ثقافة وفنون

محاكاة السينما الكورية في مصر: لماذا لن تنجح تجربة الفيلم الواحد؟

محاكاة السينما الكورية في مصر: لماذا لن تنجح تجربة الفيلم الواحد؟

كمال القاضي

إذا كان عادل إمام قد قدم قبل عدة سنوات فيلمه الكوميدي «التجربة الدنماركية» مع نيكول سابا فحقق أرباحاً مُرضية، فليس معنى ذلك أن كل التجارب السينمائية المستوردة تصلح لتغذية شباك التذاكر بالفائض من الإيرادات، حيث المُغايرة لا تعني بالضرورة الإضافة أو التقدم نحو الأفضل، فالفيلم المذكور كتبه يوسف معاطي وأخرجه علي إدريس كنموذج ومثال لولع الجمهور المصري في بعض الأحيان، بما هو خارج عن المألوف وهو في الأول والآخر ليس أكثر من نكتة طويلة صيغت في شكل فيلم للسخرية والضحك.
لكن أن تتحول فكرة التجربة الدنماركية الكوميدية إلى واقع حي، وتحمل عنواناً مُختلفاً يهدف إلى تغيير الخريطة السينمائية في مصر، باتباع النمط الكوري الجديد، الذي يقوم على إنتاج فيلم واحد طوال العام في إمكانيات ضخمة يتم تكريسها لإنجاحه بقوة رأس المال، فهذه هي النكتة العصرية بالفعل، لأن مُحاكاة النمط السينمائي الكوري النموذجي، يجب أن تقوم على أسس ويكون النموذج ذاته مُستوفي الشروط من جميع الجوانب، وهذا هو المستحيل بعينه، لأن تركيز طاقة السينما المصرية بكل زخمها وتاريخها في تجربة واحدة أمر مُحال بالضرورة ولا يجوز فيه التقليد، لأن ذلك يقتضي ببساطه تعطيل كل الشركات والجهات الإنتاجية، أو دمجها لإنتاج فيلم واحد برؤية واحدة. وهنا تكون احتمالات الخسارة أكبر بكثير من احتمالات الربح، فمن الصعب ومن غير المنطقي ضبط مزاج الجمهور كله على إيقاع واحد، فضلاً عن أن التجربة الكورية المُقترح تطبيقها في مصر ستؤدي إلى الاستغناء عن أعداد هائلة من المُمثلين والنجوم والمخرجين والكُتاب، لعدم حاجة الفيلم الواحد لكوادر إضافية أكثر من المطلوب.

كما أن الفكرة الكورية المُبتكرة لا يُنبئ تطبيقها في غير موطنها الأصلي إلا بالإفلاس، فهي تصلح فقط في مجتمع محدود غير مُتعدد الثقافات، لكنها ستفشل بالقطع في مجتمع مفتوح تتعدد ثقافاته وأمزجته الفنية والإبداعية وشركاته الإنتاجية. إذ لا يمكن الاعتماد على فيلم واحد فقط طوال السنة لتحقيق رغبات الجمهور، ودعم الدخل القومي وتشغيل الأيدي العاملة والعناصر المساعدة من الفنيين والكومبارس والمجاميع، وغيرهم من الذين ترتبط أرزاقهم بالعملية الإنتاجية ويمثل التنوع السينمائي الإبداعي بالنسبة لهم فرصاً إضافية كثيرة، لا يمكن تحقيقها بفيلم وحيد على مدار اثني عشر شهراً، حتى إن كان هذا الفيلم يُعادل في قيمته الفنية ويتفوق في ميزانيته على فيلم «الناصر صلاح الدين» الذي أدى إلى إفقار أغنى مُنتجي السينما العربية وأشهرهم على الإطلاق آسيا داغر.
إن التجربة التي أطلقتها كوريا ويُراد تطبيقها في مصر من باب التجريب، هي أقرب إلى التجربة الحديثة التي أطلقتها اليابان منذ عدة سنوات وباءت بالفشل لغرابتها وعدم إمكانية الالتزام بقانونها. هذه التجربة قصيرة الأجل التي عُرضت نماذج من أفلامها في أحد المراكز الثقافية في القاهرة قبل نحو عشرين عاماً تقريباً، قامت على ما يُسمى إبداعياً بموت المؤلف، إذ لا وجود للسيناريو في الفيلم وإنما اعتمدت الفكرة الأساسية على الارتجال وإفساح المجال للمُمثل ليأتي بما لديه من جُمل مُرتجلة، ليس لها علاقة سوى بالإطار العام فقط للموضوع، بمعنى أن يقوم الممثل أثناء الأداء بإضافة ما يراه مُناسباً للشخصية التي يجسدها في إطار الفكرة العامة بتوجيهات من المخرج. لم تستمر تجربة الارتجال اليابانية السينمائية سوى موسم واحد على سبيل التجريب واختفت بعدها تماماً، ولم يعد أحد يسمع بها نهائياً، مع ملاحظة أن ما أنتج من هذه الأفلام التجريبية القصيرة يُعد على أصابع اليد الواحدة، ولم يتم عرضه للجمهور العادي وإنما طُرح للمشاهدة في عروض خاصة للمُثقفين والمُتخصصين في بعض الدول والعواصم الشهيرة المهتمة بصناعة السينما ومن بينها القاهرة.

وبالعودة إلى تجربة السينما الكورية ذات الفيلم السنوي الواحد، نرى أنها لم تزد عن كونها تجربة مآلها إلى زوال، فلن تستمر غير عام أو عامين على الأكثر، حسب اعتقادنا لأن حركة دوران الإنتاج السينمائي مُرتبطة قطعاً وتأكيداً بدوران الحركة الاقتصادية، فإن فشل فيلم واحد فقط فهذا معناه تعطيل الاقتصاد السينمائي لمدة عام وتحمل الجهة المُنتجة لمُعدلات الخسارة بالكامل. ومما يُصعب عملية تطبيق التجربة الإنتاجية المستوردة في مصر أن الاقتصاد السينمائي المصري لا طاقة له بتحمل أعباء الخسارة المتوقعة، هذا إذا افترضنا جدلاً إمكانية التجريب في هذا الصدد وتغاضينا عن عيوب ومشكلات إنتاج الفيلم الواحد بميزانية ضخمة لتحسين المستوى التقني والإبداعي والاستعانة بنجوم عالميين من باب الدعاية السياحية كما هو مزعوم.
يبقى أن نُشير إلى مسألة أساسية وهي أجور النجوم العالميين الذين ستتم الاستعانة بهم لتحقيق الجانب الدعائي، وهنا لا بد من الإحاطة بما هو معلوم بالضرورة وهو أن أجر نجم عالمي واحد يساوي ميزانية أربعة أفلام مصرية متوسطة على الأقل، وهذا معناه ضرب الفكرة بُرمتها في مقتل والتعامل معها بوصفها نكتة أو تجربة كوميدية كالتجربة الدنماركية سالفة الذكر!
كاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب