مقالات
عظَّم الله أجركم بقلم : سعد أحمد الكبيسي
بقلم : سعد أحمد الكبيسي-المنبر الثقافي العربي والدولي-

عظَّم الله أجركم
بقلم : سعد أحمد الكبيسي
عندما تُصاب الحناجر بصَدأ المناسف، وتتأكسد الذائقة الوطنية، وتصبح القضية الوحيدة هي “أم العراوي” فقط، عندما تتناسل الوظائف والمكاسب، وتُورَّث الكراسي والمناصب، وعندما تحتار الحكومات في كيفية تفصيل المؤسسات طبقًا لمواصفات أبناء الذوات… فماذا عسانا نقول سوى: عظَّم الله أجركم.
عندما يصبح المال العام عرضةً للنهب والسلب، وتُفرَّغ ميزانية الدولة في جيوب الساسة العاطلين عن العمل إلا من الاشتغال بنا، حينما يبصقون في صحون الوطن التي لم يرفعوا أيديهم عنها حتى… ويصبح مبدأ البعض هو مبدأ “البعوض امتصاصي بامتياز”، يمتص دم الوطن ودم المواطن، دون أن يُعطيك تعريفًا لماهية الوطن أو المواطن… فلا تلقوا أشعاركم على مسامعنا، ولا تقرعوا طبولكم في مآتمنا، بل قولوا: عظَّم الله أجركم.
عندما تسطو مجموعة من الضباع على أموال موظفينا ومتقاعدينا وآلاف العائلات في قرانا وبوادينا، ويُهتَك عرض القانون ، فيحق للجائعين أن يغنوا مقطعًا لأم كلثوم: “قُل للزمان ارجع يا زمان”. أما نحن فسنقول: إن هذا آخر الزمان، وعظَّم الله أجركم.
عندما يُصاب الإعلام باللوثة، وتُصاب الصحافة بالخَوَثة، فيتدلى بطن أصحابها، وتتلقف آذان الحكومة معلوماتها من أفواه الصبيان، وتنتعش مجالس النميمة ورسائل الذم، ويتطاول الفاسد على الصالح، ويُدافع عن الجاهل، ويُقمع العاقل، ويتصدر الغلمان والغمان صفحات التواصل الاجتماعي لتصدير التفاهة، فتلك حالة لا نملك كلامًا لوصفها سوى: عظَّم الله أجركم.
عندما ترى هذا القتال الضاري كي يحصل الأبناء بكل السبل على معدل 100% للالتحاق بكلية الطب، والبلاد مريضة، والمرضى يتكدسون في الطرقات، وآلاف الأطفال يُصابون بفقر الدم، ومستشفياتنا مرتعٌ للقطط السائبة، ويُصاب أهاليهم بالأمراض المزمنة والهم، وتمتلئ نفوسهم بالغم، والفقراء عيونهم للسماء وجباههم تسجد على الرمضاء، عندما يصبح كل شيء في بلادنا سلعةً تُشترى وتباع، وتُشترى أسئلة الامتحانات الوزارية مهما كان الثمن، والمشترون كثر، فلا نملك إلا أن نقول: عظَّم الله أجركم.
عندما ترى مدننا رثة، ومعاملنا مهجورة، وبيوتنا خرابًا، وقائمة استيرادنا تبدأ من الإبرة وتنتهي بالطائرة، والمهندس يعمل ببسطة على قارعة الطريق، فما المهندس سوى علامة رقي البلاد وعصريتها واختلافها عن عصر الكهوف، فما عسانا أن نقول إلا: فلتمُت يا ورد بلادنا الجدباء… وعظَّم الله أجرنا يا ثلة الجبناء!
عندما ترى بلادنا تعجُّ بالعباقرة من حاملي معدلات 190%، وآلاف الخريجين من الكليات، ومثلهم حملة الشهادات، ولا ترى أثر تلك الشهادات على الواقع، ففي ذات البلاد التي يُهمَّش فيها المدير العام على ورقة “يستدعا الموما إلية للاستفسار”، ويقعد في مجالسها الدينية حامل الدكتوراه والماجستير والبيولوجي ليستمع بخشوع لحديث الشيخ خريج دورة الأمية عن الأفيال الطائرة والبلابل التي ترتل… فما عسانا أن نقول إلا: عظَّم الله أجركم.
حينما نُسمّي الأشياء بغير أسمائها، حينما تصمت الأمة أمام الغولة التي أكلت أبناءها، حينما تصمت عندما تتعاطى المخدرات نساؤها، ويأتي السارق لينثر الدولارات في المراقص فوق رؤوس الراقصات… عندما تموت الأراضي الزراعية إذا جفت الأنهار، ولا أحد يجرؤ على مخاطبة دول الجوار، فلا قول جميل إلا: عظَّم الله أجركم.
وسلامتكم.
حاولت أن أخفف الكلمات لكن الجراح عميقة.