مقالات

من “سديه تيمان” إلى إيران…

من “سديه تيمان” إلى إيران…

سهيل كيوان

الغرب يريد أن يحمّل مسؤولية فشل صفقة تبادل وهمية لإيران إذا ما ردت على إسرائيل، أي أنّها إذا بادرت وردّت فإنها تتحمل مسؤولية استمرار الحرب في غزة، وإذا لم تردّ، فإن الغرب يطالب بإجراء صفقة دون مسعى جدّي لتنفيذها.

اعتقال بضعة جنود والتحقيق معهم بتهمة الاعتداء على معتقلين فلسطينيين، والنشر في مواقع كبيرة مثل “يديعوت أحرونوت” وغيرها “تمديد اعتقال الجندي المشبوه بالاعتداء على معتقل من حماس”، يثير الاشمئزاز أكثر مما يثير أي مشاعر أخرى، وذلك لمن يدركون المغزى الحقيقي من مثل هذه الاعتقالات والتحقيقات.

فهذا استهتار مطلق في وعي البشر، فالتعذيب جرى ويجري بصورة منهجية بالإذلال والتعرية والضرب والممارسات السّادية، منذ بداية هذه الحرب، التعذيب أدى بحسب مصادر إسرائيلية إلى استشهاد حوالي سبعين معتقلا.

طبعا هنالك مئات وآلاف ممن استشهدوا في محاكم ميدانية، والكثير منهم من غير سؤال ولا جواب، أطلقت النار عليهم وانتهى الأمر، ودفنوا في قبور جماعية، ثم عادت الجرافات لتجريف قبورهم وجثثهم أكثر من مرّة.

الرأي العام الإسرائيلي يعرف هذا جيّدًا، وأكثره يؤيد هذه الممارسات، ويعرب عن سعادته بذلك من خلال التعقيبات على مثل هذه الأخبار، باعتبارها انتقاما وردعا لما حدث في هجوم السّابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

كانت المهزلة عندما سُمح لمئات المتطرّفين باقتحام معتقل “سديه تيمان” احتجاجًا على اعتقال الجنود المشبوهين بتهمة تعذيب الأسرى. وكانوا في إسرائيل الديمقراطية قد سمحوا للمواطنين بالتصدي لشاحنات المساعدات الإنسانية وابتزازها وتخريب محتوياتها.

إذًا لمن يتوجّه الإعلام والحكومة والقضاء والجيش في إسرائيل! التي يعتبر وزير أساسي في حكومتها أن تجويع مليوني فلسطيني حتى الموت أمر مشروع ما دام هناك رهائن لدى حماس!

وتعتبر عضو كنيست من أحد الأحزاب الحاكمة أن الاعتداء على نساء عربيات وطفل “باللينتش” من رهط أمرٌ مشروع، إذ ضللن طريقهن ودخلن إلى مستوطنة في الضفة الغربية!

يتوجه هذا القرار بالمحاكمة أوّلا إلى محكمة العدل الدولية التي تسعى إلى محاكمة مجرمي الحرب، بالتضليل والقول إن إسرائيل دولة قانون، وإنّ التّعذيب ليس نهجًا في المعتقلات، بل هو حالة شاذة! فهل ينطلي هذا على المجتمع الدولي؟

طبعًا هذا يؤيده حلفاءها من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم، ممن هم جاهزون لتقبّل الرّواية الإسرائيلية كيفما كانت، وهذه المحاكمة الصوريّة هي غطاء لأنظمة غربية أمام شعوبها، بأنّ إسرائيل دولة ديمقراطية، وليست من تلك الدول التي يُقتل فيها المعتقلون تحت التعذيب، كما هو الحال في بعض الدول العربية مثلا.

كذلك فإنّ هذه الرواية التي تناقلتها وسائل إعلام عربية كبيرة من غير توضيح حقيقة ما وراء هذه المحاكمة، يُقصد بها التخفيف من وطأة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة التي تشمل المعتقلين وغير المعتقلين، فإسرائيل التي تحاكم جنديًا اغتصب أسيرًا فلسطينيًا لا يمكن أن تمارس حرب إبادة ضد المدنيين!

هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تدعو إلى تحقيق شامل في شكوك حول تعرض المعتقلين إلى تعذيب منهجي، وبغض النظر وافقت إسرائيل أم لم توافق على إجراء تحقيقات فهي تستبق التنظيمات الأممية وتعلن أنها تحقق مع بعض الجنود، وذلك لتبرئة نفسها من جريمة الإبادة الكبرى.

قد يسري هذا الكذب والتلفيق وتزييف الحقائق لحقبة ما، وعلى مجموعات معيّنة من البشر، ولكن إلى متى؟ وهل اشتعال حربٍ إقليمية واسعة سيمنح حكومة إسرائيل مزيدًا من المساحة لممارسة الإبادة تحت غطاء الحرب الشاملة وخلط الأوراق، بحيث تتحوّل من حرب إبادة في قطاع غزة، إلى حق إسرائيل في الدّفاع عن نفسها في مواجهة “محور الشّر” الذي تقوده إيران.

واجب إيران أن تحذر

الغرب بقيادة أميركا، جاهزٌ للردّ الواسع على إيران خدمة لإسرائيل، الغرب الذي يطالب إيران بعدم الردّ لأنه قد يؤدّي إلى إفشال صفقة محتملة، هو نفسه الغرب الذي يؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ويزوّدها بالمال والسّلاح والرّجال وفي الساحة الدولية، وذلك بعد كل مجزرة مهولة مرعبة، يعرب عن قلقه من قتل المدنيين، ولكنه يؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

الغرب يريد أن يحمّل مسؤولية فشل صفقة تبادل وهمية لإيران إذا ما ردت على إسرائيل، أي أنّها إذا بادرت وردّت فإنها تتحمل مسؤولية استمرار الحرب في قطاع غزة، وإذا لم تردّ، فإن الغرب يطالب بإجراء صفقة ووقف الحرب دون أي مسعى جدّي لتنفيذ هذه المطالب، هو فقط يعبّر عن القلق بعد تنفيذ مجازر تحوّلت إلى نهجٍ يومي واضح، علما بأن نتنياهو يصرّح على الملأ بصورة غير قابلة للتأويل رفضه لأيّة صفقة، وفي كلّ جولة يضيف بندًا للصفقة يُلحقها بمجازر مروّعة لتحقيق هدف الإبادة والترويع والفوضى، وإفشال محاولات عقد صفقة.

حماس تدرك أن إعلان الدول الثلاث أميركا وقطر ومصر عن ضرورة استئناف المفاوضات لعقد صفقة، هو حلقة أخرى من حلقات مطالب لن تحترمها إسرائيل، ولهذا قررت النأي بنفسها عن العودة إلى التفاوض، وطالبت بما وافقت عليه في الجولة التي سبقت اغتيال إسماعيل هنية.

نتنياهو يريد من حماس رفع الراية البيضاء وأن تسلّم أسلحتها، وعمليا هو يدعو إلى مجزرة بالموافقة، قد يصل أعداد ضحاياها إلى ضعف ما وصلته المجازر حتى الآن، ومنع وجود قوات لحماس أو غيرها في قطاع غزة.

إيران من جانبها تعلن أنّ عقد صفقة تبادل ووقف الحرب هو أولوية بالنسبة إليها، وتفوق الصفقة في أهميتها الردّ على العدوان الذي نال من شخصية سياسية على أرضها وتعتبرها إهانة لسيادتها.

موقف إيران عقلاني ومتزّن ومحسوب جيّدًا، فوقف الحرب من خلال صفقة والتزام الطرفين بوقف دائم لإطلاق النار، يعتبر انتصارًا للمقاومة ولحماس رغم الدمار الهائل، وإنجازًا لحزب الله وللحوثيين المحسوبين على إيران، ولهذا من المستبعد أن تتم الصّفقة، وسيبقى أمر الرّد وحجمه من مسؤولية القيادة الإيرانية التي تقف بين خيارين قاسيين، الردّ المباشر وتحمل النتائج التي لا أحد يعلم أحد إلى أين يمكن أن تصل، أو مواصلة العمل بهدوء من خلال حزب الله وبقية حلفائها في المنطقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب