الحرب الإقليمية.. بين ساعة الصفر و”معادلة الرد”

الحرب الإقليمية.. بين ساعة الصفر و”معادلة الرد”
“لقاء القمة”، المتوقع انعقاده الخميس القادم بين ممثلي دول الوساطة وإسرائيل وحماس، لمناقشة وقف إطلاق النار، بدأ يظهر كساعة صفر ستقرر إذا كانت المنطقة مستعدة لحرب شاملة. التخمينات والتقديرات والرهان التي تغطي هذا اللقاء الحاسم، الأكثر مصيرية بالنسبة للمخطوفين، غير مسبوقة.
هل ستنتظر إيران حتى الخميس لتشغيل آلة انتقامها ضد إسرائيل كي لا تظهر كمن تمس بفرصة القمة؟ أم أنها ستبكر وتعمل ضد إسرائيل، لكن “ليس بصورة تضر بوقف إطلاق النار”، حسب البيان الذي نشرته بعثة إيران للأمم المتحدة. هل سينتظر حزب الله هو أيضاً أم سيبدأ بالهجوم المؤكد حتى قبل عقد القمة كي لا يجد نفسه مقيداً بوقف إطلاق النار الذي سيتم التوصل إليه مع حماس؟ وماذا عن إسرائيل؟ هل سيأتي وفدها إلى القمة مزوداً بموافقة من الحكومة، مبدئية وفعلية، على وقف إطلاق النار؟ في غضون ذلك، أعلنت حماس أنها لا تنوي إرسال ممثلين لأنها لا تجد جدوى في عقد جولة محادثات أخرى تطرح فيها اقتراحات جديدة أو تعديلات لاقتراحات سابقة، وأنها تصمم على عرض خطة عمل يفصل فيها الطريقة التي ينوي من خلالها الطرفان تنفيذ الخطة التي تم الاتفاق عليها في 2 تموز الماضي.
واشنطن من ناحيتها تلقي بكامل ثقلها على قطر لجعل ممثلي حماس يأتون إلى القمة. في هذه المرحلة، لا نعرف إذا كانت قطر ستنجح في إقناع حماس. في الأسبوع الماضي، نشر أن قطر نفسها فحصت الانسحاب من الوساطة، لكن إزاء الضغط الأمريكي وافقت على تأجيل هذا القرار. تهديد قطر بالانسحاب من الوساطة غير جديد؛ ففي نيسان الماضي أعلن رئيس الحكومة في قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن قطر تفحص انسحابها من الوساطة. “توجد حدود لمهمتنا، وحدود لقدرتنا على المشاركة بشكل بناء في هذه المفاوضات”، قال آل ثاني في حينه، وقال إن “الأطراف المشاركة في المفاوضات تستغل قطر لأهداف سياسية ضيقة”.
الافتراض السائد الذي يستند إلى الرهان، يقول إن الردع الأمريكي الذي وجد تعبيراً في استعراض القوة غير المسبوق الذي تعرضه في الشرق الأوسط، إضافة إلى رسائل التهديد من واشنطن إلى طهران، ربما تكبح رد إيران. ولكننا لا نعرف إذا كان معنى “تكبح” هو تأجيل “الثأر” أم تنفيذه بمستوى محدود، لا يلزم إسرائيل برد مضاد مؤثر.
نستنتج من هذا الافتراض رد حزب الله المتمسك بالربط بين وقف النار في غزة ووقف النار في لبنان. ولكن الربط المعروض كأمر مسلم به، بني قبل فتح حساب الثأر من إسرائيل عقب تصفية فؤاد شكر؛ مثلما أن استراتيجية إيران العلنية التي تعمل لمنع الحرب الشاملة، صيغت أيضاً قبل اغتيال هنية.
أعفى حسن نصر الله إيران وسوريا من المشاركة في معركة الثأر التي تعهد بها ضد إسرائيل. ولكنه لا يدير فقط جبهة لبنان أو دولة لبنان، فهو المسؤول عن حماية مصالح إيران في لبنان، ويعتبر المنسق لنشاطات “جبهة الدعم” أو “وحدة الساحات”، التي يشارك فيها وكلاء إيران، وليس فقط في الجانب العسكري. وإذا تبنى حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، فسيبدأ ذلك بحملة طويلة للتسوية مع لبنان.
رئيس حكومة لبنان أكد أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة سيحرك العملية السياسية مع لبنان. وصرح أنه ينوي الدفع قدماً بتطبيق القرار 1701 بشكل كامل. ولكن حزب الله له شروط خاصة به، ولم يوضح بعد موقفه من هذه المسألة. فهو لا ينوي نزع سلاحه، البند الرئيسي في قرار 1701. ويبدو أنه لا توجد جهة في لبنان أو أي جهة دولية تصمم على تنفيذ هذا الطلب. ولكنه لا يوضح أيضاً إذا كان ينوي الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني. خطة العمل السياسية التي عمل عليها المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، ومبعوث الرئيس الفرنسي جان ايف لادريان، تتحدث عن انسحاب قوات حزب الله إلى 8 – 10 كم عن الحدود، وعن قوة تتكون من 15 ألف جندي لبناني مع قوة دولية معززة ترتكز كما يبدو على قوة “اليونفيل”، التي ستسيطر في جنوب لبنان.
هذا مجال يعطي الحماية لمستوطنات الشمال من نيران الدروع المضادة، لكنه بعيد عن توفير الأمن من عشرات آلاف الصواريخ ذات المدى المتوسط والبعيد التي لدى حزب الله. تأهيل قوات الجيش اللبناني لهذه المهمة معقد وسيستغرق وقتاً. قائد الجيش اللبناني، الجنرال جوزيف عون، الذي التقى مع جهات رفيعة في الإدارة الأمريكية في حزيران الماضي، أوضح بأنه سيكون بحاجة إلى نحو مليون دولار كي يجند ويسلح ويدرب قوات عسكرية بالحجم المطلوب. ليس واضحاً من أين جاء بهذا الرقم، لكن الجنرال عون يجمع التبرعات ويدفع رواتب جنوده، 100 دولار في الشهر لكل جندي، من أموال المساعدات التي تنقلها إليه قطر والولايات المتحدة. وبدون وجود سيارات مصفحة مناسبة، قد يضع الجيش اللبناني مجسمات من الكرتون على طول الحدود. والمخيب للآمال هو وضع حوالي العشرة آلاف جندي لليونفيل الذين يقيد “حزب الله” والجيش اللبناني نفسه نشاطاتهم في جنوب لبنان. مثلاً، السبت الماضي ترك الجيش اللبناني دورية مشتركة مع قوة اليونفيل في كفر حمام قرب الحدود مع إسرائيل لأنه حسب ادعاء الجيش الدورية، دخلت “منطقة خاصة” خلافاً للتفاهمات مع الحكومة اللبنانية، أي مع حزب الله.
لكن ما لم يكن وقف لإطلاق النار في غزة، فالحديث عن تسوية سياسية وعسكرية مع لبنان يبدو مثل “سينمار” في دورة للدبلوماسية النظرية؛ ومعروض على سكان الشمال الآن ألا يحبسوا الأنفاس. في الواقع الحالي، فإن “عنصر الثأر” الذي تم بناؤه بين إسرائيل وحزب الله وإيران هو الذي سيحدد قواعد اللعب. هذا العنصر أصبح جزءاً لا يتجزأ من معادلة “الرد” التي ما زالت تميز المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، وأصبح مركباً استراتيجياً جديداً يملي سياسة إيران. الاستنتاج البائس هو أن وقف إطلاق النار مع حماس غير شكله وتحول من شرط أساسي لاستكمال صفقة الرهائن إلى مصلحة استراتيجية دولية مستقلة تهدف إلى منع اندلاع الحرب الإقليمية. المعنى أن إطلاق سراح المخطوفين، الذي هو مأساة إنسانية وأخلاقية تسببت بها حماس ولكن المسؤولية عن إنهائها ملقاة على حكومة إسرائيل، أصبح أداة لعبة سياسية ساخرة، كل طرف يقيس من خلالها “نصره المطلق”.
تسفي برئيل
هآرتس 13/8/2024