راهن المسرح المصري: محاولة التفاؤل في واقع بائس

راهن المسرح المصري: محاولة التفاؤل في واقع بائس
محمد عبد الرحيم
القاهرة ـ تُقام هذه الأيام في القاهرة الدورة السابعة عشرة للمهرجان القومي للمسرح المصري، بما يشملها من تكريمات وعروض وورش متنوعة في الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا، والعديد من الندوات التي تناقش موضوعات تتعلق بالحالة المسرحية الحالية في مصر، سواء مستجدات متمثلة في تيارات غربية لها أكبر الأثر على المسرح المصري، من حيث التقنيات والنصوص الأجنبية، أو من ناحية أخرى معضلات ما يعانيه الفن المسرحي المصري رغم كثرة العروض وتنوعها، إلا أنها محدودة التأثير وقاصرة على جمهور بعينه. ونظراً للتعرّض إلى العديد من العروض المشاركة في المهرجان من قبل على صفحات «القدس العربي»، منها على سبيل المثال .. «الأرتيست»، «أوبرا العتبة» و»نساء بلا غد»، فسيقتصر الأمر على استعراض بعض المناقشات التي دارت في ندوات المهرجان، ومنها الندوة المعنونة بـ»راهن المسرح المصري»، هذا العنوان المتكرر بين الحين والآخر، في دورات المهرجان المختلفة، والذي يناقش بدوره الحالة الآنية للمسرح.
مشكلة التسويق
بداية يطرح الكاتب المسرحي محمد عبد الحافظ ناصف سؤالاً عن الخلل ما بين انتشار الأكاديميات والمعاهد، وأقسام المسرح في الجامعات، وكذا الفرق المسرحية المتنوعة، وعدم انطلاقة هذا المسرح وتأثيره. ليرى أن المسألة تكمن في (التسويق)، من خلال السوشيال ميديا والشركات المتخصصة في تسويق العروض الفنية، كذلك تصوير هذه الأعمال تصويراً احترافياً، ما يساعد على انتشارها أكثر وضمان تسويقها، كما العروض الشهيرة. فعدم استغلال الأدوات الإدارية الحديثة، من أهم مشكلات المسرح المصري.
مواكبة التطور
من جانبه يرى أحمد عبد العزيز أستاذ الديكور في معهد الفنون المسرحية، أن المسرح كأي نشاط اقتصادي له فترات صعود وهبوط، فالحالة الاقتصادية العامة مؤثرة بلا شك على الفن المسرحي وجمهوره. وبالنظر لمسرح الدولة، فهو المعني بتقديم العروض الهادفة، لذا عليه مواكبة التطورات المتلاحقة. كذلك على الفنانين الكبار أن يتوجهوا إلى مسارح الدولة وتبادل خبراتهم مع الجيل الجديد من الفنانين، والمشاركة في عمل مسرحي متكامل يكون داعماً لنقل هذه الخبرات.
غياب الثقافة البصرية
ويضيف أستاذ الدراما والنقد محمد سمير الخطيب، أنه رغم أن المسرح المصري حظي مؤخراً بالعديد من العروض وجهات الإنتاج، إلا أن المشكلة في تشابه الصيغ الإنتاجية، فغالبية العروض تتشابه من حيث الأفكار والتقنيات، كما في عروض المسرح الجامعي والمستقل وقصور الثقافة، فالتجارب المختلفة قليلة جداً. والمشكلة الأخرى هي الفنان المسرحي نفسه، فالمخرج بالأساس لا يتميز بالثقافة البصرية اللازمة للعرض المسرحي، فقط الأفكار، أما كيفية عرضها فلا يهم. فثقافتنا تعتمد على النص المسرحي بالأساس، بينما تختلف أيديولوجية الكتابة من زمن لآخر، وفق متغيراته وجوانبه السياسة والاجتماعية والاقتصادية.
تدني الأجور وهروب الفنانين
أما المخرج أحمد البنهاوي، فيقر بأن الحالة الراهنة تعد من أخطر المراحل التي مرّ بها المسرح المصري، فعدد كبير من مسارح الدولة مغلق أو في حالة صيانة، لا يعلم أحد متى تنتهي، خاصة المسارح التابعة لهيئة قصور الثقافة في أقاليم مصر، إضافة إلى تدني قيمة أجور فناني هذه المسارح، بل وتأخيرها. أما على مستوى النصوص المسرحية، فتعاني بدورها من فقر الابتكار، الذي يعكس الواقع وقضاياه، فلا بد من تطوير النصوص لتتوافق والمتغيرات الثقافية والاجتماعية، وهذا يتطلب البحث عن أفكار جديدة ورؤى مختلفة. فمن خلال مسابقات التأليف المسرحي واختيار النصوص الفائزة، التي يجب تحويلها إلى عروض مسرحية، تشجيعا للكاتب على الاستمرار. الفكرة نفسها أكدها المخرج إسلام إمام من وجهة أخرى، كالفارق بين أجور ممثلي المسرح وممثلي المسلسلات، فقد تكون البداية مسرحية، ولكنها تنتهي بالمشاركة في مسلسل. الأمر نفسه مع أجور مؤلفي المسرح، وصولاً إلى حجب الجوائز المادية ـ الزهيدة أصلاً ـ في مسابقات قصور الثقافة. فمن الصعب أن يكون هناك احتراف في ظل هذه الظروف.
الدعم وتطوير النصوص
وتبدو المشكلة من وجهة نظر دينا أمين أستاذة المسرح في الجامعة الأمريكية، في وجود جيل من الفنانين المستقلين، الذين يعملون دون أي دعم مؤسسي، لذا يتعين على الدولة مساعدتهم ماليا ومعنوياً. كذلك لم نزل نفتقر إلى مسابقات الكتابة المسرحية والقراءات وجوائز إقامات الكُتاب، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستتطور بها النصوص الدرامية، فتطور التقنيات لا يغني عن تطور النصوص والقصص.
البحث عن مهنة أخرى
ويقترب أكثر الناقد محمد الروبي من مشكلة المسرح الأساسية، دون مواربة، فيرى أن ما يحيط بالمسرح المصري والمسرحيين في مصر، يؤدي بصانعيه لضرورة البحث عن مهنة أخرى تحفظ له عقله. فهناك الكثير من العقبات أولها، (الرقابة) ومحظوراتها، التي تجعل من هَم الفنان الأول هو كيفية تفاديها بالالتفاف حولها، وثانيها (البيروقراطية) التي لا تكتفي بعرقلة الإنتاج، بل تقيده بقواعد مالية غريبة، آخرها سؤال لماذا هذا الكاتب ولدينا الأرخص! إضافة إلى إلغاء بندَي الدعاية والترويج باعتبارهما زائدين عن الحاجة، بحجة التقشف! والأغرب أنه في ظل ما يحدث نجد أعمالاً مسرحية متميزة!
«القدس العربي»: