هذه الدورة، حيث ستكون النسب مشتتة بين المرشحين الثلاثة، ويكون بالتالي هناك ذهاب إلى الدورة الثانية. وحده، انسحاب أحد من المرشحين المحافظين الأقوياء لصالح منافسه يُعطي فرصة الحسم من الدورة الأولى، سواء لصالح المرشح المحافظ أو المرشح الذي يدعمه الإصلاحيون.
سيعمل كل من المرشحين على شدّ همم الناخبين للذهاب إلى التصويت، غير أن استطلاع الرأي الذي أجراه مركز «إيسبا» الحكومي أظهر أن 73.2 في المئة من الإيرانيين لم يشاهدوا المناظرة التلفزيونية الأولى بين مرشحي الرئاسة التي جرت قبل أيام، والتي يُفترض أن تلقى نسبة مشاهدة عالية إذا كان الناخبون يريدون حقاً الاطلاع على ما يحمله هؤلاء المرشحون من برامج تعالج القضايا الأساسية في البلاد، ومعضلات الفقر والفساد والعقوبات المفروضة على إيران، واتجاهات العلاقة مع الغرب ومستقبل الاتفاق النووي الإيراني. في مناظرات ثلاث من أصل خمس، كانت استطلاعات الرأي تُوزِّع المرشحين (بزشكيان وجليلي وقاليباف) بين المراتب الأولى والثانية والثالثة بفوارق ليست كبيرة. ستشهد الأيام المقبلة حماوة في المشهد الداخلي الإيراني بانتظار يوم الانتخاب الذي سيرسم طبيعة المرحلة المقبلة ومعالمها.