ثقافة وفنون

مواسم الأوهام في حياة السوريين

مواسم الأوهام في حياة السوريين

إبراهيم الزيدي

إذا كان الخيال هو القوة الخارقة التي بفضلها فتح المبدعون أبواب الحلول، وتجاوزوا عقبات الطبيعة، وتغلبوا على نواميسها.
فإنه، وفي الوقت نفسه، وبناء على ملكة الخيال ترى الكثير من الناس قد غرقوا في أوهامهم، وعاشوا مأخوذين بما لم يحدث، ولبست أحلامهم ثوب النسيان! فالخيال ينبغي أن لا يستخدم للهروب من الواقع، وإنما لصنعه، كما يقول كولن ولسن، خاصة إذا كان موضوع الخيال وطنا. تلك الحيوات التي تحولت إلى مرثيات روائية، ما زالت تتكرر بدوافع مختلفة، محمولة على التفاؤل الساذج، فالعجز المكتسب الذي يعاني منه السوريون أصبحت معطياته ثقافة عامة: الشكوى بدل الفعل، الانتقاد بدل الإبداع، والحد الأدنى من الاهتمام، وبذل الجهد! هذا الاختصار للإنسان بكائنه البيولوجي يجعله عرضة لكل أشكال الانحطاط.
وقد ساهم التهميش المقصود للاختصاصات الاجتماعية في الجامعات السورية في أن تكون هذه الظواهر الاجتماعية بعيدة عن الدراسة والإحصاء، فنمت، وتكاثرت، واستشرت في العتمة. وتغيرت المفاهيم، وتكرست مداليلها الجديدة، بعيدا عن ضوء النقد والدراسة، وأصبح العجز المكتسب سمة الأكثرية، مما يذكر بقول غوتة: لا شيء أكثر إثارة للاشمئزاز من الأغلبية، لأنها تتكون من الأوغاد الذين يتكيفون، ومن الضعفاء الذين يخضعون، ومن الجموع التي تقلد دون أن تعرف على الإطلاق ما تريده.» سابقاً كانت الحقائق تحتاج لبعض الماكياج، تتجمّل لتصير مقبولة، الآن وجوه الحقائق عارية من كل مساحيق التجميل، فقد سقطت ورقة التوت عن سوريا، وأهلها، ولم يعد التلطي خلف الشعارات؛ وما توارثناه من مقولات التمجيد مجدياً. صرنا بحاجة ماسة لمعرفة أنفسنا أولاً، وقبل أي شيء آخر. يجب أن تستيقظ الناس من أحلامها، فالموت قد خرج من حيّز الاستثناء، واحتفظ لزياراته بصفة المباغتة!
آن أوان مراجعة الذات، فأصابع الأسئلة ما زالت تبحث عن كفّ يتبناها، لا أعرف لماذا هذه الأمة تنظر في اتجاه واحد، وكأنه لا يحق لها أن تلتفت، وكأننا مجرد أرقام، نتبادل المواقع، نتحول إلى لاجئين في موقع، ونازحين في موقع آخر، وقتلى في كل المواقع. أما الوطن فقد تحول إلى ذاكرة إنشائية، وقد انتهت مدة صلاحيتها، لدى الكثير ممن غادروه برفقة امتيازاتهم. وتركوا لنا ساحة الصراع في معركة الأمل. وها نحن وسوريتنا وجها لوجه، وما علينا إلا أن ندرك أن الوطن صورة مواطنيه، إذ لا توجد بلاد متخلفة، ثمة بلاد تخلف أهلها عن حبها. والحب هو الصدق مع الذات، ومع الآخرين، فالتصفيق والتأييد والتمجيد لا يبني وطنا، ولا تقوم عليه علاقة صحيحة.

كاتب سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب