ملامح من أفلام عربية عظمت المقاومة ورفعت رايات النصر
ملامح من أفلام عربية عظمت المقاومة ورفعت رايات النصر
كمال القاضي
سجلت السينما العربية خلال رحلتها الإبداعية مواقف وبطولات مهمة انفرد بها زعماء وقادة وشخصيات دخلت التاريخ من أوسع الأبواب وسُجلت أسماؤهم بأحرف من نور، فكان لزاماً على الكُتاب والمُخرجين والمُنتجين أن يوثقوا الأحداث ويضيئوا الأسماء لتظل خالدة في ذاكرة الأوطان الحُرة التي قاومت وتقاوم في سبيل الاحتفاظ بكرامتها وعزتها وبقائها.
الناصر صلاح الدين
ضمن المخرج الكبير يوسف شاهين فيلمه «الناصر صلاح الدين» الذي أنتج في عام 1963 عدة مشاهد ركز فيها على بسالة المُقاتل العربي وشجاعة بطل القصة والرواية الحربية التاريخية صلاح الدين الأيوبي، فعمد إلى إظهار شهامته ونبله في مُعاملة الأسرى ولياقته وأدبه الجم في مُخاطبة خصومه من قادة جيش الصليبيين، لاسيما ريتشارد قلب الأسد الذي كان أشدهم عداوة وضراوة للعرب والمسلمين، كذلك وثق شاهين لانتصار صلاح الدين في معركة حطين الشهيرة كنموذج لحُسن التخطيط والتكتيك وإدارة القائد الحصيف للحرب.
كما ألمح شاهين إلى روح الوحدة الوطنية التي تحلت بها كل عناصر الجيش من قادة وجنود للحفاظ على تماسُك الجبهة القتالية وقوتها الضاربة، مُشيراً في هذا السياق إلى شخصية عيسى العوام التي جسدها في الفيلم الفنان صلاح ذو الفقار ليبقى المعنى جلياً واضحاً لا يقبل الشك أو التضليل.
الرسالة
وبنفس المنهجية السينمائية المسؤولة قدم نظير يوسف شاهين المخرج السوري المهم مصطفى العقاد فيلمه العلامة «الرسالة» في إطار ديني تربوي قويم، حيث حافظ على مضمون رسالته بإبراز جوانب البطولة والفداء لدى المُقاتلين وبقية الشخصيات الإسلامية كبلال مؤذن الرسول وخالد ابن الوليد، بيد أنه ركز على شخصية حمزة المُلقب بسيد الشهداء ليكون هو النبراس والمثال في التضحية والشجاعة والقوة.
وربما كان مشهد استشهاد حمزة عم الرسول هو المشهد المحوري في الفيلم كله الذي انطوى على كل المعاني والعبر والاستنتاجات الإيجابية الدالة على قمة البطولة القتالية المُشرفة.
عمر المُختار
وليس أدل على قصدية المخرج مصطفى العقاد في توثيق البطولات الاستثنائية، من تصويره لمشهد إعدام البطل والمُجاهد الليبي عُمر المختار شنقاً وسط أتباعه ومُريديه، وقيام القائد الإيطالي بإعطائه التحية العسكرية لحظة تنفيذ الحُكم، احتراماً لشجاعته وقوته ونضاله من أجل أرضه وشعبه وذويه، فتلك كانت نُقطة الذروة في الفيلم الذي جسد حياة بطل ليبيا والعرب، مُجاهداً ومُقاتلاً وسياسياً مناوراً.
هكذا استهدف مصطفى العقاد بفيلمه تخليد صورة البطل وسيرته ليُعطي للأجيال جيلاً بعد جيل درساً عظيماً في الشجاعة والبسالة والقوة ليستفيدوا منه في حياتهم المليئة بالصراعات ويعرفون أنه لا خلود بغير تضحية ولا انتصار بغير فداء.
جميلة بوحيرد
ولا شك أن سيرة ومسيرة المُناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد كانت مُلهمة أيضاً للمخرج يوسف شاهين في فيلمه الشهير «جميلة» الذي جسدت فيه الفنانة ماجدة الصباحي شخصية المُناضلة وساهمت في ذيوع صيتها وشهرتها فعرفها القاصي والداني وبقيت مراحل كفاحها محطات رئيسية وعلامات مضيئة يسترشد بها كل أحرار العالم، فهي الفتاة التي ناضلت ضد الاحتلال الفرنسي لبلادها وقاومت فكرة الاستسلام والخضوع فصارت قصتها حكاية تُروى ويتداولها الناس في كل البلدان والأقطار العربية.
ويُعتبر مشهد المُحاكمة هو المشهد الأكثر تأثيراً لما تضمنه من تفاصيل أوضحت بكل جلاء تواطؤ المجتمع الدولي وانحيازه للباطل ووقوفه في وجه الحق للحيلولة دون كشف الحقائق التي تُدين المُحتل الفرنسي وتجعل للجزائر حقاً أصيلاً ومُكتسباً في الاستقلال كدولة عربية لها السيادة على أراضيها ولشعبها الحق في أن يحكم نفسه بنفسه بلا وصاية استعمارية تُقيد حريته وتمنع تقدمه.
بور سعيد
ويأتي فيلم «بور سعيد» للمخرج عز الدين ذو الفقار والذي أنتج في عام 1957 مُعززاً لدور السينما النضالي في مقاومة المُحتل الغاصب للأرض والناهب للثروات، فهذا الفيلم أنتجته شركة العهد الجديد التي كانت مملوكة آنذاك للنجمين الكبيرين، فريد شوقي وهدى سُلطان بناءً على تكليف مُباشر من الرئيس جمال عبد الناصر لفريد شوقي، لتوثيق البطولات الفائقة لفرق المقاومة الشعبية في معركة بور سعيد عام 1956 والتي كبدت العدو الإسرائيلي خسائر فادحة في الأرواح والمُعدات وأجبرته على الجلاء عن المدينة الباسلة.
وهناك مشاهد عديدة تستحق أن يُشار إليها في هذا الفيلم، لكن سنكتفي بمشهد القبض على وفيه، هدى سُلطان ومحاولة إجبار البطل طُلبة، فريد شوقي على الاستسلام إنقاذاً لها، لكنه استطاع أن يخدع قادة الجيش الإنكليزي ويُنقذ حبيبته المكفوفة بدون أن يقع في الأسر، وهي اللحظة الدرامية الفارقة التي صفق خلالها الجمهور لبطله المُفضل بانفعال صادق وتفاعل حقيقي مع المشهد المؤثر.
باب الشمس
ومن أهم الأفلام وأقواها فيلم «باب الشمس» للمخرج يسري نصر الله الذي ناقش القضية الفلسطينية في جزأين مهمين للغاية، غلب عليهما الطابع الإنساني، فالجزء الأول جاء تحت عنوان «الرحيل» واستعرض خلاله المخرج مسيرات نزوح الأبطال من مُخيم إلى مُخيم ومن منطقة إلى أخرى لتفادي الاستهداف المُباشر للمواطنين العُزل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الهمجي.
أما الجزء الثاني فحمل عنوان «العودة» وكان له أثر بالغ من الناحية التوثيقية، إذ ارتبط بحكاية خليل، باسل خياط التي يقصُها ليونس، عروة النيربية، الراقد في إحدى المُستشفيات في غيبوبة تامة ويسرد له تفاصيل قصته الشخصية وذكرياته الماضية مع شمس، حلا عُمران وتجربته مع المقاومة إلى آخر رحلته الشاقة العسيرة.
ولا يُمكن استثناء مشهد بعينه من فيلم «باب الشمس» للإشارة إليه بوصفه الأهم، حيث كل المشاهد مهمة وغنية بالتفاصيل.