لا جديد في “شرق أوسط جديد”!
لا جديد في “شرق أوسط جديد”!
يمكن القول إنّ الحرب ما زالت في بدايتها، ولا أفق قريب لوقفها، ولا جديد في الشرق الأوسط الجديد، فقد كان هكذا دائمًا، حر
قال بيبي نتنياهو بعد توقيعه على قرار اغتيال السيّد حسن نصر اللّه خلال وجوده في نيويورك، وبعد استعراض عربدته على الأمم كلّها في كلمته أمام الجمعيّة العامّة، إنّه ينطلق الآن لتغيير الشرق الأوسط.
نتنياهو مصاب الآن بجنون العظمة، ولم يبق ما يردعه ويعيده إلى صوابه، وذلك بعد سلسلة ناجحة من الاغتيالات المتواصلة الّتي أعادت الاعتبار لأجهزة المخابرات العسكريّة، الّتي كانت قد ضربت وساءت سمعتها، منذ هجوم السابع من أكتوبر الماضي.
يستعيد نتنياهو الآن صورته الّتي يحبّ، ولقب “السيّد أمن”، اليمين الخالص، القويّ، الحاسم، المخيف، المرعب، وتشير استطلاعات الرأي إلى عودة حزبه وعودته الشخصيّة إلى تصدّر القائمة الانتخابيّة، فيما لو جرت الانتخابات اليوم، فالنجاح يجلب النجاح، والشعب في إسرائيل متعطّش للعودة إلى شعور ما قبل السابع من أكتوبر، القلعة الحصينة الّتي لا تخترق، والقادرة على معاقبة كلّ من تسوّل له نفسه بالتطاول على ما تقضيه وتقدّره.
بعد الضربات المؤلمة الّتي تلقّاها حزب اللّه، لم تبق أمامه خيارات كثيرة، لقد انتهى الإسناد المتوازن لقطاع غزّة، وفقدت السيطرة على الاشتباك الّذي اتّسع وسوف يتّسع أكثر.
يوجد خياران أمام القيادة الجديدة لحزب اللّه، إمّا الموافقة على إملاءات نتنياهو أو الحرب حتّى النهاية. أي أن يوافق على مقترحات وقف إطلاق النار والاستعداد للابتعاد إلى شمال الليطاني بما يتيح عودة سكّان المستوطنات الشماليّة إلى بلداتهم، وهذا يعني وقف ما أطلق عليه جبهة الإسناد انتصارًا لمظلوميّة الشعب الفلسطينيّ.
لا لوم على قيادة الحزب الجديدة، إذا ما فعلت ذلك، فقد قام الحزب بدوره لمدّة عام كامل، ودفع حتّى الآن من خيرة قادته وشبابه، بينما وقف بقيّة العالم بما فيه أمّة العرب موقف المتفرّجين، وبعضهم موقف الشامت وبعضهم موقف المعين للاحتلال.
لا لوم على حزب اللّه إذا استطاع أن يوقف الحرب الآن، والآن أفضل من الغد وبعد الغد.
لا لوم عليه إذا قرّر أنّه كحزب ليس في مقدوره مواجهة أميركا، فالأسلحة الأميركية الّتي تلقيها إسرائيل على مواقع الحزب ليست أسلحة تقليديّة، وهي معدّة لمواجهة دول عظمى مثل روسيا والصين.
يمكن للحوثيّين أيضًا أن يوقفوا هجماتهم مقابل وقف هجمات إسرائيل التدميريّة عليهم، والّتي سوف تتصاعد مع استمرار القتال، وسيكون عبد الملك الحوثي مستهدفًا مثله مثل حسن نصر اللّه عمّا قريب.
إلّا أنّ نتنياهو، وبعد أن حقّق ما حقّقه، لن يرضى بوقف القتال، فهو يريد أكثر من وقف القتال، لقد أعلن أنّه يريد شرق أوسط جديدًا، وهذا يعني نزع سلاح حزب اللّه، ومن ثمّ يريد قطف الرأس الأكبر من بين أعداء المرحلة، وهو رأس إيران.
إعلان نتنياهو أنّه قادر على الوصول لأيّ نقطة في إيران، هو تصعيد في التهديد لضرب إيران، والذي يعني نشوب حرب أميركية-إيرانيّة، وهي فرصة نتنياهو، فأميركا تعلن استعدادها للدفاع عن إسرائيل في كلّ حالة، وما يريده نتنياهو هو جرّ أميركا لمواجهة مع إيران، وبهذا يحقّق حلم القضاء على محور الأشرار، ويعلن بدء عصر محور الطيبيّين.
وهذا يعني القضاء على أيّ شكل من أشكال المقاومة للمشروع الصهيونيّ الكبير، مهما كان شكله ومتصدّره، سواء كانت حماس أو حزب اللّه، أو الجبهات الديمقراطيّة، أو دعاة العصيان المدنيّ، أو حتّى المثليّين، فأيّ شكل من أشكال المقاومة للمشروع الصهيونيّ الكبير يجب أن ينتهي، والتوقّف النهائيّ عن فكرة الدولة الفلسطينيّة وإلى الأبد.
ومثلما يحدث في مفاوضات “الصفقة” في قطاع غزّة مع المقاومة الفلسطينيّة، سوف يضع شروطًا متدحرجة وتعجيزيّة، فإذا وافق حزب اللّه عليها، أضاف شروطًا، وسوف يصعد تحرّشه بإيران ويحرجها أكثر، وخصوصًا أنّ هناك من يتّهمها بالتخلّي عن حليفها الأساسيّ حزب اللّه.
سوف يطلب إخلاء سورية من أيّ تواجد عسكريّ إيرانيّ، وسوف نشهد المزيد من الضربات لقوى ومخازن ومواقع في سوريّة، وأكثر ممّا فعله حتّى الآن.
سوف يصعّد من ضرباته إلى اليمن، وفي حال تعرّضت إسرائيل إلى ضربة قويّة ومؤثّرة، فليس مستبعدًا أن يضرب مواقع حسّاسة في إيران نفسها لإرغامها على دخول الحرب.
ورغم ذلك، يبقى أمر أساسيّ وحاسم، وهو أنّ شروط نتنياهو لن تتحقّق من غير الدخول البرّيّ، ومواجهة مقاتلي حزب اللّه على الأرض، فقوّة الحزب العسكريّة الأساسيّة ليست في قوّته الصاروخيّة البدائيّة مقارنة بما تملكه إسرائيل، والّتي تمتصّ القبّة الحديديّة معظمها، بل هي تحت الأرض وفي الأنفاق، وأهمّها الأسلحة المضادّة للدبّابات، والرجال المستعدّون للتضحية والقتال.
مهما تكن قوّة الطيران الإسرائيليّة فتّاكة، لن يكون بمقدور الطيران نزع سلاح حزب اللّه من غير معارك برّيّة، والحزب لن يتخلّى عن سلاحه مهما بلغت وحشيّة الغارات والدمار، لأنّها معركة حياة أو موت، ليس فقط في مواجهة إسرائيل، بل لموقعه الهامّ الّذي اكتسبه على مدار أربعة عقود في لبنان، وهو بلد يعيش على توازنات طائفيّة دقيقة.
لهذا يمكن القول إنّ الحرب ما زالت في بدايتها، ولا أفق قريب لوقفها، ولا جديد في الشرق الأوسط الجديد، فقد كان هكذا دائمًا، حرب ثمّ استراحة، وحرب أخرى، ومرّة أخرى استراحة، ثمّ حرب أخرى، إلى ما شاء اللّه.
ب ثمّ استراحة، وحرب أخرى، ومرّة أخرى استراحة، ثمّ حرب أخرى…