مقالات
الانتخابات الأمريكية: مداولة دورية لتجديد الأوليغارشية الحاكمة للاقتصاد والسياسة في العالم بقلم د. محمد مراد -باحث في التاريخ السياسي والشؤون الدولية
بقلم د. محمد مراد -باحث في التاريخ السياسي والشؤون الدولية-
الانتخابات الأمريكية: مداولة دورية لتجديد الأوليغارشية الحاكمة للاقتصاد والسياسة في العالم
بقلم د. محمد مراد -باحث في التاريخ السياسي والشؤون الدولية
المنبر الثقافي العربي والدولي
ان رصدا موضوعيا لمسار انتخابات الرئاسة الأمريكية في التاريخ السياسي الحديث والمعاصر للاتحاد الفدرالي الاميركي الذي استقر كجغرافية ادارية- سياسية على احدى وخمسين ولاية تمتد على مساحة جغرافية اجمالية تصل لأكثر من ٩،٨ مليون كم٢ وبنسبة تقترب من ٢ ℅ من المساحة العالمية، ومع كتلة سكانية تقدر بنحو ٣٤٥ مليون نسمة أي ما نسبته حوالي ٤ ℅ من الاجمالي العالمي للسكان الذين سجلوا قرابة ٨ مليارات نسمة للعام الحالي ٢٠٢٤.
ان اعتماد الموضوعية في الرصد المشار اليه من شأنه مساعدة الباحث المتعمق على اكتشاف التلازم العضوي بين المشهد الانتخابي المتجدد عبر توالي العهود الرئاسية الأمريكية بين الثنائي الحزبي ” الجمهوري والديمقراطي ” مع العامل الأكثر بروزا بين جملة من العوامل الأخرى والمتمثل بأيديولوجيا الرأسمالية، وهي أيديولوجيا جامعة بين الاقتصاد والفكر والسياسة. استمرت هذه الأيديولوجيا تختزن القوة التأثيرية الحاسمة لتوليد وتركيب السلطة الحاكمة في البيت الأبيض سواء على مستوى رئاسة الدولة والحكومة أم على مستوى الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ او حتى على سائر مستويات المفاصل السلطوية الأخرى في الهرم السلطوي العام.
أحتلّ الاقتصاد الرأسمالي مركزية في التشكلات الفكرية والسياسية والاستراتيجيات لادارة المجتمع الاميركي الداخلي كما لرسم وهندسة السياسة الخارجية على مستوى العلاقات الدولية.
تدرّج الاقتصاد الأميركي في سلًم المراكمة، حيث بلغ مرحلة الامبريالية ( أعلى مراحل الرأسمالية) في اعقاب الحرب العالمية الثانية حتى نهاية الحرب الباردة وسقوط المنافس القطبي السوفياتي في مطلع تسعينيات القرن المنصرم ( القرن العشرين)، ليدخل بعدها مرحلة ما بعد الامبريالية في عصر العولمة، وهو اقتصاد متفلّت من كل القيود والسقوف التي يمكن أن تعترض القفزات التريليونية لشركات عملاقة متخطية الجنسية قسمّت العالم أفقيا بين طبقتين : ثرية جدا تستأثر بأكثر من ٨٠℅ من ثروات العالم، واخرى فقيرة تستحوذ على أقل من ٢٠℅ من هذه الثروات ومعظمها من الفقراء والمسخّرين لخدمة مراكمات رأس المال في قفزاته الخطيّة المتصاعدة.
كانت الشركة العملاقة إحدى أبرز سمات الاقتصاد الأميركي المعولم، فقد باتت هذه الشركة فوق الدولة ليس على الصعيد الأميركي وحده وإنما على صعيد العالم بكل دوله ومنظماته ومؤسساته الأممية .
ولما كانت هذه الشركات تعود لأصحاب الأسهم الكبار العابرين للجنسية والقارات، فقد بات بإمكان هؤلاء الامساك بمثلث القوة: الاقتصاد، الأمن العسكري والسياسة في الداخل الأمريكي والخارج العالمي. فقد أضحت الكلمة الفصل في السياسة الخارجية والاستراتيجيات الأمريكية الدولية لأصحاب الشركات والجنرالات العسكريين الذين استأثروا بالحصة الأعلى من أسهم شركات الأسلحة والطيران والتصنيع العسكري، وكذلك شركات النفط والبنوك والاعلام والتأمين وسواها..
أسهمت الشركات العملاقة الأكثر تركّزا في الولايات المتحدة منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي أي منذ عهد الرئيس الجمهوري ” رونالد ريغان” (١٩٨٠-١٩٨٨)، وصولا الى ” دونالد ترامب” الذي سجـّل الرئيس الرقم (٤٧) في الترتيب التسلسلي للرؤساء الأمريكيين حتى اليوم، وهو أيضا من الحزب الجمهوري، ومعاد انتخابه لولاية ثانية بعد ان شغل الولاية الاولى بين عامي ٢٠١٦-٢٠٢٠، اسهمت الشركات المشار اليها بخلق اوليغارشية حاكمة من بارونات المال الذين استأثروا بانتاج السلطة او اعادة انتاجها عبر المداولة شبه الدورية بين الثنائي الحزبي( الجمهوري والديمقراطي) . فقد جاء في كتاب ” _عندما تحكم الشركات العالم ” لمؤلفه ” دايفيد كورتين” :” أن طبقة ال ١℅ تضم في صفوفها رؤساء ٤ شركات من بين اكبر ٥ شركات متعولمة في مختلف أنحاء العالم، ورؤساء ٥ بنوك من أصل ٦ بنوك ممتدة عالميا، وكذلك وكالات اعلام عالمية كبرى مثل CNN، والواشنطن بوست، و” لوبوينت” وغيرها.
قفزت الشركات العملاقة الى سدّة السلطة التي حكمت البيت الأبيض ورسمت سياسته الداخلية والخارجية. ففي عهد الادارة البوشية الأولى( بوش الأب) (١٩٨٨-١٩٩٢)، كانت الشركات الحاكمة وراء تجنيد اكثر من ٣٠ دولة أطلسية وغير أطلسية لشنّ حرب’ عاصفة الصحراء’ على العراق بذريعة ” تحرير الكويت” ، في مطلع ١٩٩١، وفرض حصار هو الأكثر فساوة في التاريخ البشري على الشعب العراقي استمر لثلاث عشرة سنة بين ١٩٩٠-٢٠٠٣، حيث اودى بحياة اكثر من ٣ ملايين عراقي جوعا وقتلا ومرضا..ثم كان عهد ” بيل كلنتون” لولايتين متتاليتين ( ١٩٩٢-٢٠٠٠)، وهو من الحزب الديمقراطي، حيث جهد في القضاء على القضية الفلسطينية من خلال اتفاق أوسلو ١٩٩٣، ومعاهدة وادي عربة مع الأردن ١٩٩٤،وهي اتفاقات كانت في خدمة المشروع الصهيوني وعلى حساب الحق الفلسطيني ومصير شعب فلسطين وهويته التاريخية.
ثم كان عهد بوش الابن ( الجمهوري) لولايتين متتاليتين( ٢٠٠٠-٢٠٠٨)، حيث لجأ الى شنّ الحروب الاستباقية على أفغانستان ٢٠٠١ ، وعلى العراق٢٠٠٣، ليخلفه الديمقراطي” باراك اوباما” لدورتين انتخابيتين (٢٠٠٨-٢٠١٦) الذي اعتمد سياسة تدمير الدولة المركزية في الأقطار العربية عبر العمل على تسعير الحروب الأهلية المفتوحة تحت يافطات مذهبية وعرقية وجهوية، الأمر الذي أفضى الى تفكيك بنية الدولة وتصدّّع مجتمعها في العراق وسوريا ومصر وتونس والسودان واليمن وليبيا وغيرها. جاء ” دونالد ترامب”من الحزب الجمهوري ليكون الرئيس الرقم(٤٥) في التسلسل الرئاسي، حكم ٤ سنوات ٤ سنوات ( ٢٠١٦ -٢٠٢٠ ) ،وقد اظهر دعما غير مسبوق للكيان الصهيوني من خلال اعلانه عن” صفقة القرن” التي هي أشبه بوعد بلفور بالوطن القومي للصهاينة في الثاني من نوفمبر ١٩١٧، تظاهر ترامب باقامة دولة فلسطينية وهمية من الأشباح ، وبالمقابل اعلن القدس عاصمة ابدية لاسرائيل،واتخذ قرارا بنقل السفارة الأمريكية اليها تأكيدا لدعمه المطلق لتهويد القدس ومعها فلسطين التاريخية. جاءت انتخابات نوفمبر ٢٠٢٠ لتأتي بصعود الديمقراطيين لتولي الحكم في البيت الأبيض فكانت ولاية ” جو بايدن” ( ٢٠٢٠-٢٠٢٤) ، وهي الادارة التي أمدت” اسرائيل” واليمين المتطرف الحاكم فيها بكل التكنولوجيا العسكرية والدعم المالي الملياري الى جانب الانحياز الدبلوماسي والسياسي في حربها العدوانية التي ارتكبت فيها المجازر والابادة الجماعية في غزة والضفة الغربية ولبنان، وهي الحرب التي مازالت مستعرة منذ أكثر من اربعة عشر شهرا وذهب ضحيتها عشرات الالاف من الضحايا ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين والملايين من المشردين والنازحين..
خلاصة:
ان التمركز الهائل لرأس المال الأميركي في عصر العولمة الراهن كان وسيبقى متحكما برسم سيناريوهات السياسة الأمريكية تحت ادارة حاكمة جمهورية او ديمقراطية على السواء، سيناريوهات مرسومة في الاتجاه الذي يستجيب لتجنيد عناصر القوة الاستراتيجية من أجل توظيفها في تركيب نظام عالمي أحادي القطبية الأمريكية وبقيادة شركات حاكمة للاقتصاد والسياسة في أميركا والعالم. ستكون هذه الشركات متماثلة في نهجها السلوكي واستراتيجياتها السياسية وعلاقاتها الدولية، وذلك سواء كانت السلطة الحاكمة جمهورية ام ديمقراطية، تبقى هذه الشركات الحاكمة مستأثرة بقرارات الحرب والسلم على مساحة العالم من أجل المحافظة على مواقعها الحاكمة وتسييد فلسفتها الأحادية في ادارة العالم وتسخيره لتعاظم مراكماتها الرأسمالية بصورة مستمرة ودائمة.