عرض كناب تحت ظل الخيمة
بقلم مهند طلال الاخرس
في سيرة المخيم شريط لا يكاد ينتهي من الذكريات، ومن هذا الشريط جاء هذا الكتاب بفصوله الثلاثين، والذي يتناول سيرة وصيرورة المخيم [مخيم البقعة] منذ النشأة على اثر النكبة وحتى ولادة العمل الفدائي وانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وصولا الى الانتفاضة الاولى وحتى توقيع اتفاق اوسلو..
هذا الكتاب يتناول احداث النكبة ومرارة اللجوء من الغرق بالوحل وانتزاع اوتاد الخيمة وطيرانها مع اشتداد الريح، الى تصوير حياة الطفولة في المخيم ومعاناتها وبؤسها وجوعها، ومن الاصطفاف على طابور الاغاثة والمساعدات والمؤن وهو ما اصطلح في المخيم على تسميته [بالسندقة] وحتى اهتداء الاطفال ومن خلفهم الى ضالتهم.. الى ما يستجمع قواهم ويوظف قدراتهم في سبيل القضية الاسمى [ تحرير فلسطين] وذلك عبر انشاء اول معسكر لاشبال الثورة في المخيم.
وحول معسكر اشبال الثورة وفي داخله تدور الكثير من القصص والحكايا والتي خطها الكاتب في سردية روائية تستعرض تجربة المعسكر منذ انشائه وحتى اغلاقه على اثر احداث ايلول الاسود المؤسفة…كل ذلك جاء بلغة ادبية راقية ومرهفة ومشوقة ومزدحمة بالاحاسيس والمشاعر الجياشة، نجح الكاتب من خلالها بنقل القاريء والمتلقي الى معايشة اجواء النص، بعد ارجاعه الى زمان تلك الاحداث بكل تفاصيلها وتجلياتها، لكن الاجمل من ذلك كله حين تجد في النص وبين سطور الحكايا قصة تشبهك وتشبه ذكرياتك؛ وهذا ان حصل فلا عجب، فذاكرة الفلسطيني الثائر واحدة ، تختلف في بعض التفاصيل الصغيرة وتلتقي في كل القضايا الكبيرة…
في المعسكر تتجمع الحكايا وتصل ذروتها لترسم بعناية اجمل الصور في تاريخ المخيم [الربيع الاول للثورة] والتي بقيت عالقة في الاذهان كلما فاض الحنين واتسعت فصول المأساة…
في المعسكر تجارب ودروس وصور وحكايات كان ابطالها قادة ورموز العمل الفدائي من امثال ياسر عرفات وابو علي اياد وصخر حبش وصلاح التعمري، وابراهيم الرفاعي وابراهيم الدخاخني ومجموعة ابو هاني (مصباح الجلمة) وفاخر النحال، واسماء ورموز ادبية وثقافية وفكرية وسياسية لامعة نجحت بحفر سطورها في تاريخ وسيرة المخيم من خلال تواجدها فترة ازدهار وصعود تجربة العمل الفدائي في الاردن من امثال جان جنييه وجان لوك جوغادار وشريف حتاحت ونوال السعداوي وهشام شرابي والياس خوري وحميدة نعنع وليلى عسيران ومي صايغ ومنى السعودي وطلال سلمان ورشيد بوجدرة وزهير الجزائري وجماعة الفهود السود الامريكية وجماعة بادر ما نيهوف الالمانية ووفود فيتنامية واوروبية اثرت واعطت للمخيم حكايتها، واخرون كثر اعطوا للثورة اجمل وافضل ما عندهم فمنحهم المخيم حكايته التي تبقى ولاتزول..
في هذا الكتاب صور للحب والحنين للزمن الثوري الجميل، صورة الفدائي الذي نحب والكلاشنكوف الذي نعشق، صورة الشهيد وبطولاته، صورة ليلة العيد وطقوسها وصلاة العيد وضيوفها، صور المدارس والمعلم والطلاب والرسومات والجداريات، صور المظاهرات وهدير الهتافات فيها ، ورائحة الحنين المختلط برائحة قنابل الغاز المسيلة للدموع والكاوتشوك المحروق، صورة الخيمة والبراكية والزينكو، وصياح الفتية وهم يتراكضون خلف كرة صنعت من الشرايط، وصورة الام الثكلى وهي تصك على اسنانها وتغالب الدهر وتنجب الفدائيين واحدا تلو الاخر، وصور الكبار الهائمين في ذكرياتهم عن بلادهم وقد كسرتهم الايام وهم يلهثون خلف حلم العودة..صور الفقد والجوع والالم والامل.. صور التقطت بعناية نجح الكاتب في اصطياد اللحظة وتوثيقها ليحفظ الذاكرة من ثقل الايام وعبثها…
في هذا الكتاب صولات وجولات في شوارع وحواري المخيم وعبر جدرانه وما خط عليها من شعارات تعبيء وتحرض وترسم حدود الوطن وتفرز بوعي معسكر الاصدقاء من الاعداء، وتحدد معالم وطرائق العودة الى فلسطين…
هذا الكتاب [تحت ظل الخيمة] فيض من غيض في سيرة المخيم من ايام الخيمة وايام الزمن الثوري الجميل، جادت صفحاته بكثير من الحكايا واخفت سطوره كثيرا من فصول الحكاية التي ابتلعتها النار.