الصحافه

صحيفة إسرائيلية: طهران.. بين مستقبل “حزب الله” واللاعبين الجدد في لبنان

صحيفة إسرائيلية: طهران.. بين مستقبل “حزب الله” واللاعبين الجدد في لبنان

زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بيروت يوم الجمعة، ودمشق يوم السبت. كانت على لسانه بشرى قاسية لمواطني لبنان: “سنقف إلى جانب لبنان”. وأقواله أثارت ردود فعل حادة في الشبكات الاجتماعية: “إيران تنام بهدوء، ولبنان يدفع الثمن”، كتب متصفح على “اكس”. “سلبتم الدولة، وتأتون الآن لتقفوا إلى جانبنا؟”، وأضاف آخر: “خرب لبنان بسببكم”. في مواقع الأخبار ومقابلات مع خبراء في التلفزيون اللبناني وفي الدول العربية، لم يكن السؤال المركزي في نهاية الأسبوع إذا كانت إسرائيل ستهاجم لبنان، بل متى. الإجماع العام في إسرائيل ودول المنطقة هو أن الرد الإسرائيلي قدر، أو قوة طبيعية لا يمكن وقفها. لكن القيادة اللبنانية وعلى رأسها نجيب ميقاتي، ونبيه بري وخصوم حزب الله، يحاولون ترسيم اليوم التالي. فهم يتطلعون إلى تحقيق ما لم ينجحوا في تحقيقه في السنوات الثلاث الأخيرة: تعيين رئيس يشكل حكومة ذات صلاحيات تقود لبنان إلى حل سياسي وتوقف تخريب الدولة.

يشارك في هذه المبادرة زعماء دول الخليج وعلى رأسهم ولي العهد بن سلمان، إلى جانب زعماء الإمارات وقطر ومصر والولايات المتحدة وفرنسا. كلها باستثناء الإمارات، تحاول منذ سنتين إحداث هذه المعجزة السياسية في لبنان. أما الآن فتشخص فرصة جديدة بعد تصفية قيادة حزب الله العليا، وسحق قوة القيادة المدنية في المنظمة والكارثة الإنسانية الناشئة جراء الهجمات الإسرائيلية. فرضية العمل هي أن القيادة السياسية في لبنان ستتغلب على الخلافات السياسية التقليدية التي دهورت الدولة إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية الأصعب منذ نهاية الحرب الأهلية؛ لأن أكثر من مليون وربع نسمة نزحوا من بيوتهم، وعشرات آلاف آخرون بقوا بلا مأوى على الإطلاق؛ أكثر من 200 ألف شخص، معظمهم لاجئون سوريون، لكن ربعهم مواطنون لبنانيون، فروا إلى سوريا، الدولة التي تمزقها حرب ولا تعتبر آمنة للاجئين. والمستشفيات لا تؤدي مهامها، ولبنان يحتاج إلى مساعدة إنسانية تشير إلى اقترابه من الوضع في غزة.

في هذه المجموعة، تتخذ السعودية خطاً متصلباً يطالب بإقامة حكومة تكنوقراط، وهو تعبير معروف من الساحة الفلسطينية في المداولات على نفوذ حماس، ومعناه إبعاد حزب الله عن كل تدخل سياسي. السعودية معنية بأن تنزع من الحركة معاقلها المدنية وإمكانية تحولها إلى قوة نظامية. لكن لبنان ليس غزة: مبناه الطائفي الديني يضمن ليس فقط تعاون الشيعة الذين هم الأغلبية في الدولة، بل ودور حزب الله الذي يمثلهم، وهذا يصعب تحييد المنظمة عن الساحة السياسية. تعترف قطر ومصر بهذه الصعوبة وتقترحان فهماً أكثر واقعية، يتمثل بمطالبة المنظمة بتنازلات سياسية جوهرية في مسألة تعيين رئيس الدولة، وأساساً الموافقة على تطبيق قرار 1701.

لكن في هامش هذه المداولات حين اجتمع وزراء خارجية دول الخليج في الدوحة والتقى بعضهم بالرئيس الإيراني، عرضت طهران موقفاً متشدداً ضد هذا المنحى. فهي تخشى من إبعادها عن الساحة السياسية المحلية وليس حزب الله فقط. بعد يومين، كرر عراقجي الصيغة التي وضعها حزب الله وتقول “وقف النار في غزة ولبنان يكون بالتوازي”، أي أن إيران لم تتنازل بعد عن الربط بين الساحات، وهكذا أوضحت لقوات حزب الله بأن عليها مواصلة المواجهة مع إسرائيل ما لم يكن وقف نار في غزة.

ومع ذلك، قد تجد إيران نفسها أمام جبهة لبنانية داخلية مختلفة عن تلك التي في بداية الحرب. السؤال الذي سيكون الآن موضع اختبار هو: هل القوى السياسية في لبنان المعارضة لحزب الله سترغب وتستطيع خلق منتج سياسي جديد؟ من المتوقع أن تكافح إيران بكل قوتها ضد هذه النتيجة التي قد يكون معناها فقدان المعقل الاستراتيجي الأهم لها في الشرق الأوسط.

وهذا لأن حكومة لبنانية بدون حزب الله أو مع حزب الله ضعيف، لا يعني فقط فرض انسحاب قواته من جنوب لبنان إلى ما وراء الليطاني، بل أيضاً جهد لنزع سلاح المنظمة حسب قرار 1701. يمكن لإيران أيضاً أن تفترض بأن تنزع الحكومة الشرعية عن فكرة المقاومة التي منحت حزب الله مكانة الجسم اللبناني العسكري الوحيد الذي يتصدى للتهديد الإسرائيلي. حكومة كهذه، تقصقص الأجنحة السياسية لحزب الله، سبق أن كانت للبنان في 2006، برئاسة فؤاد السنيورة.

هذا ليس التخوف الوحيد الذي يوجه إيران: فأمام ناظريها تعيين رئيس لا يعتبر مؤيداً لحزب الله، وإقامة حكومة يكون التمثيل الشيعي المسيطر فيها لحركة أمل. هذه الخطوات ستفتح على مصراعيها استعداد السعودية لتصبح رب البيت في لبنان مرة أخرى، مثلما كانت في عهد رفيق الحريري وابنه سعد. المعنى أن السعودية قد تتصدر إعمار لبنان وتقوض الأساس الاقتصادي الذي منح لحزب الله وبشكل غير مباشر لإيران، التأييد المدني. العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وإن كانت استؤنفت في آذار 2023، فإن الدولتين لا تزالان تلعبان لعبة مبلغها الصفر، وليس لإيران نية للتنازل عن لبنان.

لكن مثلما درج نصر الله على القول، فإن “التطورات في الميدان هي التي ستملي السياسة”. الانسجام السياسي بين خصوم حزب الله لم ينضج بعد. لا يقين في نجاحهم في توحيد الصفوف حتى في ضوء خراب لبنان. لا يزال حزب الله يبدي قدرة قتالية رغم فقدان قادته الكبار، وخريطة الطريق السياسية التي تبدو اليوم مثالية قد تتبخر إذا بدأت مواجهة إقليمية عقب الهجوم الإسرائيلي المرتقب ضد إيران.

تسفي برئيل

هآرتس 6/10/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب