هآرتس.. حكومة “الانقلاب النظامي”: القانون والمواثيق الدولية أجسام تعيق “النصر المطلق”

عندما تصف المستشارة القانونية للحكومة الكابنيت بأنه “مدينة ملاذ لقرارات غير سليمة” فهي تقدم بذلك تسهيلات كبيرة للحكومة، التي تعمل منذ أكثر من سنة حسب قوانين الحرب؛ ليست تلك التي نصت عليها المواثيق الدولية أو كتاب القوانين في إسرائيل، بل التي صيغت حسب رؤية مشوهة، وتضع الحرب فوق القانون، وتعتبر القانون جسماً معادياً يقف أمام “النصر المطلق”.

لا يدور الحديث فقط عن تعيين شخصيات رفيعة أو في إجراءات عمل الوزراء، بل عن إدارة الحرب التي تعاني من عجز قانوني عميق. إن تطاول الجنود في الضفة الغربية وقطاع غزة وتدمير الممتلكات واستخدام الفلسطينيين كـ “كلاب أثر” وقتل المدنيين بدون تمييز… كل ذلك أصبح معايير مناسبة تحصل على شرعية من كونها جزءاً لا يتجزأ من الحرب المقدسة التي كل شيء فيها مباح.

في هذه الحرب، لم يجر سحق القانون في ساحة الحرب فحسب، بل في المجال المدني أيضاً. وأصبح تطبيق القانون في “المناطق” [الضفة الغربية] نكتة؛ والمجرمون يتجولون بدون خوف، بل ويحظون بدعم الجيش الإسرائيلي والشرطة؛ وباتت الشرطة في دولة إسرائيل تتبنى موقف سلطة تشريعية مستقلة؛ فهي تحظر نشر “أفلام خطيرة”، وتعتقل مدنيين بشبهة “التحريض” بدون أساس قانوني، وتلغي عروضاً ثقافية دون توجيهات قيادة الجبهة الداخلية، وتضر بعمل المراسلين. والأستوديوهات غير معنية بمسألة قانونية تجويع مئات آلاف الغزيين، أو لا سمح الله، بأخلاقية “خطة الجنرالات”، بل بدرجة نجاعتها.

الصدمة الفظيعة التي شهدتها إسرائيل في 7 أكتوبر حطمت الثقة بكل حل سياسي. والدليل، في تشويه الوعي المريض الذي تطور بالنسبة للمخطوفين. حتى قبل بضعة أشهر، دعت الرواية السائدة للسعي إلى عقد صفقة حتى لو بمعنى إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع؛ أي نهاية سياسية للعملية العسكرية. هذه النوايا دفنت مع المخطوفين، لا لأنهم أصبحوا عبئاً وأصبحت عائلاتهم خائنة تضر بالجهود الحربية، لأن الانشغال بـ “الصفقة” اعتبر أمراً غير أخلاقي، وعملاً ضد الحماسة العسكرية. سيأتي دور الصفقة، هذا إذا جاء، بعد إنهاء كل الحروب، سواء في غزة أو لبنان أو إيران.

 ولكن هدف الحرب في لبنان، “إعادة السكان إلى بيوتهم”، تحول إلى هدف ثانوي. أولاً وقبل أي شيء، يجب تصفية حزب الله، و”استنفاد الإنجازات العسكرية”، وتطهير نفق آخر وقرية أخرى والسيطرة على جنوب لبنان. زيارة الصحافيين لغزة برعاية الجيش الإسرائيلي لم تعد موضوعاً مثيراً للانفعال. موضوع الجذب الجديد هو الجولات في أنفاق حزب الله. ومثلما هي الحال في غزة، فهذه الجولات تهدف إلى إثبات ضرورة مواصلة “تطهير المنطقة” ورفض أي اقتراح سياسي، والاستمرار في الحرب، وترسيخ ضرورة سيطرة الجيش بشكل دائم في جنوب لبنان. بديهية “لا يوجد شريك” في السلطة الفلسطينية، التي تم استنساخها في غزة، تحتفل الآن في لبنان. وبشكل متعمد، تصب في الوعي عدم إمكانية الحل السياسي لكي نقول الحرب الدائمة واقعاً لا مناص منه، وترسخ شرعية “سلطة قوانين الحرب” التي تقوض سلطة القانون.

عدم وجود “مخرج” ليس شعوراً ذاتياً أو وضعاً سياسياً-أمنياً حقيقياً، بل يتطور إلى استراتيجية طموحة للاكتفاء باستغلال الحرب كأداة لضمان بقاء الحكومة، وبالأساس حكم المتهم بمخالفات جنائية الذي يترأسها. سيكون هدفها الأيديولوجي تشكيل طابع المجتمع الإسرائيلي وإعداده لعهد قانوني جديد يستند إلى حالة الطوارئ بشكل دائم، ويعطي الحكومة الشرعية في إدارة الدولة كما تشاء. سيكون هذا واقعاً من “خيبة الأمل”، واقعاً فيه استخدام قوانين “عادية” معيارية بأنه يعود إلى 6 تشرين الأول، واقعاً حتى من هندسوا الانقلاب النظامي لم يكن بإمكانهم أن يحلموا به.

تسفي برئيل

 هآرتس 16/10/2024