ثقافة وفنون

الدراسات النقدية في مهرجان» جماعة كركوك» الثقافي: البحث عن ظواهر التجديد والتمرد

الدراسات النقدية في مهرجان» جماعة كركوك» الثقافي: البحث عن ظواهر التجديد والتمرد

مروان ياسين الدليمي

تعد الدراسات النقدية الأكاديمية ركيزة أساسية في فهم وتطوير الأدب والذائقة النقدية على اسس منهجية ،فهي لا تكتفي بتحليل النصوص الأدبية، بل تساهم في تشكيل الوعي النقدي وتطويره لدى القراء والباحثين والمبدعين،وذلك من خلال مناهجها المتنوعة التي تتيح قراءة الظواهر الثقافية والنصوص الابداعية من زوايا جديدة ومختلفة. وألجلسات النقدية التي أقيمت ضمن مهرجان «جماعة كركوك الثقافي» الذي أقامه اتحاد الأدباء والكتاب في العراق/ فرع كركوك للفترة ما بين 28 – 30 آب (أغسطس) 2024 ، شهدت مجموعة من البحوث الأكاديمية الرصينة التي قدمها نخبة من النقاد الاكاديميين وأساتذة جامعيين،كلها تناولت»جماعة كركوك» ألتي انفردت بمكانة خاصة في تاريخ الثقافة العراقية بناء على ما تركته من نتاج إبداعي في الشعر والقصة والمسرحية.ومن المهم جدا أن تطبع هذه البحوث في كتاب، لكي تصبح في متناول الأدباء والنقاد والدارسين والمهتمين بمسيرة الثقافة العراقية المعاصرة .جدير بالاشارة أن جماعة كركوك تتألف من»جليل القيسي، فاضل العزاوي، مؤيد الراوي سركون بولص، جان دمو، يوسف الحيدري، صلاح فائق، أنور الغساني، الأب يوسف سعيد ، فاروق مصطفى» .

انتماء للصحبة

كانت رغبة التجديد على مستوى الشكل والخطاب الفني،إضافة إلى دافع التمرد على الأطر المجتمعية،هي بمثابة المشتركات التي جمعت هذه النخبة المثقفة في إطار بحثهم عن آفاق جديدة لتطلعاتهم الأدبية والفنية،علما بأنهم ينتمون إلى قوميات وأديان واثنيات مختلفة،فمن بينهم العربي والتركماني والآشوري والمسيحي والكوردي،لكن انتمائهم الحقيقي للصحبة الطيبة وإلى هاجس التحديث والتجريب الإبداعي هي التي جمعتهم في بودقة واحدة،وقد انعكس التنوع الثقافي واللغوي على تكوين الجماعة وحضورها في المشهد الثقافي العراقي ،فأضفى على إنتاجها طابعًا فريدًا،ولاشك في أنهم تمكنوا من التعبير عن تجارب متعددة وثقافات متنوعة داخل إطار واحد ، فساهم هذا الاختلاف في تعزيز الهوية الأدبية العراقية كهوية متعددة ومتنوعة ، وهذا واحد من العوامل الذي جعل من جماعة كركوك ظاهرة أدبية رائدة في تاريخ الأدب العراقي الحديث، إضافة إلى مساهمة اعضاءوها في تجديد وتطوير الشعر العراقي ابتدأ من ستينات القرن العشرين، فكان سعيهم واضحا نحو تجاوز القوالب التقليدية في الكتابة الأدبية، مما جعلهم في طليعة الباحثين عن فرص لتعميق مسار الحداثة الأدبية في العراق.

تجديد الشعر العراقي

من أبرز إسهامات هذه الجماعة الاشتغال على فكرة تجديد الشعر العراقي عبر تبني أساليب شعرية حديثة،ويأتي ذلك نتيجة تأثر أعضاء الجماعة بالشعر العالمي خصوصاً الأوروبي، فقدموا نصوصا جديدة ومختلفة من التعبير الشعري،فكانت تجاربهم خطوة جريئة ومهمة في المشهد الشعري، فتحت الباب أمام أجيال جديدة من الشعراء لتجريب أشكال وأساليب جديدة، ما أدى إلى متغيرات مهمة في الكتابة الشعرية العراقية..
وعلى الرغم من أن العراق في ستينات القرن العشرين كان يعيش أوضاعا سياسية مضطربة شهدت العديد من الانقلابات العسكرية والصراعات الايدولوجية والحزبية ، إلاَّ أن جماعة كركوك اختارت أن تبتعد في أنشطتها الكتابية عن الانخراط المباشر في السياسة، وبدلاً من ذلك، جاء تركيزهم منصبا على القضايا الإنسانية والفلسفية والوجودية.فمنحهم هذا النهج مساحة رحبة وذات خصوصية اسلوبية للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بشكل أعمق وأشمل، بعيدًا عن الضغوطات السياسية، وبذلك ، قدمت الجماعة نموذجاً للأدب الذي يسعى لفهم الذات البشرية بعيدًا عن التجاذبات السياسية.
ما يحسب لهذه الجماعة أنها كانت على تواصل مع الأدب العالمي، حيث تأثر أعضاؤها بالشعراء والكتاب الأوربيين فترجموا العديد من النصوص إلى العربية. وقد ساعد هذا الانفتاح على إدخال أفكار وأساليب جديدة إلى الأدب العراقي،شعرا وقصة ومسرحية،ليكون أكثر مرونة وتنوعاً وتجريبا ،من هنا يمكن القول بأن جماعة كركوك كان لها دور فاعل في ربط الأدب العراقي بالسياقات الأدبية العالمية، مما أكسبه بُعداً جديداً وأضفى على جوانب منه طابعاً حداثياً.

الانفتاح على الثقافة الأجنبية

كما ساهمت الجماعة في تعزيز الحوار الثقافي داخل العراق وخارجه من خلال إنتاجها الأدبي ونشرها لأعمالها. فكانت تمثل صوتًا جديدًا في الأدب العراقي،لأنها قدمت رؤيتها الخاصة في الكتابة، مما أثار الحوار بين النقاد والكتاب والقراء وخصَّبه بأفكار جديدة، بالتالي أدى ذلك إلى نشوء حركة أدبية أكثر ديناميكية وتنوعًا. وأهمية جماعة كركوك تتمثل في دورها الريادي في تجديد الشعر العراقي وتعزيز التنوع الثقافي واللغوي في الأدب من خلال تبنيها للحداثة والانفتاح على التأثيرات العالمية، واستطاعت أن تترك بصمة واضحة في تاريخ الأدب العراقي. كما أنها قدمت نموذجًا تجاوز الحدود التقليدية وفتح آفاقًا جديدة للتعبير الفني والثقافي.وبفضل إسهاماتها، أصبحت جزءًا مميزا من ذاكرة الأدب العراقي الحديث، ورمزًا للتجديد والإبداع في المشهد الأدبي العربي.

جلسات المهرجان

وقد شهدت الجلسات النقدية التي اقيمت ضمن جدول فعاليات مهرجان «جماعة كركوك « بدورته الثانية حوارات ومداخلات كانت على مستوى عال من الوعي والفهم الأكاديمي، نظرا لأن غالبية من تواجد فيها كانوا اساتذة جامعيين وطلبة ماجستير ودكتوراه، وهذا ما جعل جمهور الجلسات النقدية محدودا ونوعيا،على العكس من جلسات القراءات الشعرية،لهذا ارتقت الحوارات والأسئلة والتعقيبات إلى الدرجة التي أضافت الكثير من الإضاءات حول ما تم طرحه من قراءات تتعلق بأفراد المجموعة،وما كانوا عليه من خصوصية، سواء في نتاجهم الإبداعي أو ما يتعلق بالسيرة الحياتية لكل واحد منهم.
لا أدري لماذا لم تلجأ إدارة المهرجان إلى توثيق الجلسات النقدية بتصويرها فديويا، نظرا لأهميتها،مكتفية بالتقاط الصور الفوتوغرافية ! .
وليس جديدا عندما نؤكد على أهمية التوثيق الفديويوي،على الأقل لأجل أن يكون متاحا لأكبر عدد من المتابعين في موقع اليوتب، أيضا حتى يمكن العودة إليها مستقبلا من قبل الدارسين والمهتمين.
بكل الأحوال،لابد من تقديم عبارات التقدير لكل الجهود ألتي بُذلت لأجل إقامة هذا المهرجان،في مقدمتهم الأستاذ علي الفواز رئيس اتحاد الادباء والكتاب العراقيين،والأمين العام الشاعر عمر السراي،وكافة أعضاء الهيئة الادارية في المركز العام،والشكر موصول للأستاذ محمد خضر الحمداني رئيس الاتحاد فرع كركوك،وجميع اعضاء الهيئة الإدارية نظرا للجهد الذي قدموه لانجاح هذا النشاط .ولاضير أن تسجل بعض الملاحظات على الجانب التنظيمي،وهذا أمر طبيعي،ويحدث في أية فعالية،بالتالي لن يقلل ذلك من أهمية الجهد الذي كان وراء تنظيم المهرجان .
وما ينبغي أخذه بنظر الاعتبار في الدورات القادمة أن يكون الأهتمام بشكل أكبر،بمسألة اختيار الشعراء المشاركين في القراءات، فالعدد ليس مهما، بل المهم والأهم أن يكون «الشِّعر» حاضرا .

كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب