مصر ليست للبيع في صفقات تجارية… ورغم الغلاء والكساد الأزهر يحذر من التطرف الاستهلاكي

مصر ليست للبيع في صفقات تجارية… ورغم الغلاء والكساد الأزهر يحذر من التطرف الاستهلاكي
حسام عبد البصير
القاهرة ـ رهان الكيان على زوال “حماس” وشقيقاتها بعد ترقي السنوار، بات وهما.. الشهادة ليست بلسان عربي، بل بلسان عبري، إذ أكد عضو في فريق التفاوض لأهالي الأسرى الإسرائيليين بأن المقاومة الفلسطينية لم تتفكك لكنها صارت أكثر تماسكا. بمرور الوقت يتلقى السفاح والقتلة في واشنطن الصفعة تلو الأخرى، إذ كشف وصول المبعوث الأمريكي لبيروت مؤخرا أن في صدارة أولوياته إنهاء الترابط بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية، إذ تطمح الإدارة الأمريكية لإخلاء الساحة أمام نتنياهو ليواصل المذابح في عموم قطاع غزة في غيبة من أشقاء الضحايا.
داخليا كان لدعوة الرئيس السيسي بمراجعة الموقف مع البنك الدولي، ترحيب واسع بين المراقبين، وأكد مجدي البدوي نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، رئيس النقابة العامة للعاملين في الصحافة والطباعة والإعلام، أن توجيهات الرئيس السيسي للحكومة، بمراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي، مع صندوق النقد الدولي تعكس حرص القيادة السياسية على مراعاة ودعم محدودي الدخل. وتوقع البدوي، أن تقوم الحكومة بإصدار حزمة جديدة من قرارات الحماية الاجتماعية خلال الفترة المقبلة، تتمثل في زيادة في المعاشات، والأجور في القطاعين العام والخاص، وتمديد جدول زيادة أسعار المحروقات عن الفترة المقررة له خلال الفترة المقبلة، وذلك للتخفيف عن كاهل المواطنين ومواجهة غلاء المعيشة. وبالنسبة للسلع الغذائية التي اشتعل أسعار الكثير منها، أوضح الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن الاحتياطي من السلع الاستراتيجية آمن، ويصل إلى 6 أشهر في المتوسط، وكشف عن تنويع مصادر استيراد القمح لضمان تدفقه، إلى جانب تنفيذ خطة قومية لبناء الصوامع لتخزين المحصول. وأضاف فاروق أمام مجلس النواب؛ أنه تم العمل على ضمان الأمن الغذائي. وليس ببعيد عن الهم العام حذّر مرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، من التطرف الاستهلاكي مع تقدم التكنولوجيا الرقمية، حيث تطورت أنماط الشراء والاستهلاك إلى مستوى يتجاوز الاحتياجات الأساسية للفرد، ليصبح استهلاكا مسرفا، أو ما يمكن أن نطلق عليه تطرفا استهلاكيا. وأوضح “المرصد” أن هذا المفهوم يعبر عن الإفراط في الاستهلاك، بما يتعدى الضروريات؛ إذ يسعى الأفراد إلى الحصول على مزيد من المنتجات والخدمات، سواء أكان ذلك لحاجتهم الفعلية، أم لمجرد مواكبة المعايير الاجتماعية والثقافية، التي تروج للاستهلاك المفرط في كل شيء. ويرجع مرصد الأزهر أسباب التطرف الاستهلاكي إلى التكنولوجيا والإعلانات الرقمية، التي تقوم بدور رئيس في تعزيز ظاهرة التطرف الاستهلاكي، فقد أصبح بإمكان الشركات استهداف المستهلكين بدقة، بناء على اهتماماتهم وسلوكياتهم عبر الإنترنت، ما يخلق شعورا بالحاجة المستمرة إلى شراء مزيد من السلع لتلبية توقعات المجتمع، أو لتحقيق الرضا الذاتي. وحول الوباء الذي يتفشى بين الشباب قال اللواء مجدي السمري، مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات سابقا، إن الأجهزة الأمنية تستهدف سائقي أتوبيسات المدارس بحملات مفاجئة؛ للتأكد من عدم تعاطيهم المخدرات، وكشف أن المخدرات المستحدثة الكيميائية، يتم الترويج له من خلال الإنترنت. وأوضح السمري، أن الاتجار في المخدرات حرب من حروب الجيل الرابع، مؤكدا أن هناك أنواعا من المخدرات تتعاطاها فئات مختلفة، في النوادي والجامعات.
يبهرون الجميع
تخوض المقاومة في لبنان وفلسطين معارك إعجازية لا يصدقها العقل. الطبيعي – طبقا لموازين القوى – من وجهة نظر أسامة غريب في “المصري اليوم” أن يستسلم المقاومون فورا، لكن الحاصل أنهم يواصلون القتال في ظل ظروف يضاعف من تأثيرها أن الأعداء لا يقتصرون على جيش الاحتلال، لكنهم من كل صنف ولون. أول عدو للمقاومة، هو التسامح العالمي إزاء الجرائم الشنيعة والمجازر اليومية التي ترتكبها الوحوش الصهيونية المنفلتة، إذ لم يحدث عبر التاريخ الإنساني أن كان هناك عدوان بهذه الشراسة ضحاياه الأطفال والنساء، دون أن يلقى الاستنكار والرفض من دول العالم. عرف العالم كاليجولا وجنكيزخان وغراتسياني وهتلر وفرانكو، وكل واحد منهم ارتكب مذابح دامية بحق المدنيين، لكن كان يلقى المقاومة والرفض والاستنكار من الجميع. إسرائيل نفسها كانت منبوذة دوليا ومرفوضة من أغلب دول العالم، حين ارتكبت مذابح كفر قاسم ودير ياسين، وحين قصفت مصنع أبو زعبل ومدرسة بحر البقر، فما الذي حدث هذه المرة حتى يتفرج العالم على أهل غزة يموتون حرقا وجوعا، دون أن يحرك ساكنا؟ بالإضافة إلى التسامح الدولي إزاء جرائم إسرائيل هناك عامل آخر تسبب في خسائر فادحة للمقاومة اللبنانية. هذا العامل هو كلمة الشرف التي تمثلت في وعد طلبه الرئيس ميشيل عون من حزب الله.. طلب أن يعدوه بأنه عندما يقع في أيديهم جاسوس يعمل لصالح إسرائيل ألا يتصرفوا معه، لكن يسلموه للسلطة اللبنانية، وذلك من أجل الحفاظ على الدولة.
الجواسيس آمنون
كان الرئيس عون حسبما ذكّرنا أسامة غريب، يريد أن يكون شكله مقبولا أمام العالم كرئيس صاحب سلطات، وسأل حزب الله أن يساعده على هذا. الذي حدث أن الوفاء بهذا الوعد كلف المقاومة كثيرا، إذ أن الجواسيس كانوا بعد أن يتسلمهم الأمن اللبناني يخرجون بقدرة قادر، وتتم حمايتهم من بعض السفارات الأجنبية. الأغرب أن منهم من دخل الانتخابات النيابية على قوائم بعض الأحزاب. كل هذا كانت تشاهده المقاومة وتسكت عنه حتى لا تعرض الداخل اللبناني لاضطرابات طائفية ومناطقية. على العكس من هذا فعل يحيى السنوار في غزة حين قام بقتل الجواسيس أولا بأول، فحجّم قدرة إسرائيل على الوصول إليه وإلى الأسرى، ولذلك لم يقتلوه إلا بالصدفة، ولأنه خرج إليهم بنفسه. مأساة حزب الله أنه اختار أن يقاوم العدو وسط ظروف داخلية لعينة، كشفت أمنه وعرضت قادته للخطر. حتى بعد كل ما جرى وبعد تدمير الضاحية واغتيال الأمين العام، فإن المقاومة حين قبضت على جاسوس إسرائيلي الجنسية فإنها سلمته إلى الحكومة، وفاء منها بالوعد الذي قطعه السيد حسن نصر الله للرئيس عون. الأعداء الذين يواجههم المقاومون، “الإفك” الذي يطبع الإعلام الدولي ويزيف الحقائق ويخبئ الأخبار المتعلقة بالخسائر الإسرائيلية، مشاركة منه في المجهود الحربي للعدو. هذا غير انحياز قوات اليونيفيل لإسرائيل بوضوح، رغم أن إسرائيل تتحرش بهم وتقصفهم من حين لآخر.. وقد تجلى هذا الانحياز في قيام سفينة ألمانية تابعة لليونيفيل بإسقاط صاروخ أطلقته المقاومة على إسرائيل، وطبيعي أن هذا لا يدخل ضمن مهام القوة التابعة للأمم المتحدة.
حتى آخر شجرة
في لحظة تكاد تكرر سؤال ذاك الذي سمى نفسه، حسب خولة مطر في “الشروق” زعيما “من أنتم؟” كم كان سؤاله بلا معنى أو حتى فكاهيا حتى صار هو الأكثر انتشارا، والأحداث تتدحرج سريعا، فقبل أن تغمض عينيك وتفتحهما تكون هناك مجازر جديدة، أو حتى محرقة، نعم فقد شاهدنا المحرقة مباشرة على شاشات البث المتنوعة للمرة الأولى في التاريخ الحديث، وكنا نسمع عنها كثيرا وكان الفلسطينية/الفلسطيني يدفع ثمنا باهظا لها، رغم أن أحدا لم ينقلها، ولم يصورها سوى ما تبقى منها، ومع ذلك فلم يتوقفوا عن التذكير بها في كل مفصل تاريخي، بل حتى دون أي مناسبة. ها هم الأطفال يحرقون أمام أعين العالم الذي لبس غمامة، أو أدار وجهه أو حتى التزم صمت القبور. صور كثيرة لا تتحملها العدسات ولا الذاكرة، ورغم ذلك تبقى مسمرا تراقبهم، نعم تراقب أحبتك بوجوه متعبة، حزينة ومليئة بالأسئلة وأكثرها حضورا «أين أنتم؟» بل أين العالم المتحضر المدافع عن حقوق الإنسان والأعراف الدولية والمطالب دوما باحترام اتفاقيات كتبت بعد بحور من الدم والعرق؟ أين أنتم؟ وهم يعجنون الخبز بالزعتر المتبقي إذا ما وجد ينثرون الأمل، ويرسلون رسائل أكثر إيمانا من ذاك المتربع على المنبر هنا، أو هناك يحمل لقب رجل دين أو رئيس أو زعيم أو ملك أو أمير، منتخب أو غير منتخب، كلهم توحدوا ليقفوا في وجه ذاك الطفل يقصفون مرة فينجو هو وأخته، ومرة ثانية فيفقد أخته، وثالثة يجد نفسه برجل أو يد أو دون عين، ثم يمضى مع النازحات والنازحين الذين تطاردهم القنابل شديدة الذكاء، لكنها بكل ذكائها لا تعرف سوى الموت لكل الأبرياء لأرواح كل جرمها أنها قبضت على حفنة من تراب أرضها، وقالت: لن أرحل سأبقى هنا حتى آخر شجرة زيتون وآخر فراشة وآخر موجة وآخر نخلة بل آخر نفس.
احذروا أكاذيبهم
هم كما حدثت عنهم خولة مطر يحبون الموت، قال بعضهم أو بعضنا، فردوا هم عليه بأغنية أو نكتة أو بسمة تشير لمحبة للحياة لم يعرفها أحد مثلهم، بل هم من يعلّمون كل البشر معنى أن تحب الحياة، بعيدا عن زيف الحيوات التي يرسمها بعض المحللين من الجهلة أو النصابين أو المرتزقة، أو محبي المال. هذا عام انكشف فيه كُثر، في البدء قلنا مساكين لم يقرأوا رسائل نتنياهو، بل من سبقوه وهي في مجملها توضح المخطط والمشروع. أشفقنا عليهم وأبقينا الود الذي كان وقلنا الناس لا تتساوى في المعرفة ولا في الآراء، خاصة عندما اكتشفوا تلك العبارة الممجوجة «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، من الأحمق الذي أخبرهم أو علّمهم بها ولم يفسر أن الاختلاف على الوطن والأرض والحق يفسد كل الود، بل ربما يحوله إلى جفاء؟ لا خلاف على الحق فهو أكثر وضوحا من الشمس حتى في أيام الخريف المعتمة. قلنا توقفوا عن نشر أكاذيب الصهاينة خاصة المستعربين منهم الناطقين بلغة الضاد، وهي بريئة منهم فلم يسمعوا فقد كان هناك شيء من النشوة المشبوهة، بل صعب على العلماء والباحثين تفسيرها. فكيف ينتشى الإنسان في لحظة الموت، خاصة إن كان اغتيالا جبانا من عدو أجبن. وكيف يفرح البعض ويُشتم أشخاص ارتحلوا إلى ربهم شهداء، حسب تفسير الكلمة في المعجم أو في الكتب السماوية؟ جاء شهر أكتوبر/تشرين الأول فختم عام من الصمود الممزوج بالآلام وكانت الخاتمة رغم أن الوجع كبير فإنه حزن ممزوج بنشوة الانتصار، عندما يسجل كل في مكانه أمثلة ونماذج للقائد المتقدم الصفوف الذي لا يترك جيشه أو جنوده وحدهم، بل يقول لهم أنا قبلكم فهذا ما أتمناه أن أموت في ساحة المعركة على أن أموت في فراشي، وألا أترك خلفي إلا ذكرى عطرة فيما الآخرون قد استعبدتهم الكراسي والمال.
صانع الرعب
يحيى السنوار مقاتل من طراز خاص، صلب الإرادة قوي الشخصية شديد الكراهية للاحتلال الإسرائيلي، وأكثر من صنع لها الرعب وهز صورتها داخليا وخارجيا، وأثبت وفقا لطارق عباس في “المصري اليوم” فشلها الاستخباراتي والأمني، عندما خطط ودبر لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول سنة 2023. ونجحت كتائب القسام في مباغتة العدو الإسرائيلي ومهاجمة مستوطنات غلاف غزة. لقد أصابت عملية طوفان الأقصى إسرائيل في مقتل، وتحول يحيى السنوار العقل المدبر لهذه العملية إلى بعبع أسطوري في الوعي الشعبي الإسرائيلي، خاصة بعد أن شيطنه الإعلام الإسرائيلي، وجعله مجرد متعطش لسفك الدم وقتل الأبرياء، علما بأن نتنياهو يمارس مثل تلك السلوكيات جهارا نهارا، وكانت سببا مهما في رغبة السنوار والمقاومة في مواجهة إسرائيل وضرب قوتها على الردع، والتأكيد على ثوابت الشعب الفلسطيني ومنها، تحرير الأرض وطرد المحتل مهما كانت التكلفة والتضحيات. ولأن الضربة كانت قاصمة، سخّرت إسرائيل كل إمكاناتها التكنولوجية والاستخباراتية والعسكرية للوصول إلى السنوار وإلقاء القبض عليه حيا أو ميتا، وتمت عمليات تسريب لأخبار كاذبة، تؤكد أن السنوار فرّ إلى الأنفاق واختبأ وسط الرهائن كى يكونوا دروعا بشرية تحميه من الموت وقت اللزوم، ووصفته بعض وسائل الإعلام الغربية بأنه جبان وخائف ومختبئ مثل الجرذان، تارة مختبئ في الشمال وثانية في الوسط وثالثة في الجنوب ورابعة بأنه خارج القطاع، بل نسبوا إليه أنه مستعد لوقف إطلاق النار بشرط ألا تستهدفه إسرائيل ويضمن الخروج الآمن من القطاع إلى المكان الذي يريده، وتطوع المتطوعون السذج وانجروا لذلك الفخ الذي كان المقصود منه فقط هو النيل من سمعة السنوار واغتياله معنويا، ورغم عمليات التفتيش عنه ليل نهار.
هزمهم مرتين
فشلت الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية في الظفر بالسنوار، أو استهدافه مثلما حدث لإسماعيل هنية الرئيس السابق لحركة “حماس”، وقبله صالح العاروري نائب رئيس الحركة، ثم فؤاد شكر نائب الأمين العام لحزب الله ثم السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، لكن وفي غفلة من الزمن كما أخبرنا طارق عباس يأبى السنوار إلا أن يلقن الإسرائيليين درسا آخر ويضرب استخباراتهم في مقتل. فقد فتشوا عنه في كل مكان ولم يجدوه، رصدوا المكافآت المالية الضخمة وجندوا العملاء وألقوا القنابل بالأطنان عله يكون في مخبأ مع الرهائن، لكن كان الفشل حليفهم، حتى جرت اشتباكات مع خلية مكونة من ثلاثة مقاتلين كانت تحارب في تل السلطان في رفح من داخل مبنى، وذلك ليلة الأربعاء الماضي، وعندما فشلت القوات الإسرائيلية الموجودة في السيطرة على المقاتلين الثلاثة أطلقت دانة دبابة وقتلتهم جميعا، وبالصدفة اكتشف الإسرائيليون أن من بين القتلى يحيى السنوار، الذي تأكدوا من هويته عن طريق أسنانه ثم الحمض النووي، وتظهر الصور المنشورة للرجل وهو غارق في دمه ممسك بمسدسه وبعض طلقات الرصاص، مرتديا زيه العسكري. ظهر شهيدا في الميدان وليس خائفا ولا جبانا ولا مختبئا وسط الرهائن الإسرائيليين، ليؤكد بذلك أنه عاش قادرا على ترهيب إسرائيل والنيل منها حتى وهو يفارق الحياة، يفارق الحياة رجلا ثابتا على الموقف والمبدأ والثوابت الوطنية، ومثلما فاجأهم بطوفان الأقصى وهز صورتهم أمام العالم، ها هو يرحل عن هذه الدنيا بصفعة وجهها لنتنياهو ورئيس أركانه ووزير دفاعه، علهم يفهمون أن الحساب لم يُغلَق وأن الأرض الفلسطينية ولاّدة، وأن الشعب الفلسطيني الأسطوري في الثبات والمقاومة سيأتيهم بآلاف يحيى السنوار، وأن السلام لن يتحقق أبدا طالما بقي جندي إسرائيلي واحد فوق أرض فلسطين.
منزل السفاح
رغم الضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله باغتيال معظم قياداته ودك ضاحيته الجنوبية بآلاف الأطنان من المتفجرات، لكن الحزب أثبت حسب جمال حسين في “الأخبار”، أنه ما زال قادرا على الوصول بصواريخه إلى عمق إسرائيل، بل إلى منزل نتنياهو نفسه.. لملم جراحه وشن خلال الأيام الأخيرة عدة عمليات أثبتت أنه لا يزال في الصورة وأن ما رددته إسرائيل وحلفاؤها بأن قدرات الحزب انتهت وأنهم جاهزون للذهاب إلى مفاوضات اليوم التالي للحرب ما هو إلا وهم كبير. ورغم أن الجميع يعلمون أن نتنياهو يتحصن في بيت جهنم المنيع المشيد تحت الأرض ويدير المعركة منه، لكن قصف منزله في قيساريا بطائرة من دون طيار مسيرة، أحدث أضرارا بالغة بالمنزل رغم وجود أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية التي فشلت في اعتراضها، ويحمل العديد من الدلائل ويطرح الكثير من التساؤلات.. هل يكون قصف منزل نتنياهو نقطة تحول في الحرب؟ وهل هذه رسالة بأنهم قادرون على الوصول إلى نتنياهو وكل مسؤول سياسي وعسكري في إسرائيل؟ نتنياهو رد على محاولة اغتياله متوعدا إيران ومواصلة الحرب.. ليقل نتنياهو ما يشاء لكن الواقع أكد أن وصول المسيرة إلى قلب إسرائيل واستهدافها منزله شخصيا يعد فشلا ذريعا لأجهزة الأمن، مما أصاب الإسرائيليين بحالة من الرعب.. لذلك فتح سلاح الجو الإسرائيلي تحقيقا في كيفية وصول المسيّرة إلى منزل رئيس الوزراء. وقررت الوحدة المكلفة بحماية الشخصيات الرفيعة في إسرائيل حالة التأهب وتشديد الحراسة تجاه كل رموز السلطة الإسرائيلية وتأمين تحركات كبار المسؤولين. والسؤال متى يدرك زعماء أمريكا وأوروبا أن العنف يولد العنف.
بايدن مشلول
قبل نحو أسبوعين على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا توجد أي فرص يراها عبد الله السناوي في “الشروق” تلوح في الأفق أمام الإدارة الحالية للحركة والتأثير في مجريات الحوادث. كل ما تستطيعه أن تستثمر في مقتل السنوار بدواعٍ انتخابية. بمنطوق التصريحات الأمريكية المتواترة فإن هناك فرصة أمام نتنياهو لوقف إطلاق النار في غزة، استنادا إلى الإنجازات، التي حققها. المشكلة ليست في توصيف الإنجازات، حجمها وطبيعتها، بل في تعريف طبيعة الصراع واستحالة إلغاء وجود الشعب الفلسطيني فوق أراضيه، وقدر التعاطف الشعبي الدولي مع عدالة قضيته كما لم يحدث من قبل. إننا أمام تجهيل عمدي بمسؤولية نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة عن أبشع جرائم الحرب ونزوعها لتوسيع نطاق المواجهات بذريعة نجاعة الضغط العسكري، رغم أنها لا تستطيع كسب أي حرب دون غطاء أمريكي كامل. اللافت أن النيل من السنوار جرى بالمصادفة، دون معلومات استخباراتية عن وجوده في المكان، ولا كانت هناك قوات خاصة شاركت في المهمة. توجه نتنياهو للتصعيد يأخذ أكثر من صيغة. الأولى، باسم «خطة الجنرالات» لتفريغ شمال غزة من سكانه كخطوة تفضي إلى إنشاء مستوطنات إسرائيلية، وربما التهجير القسري إلى سيناء في نهاية المطاف. والثانية، باسم «ضرب جبهة الإسناد في لبنان»، وفصم أي علاقة بين الجبهتين. كان اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله، ضربة قاسية، لكن الحزب استطاع بعدها التعافي وأثبت قدرته على المواجهة في ميادين القتال وإلحاق الأذى بالقوات الإسرائيلية. الأخطر أن إسرائيل تخطط لبناء شريط حدودي داخل الأراضي اللبنانية، باسم الحفاظ على أمنها دون أن تتذكر تجربتها الفاشلة السابقة في المكان نفسه. والثالثة، باسم تصفية الحسابات مع إيران، وسيناريو توجيه ضربة عسكرية مهندسة إليها ماثل بقوة، لكنها قد تفلت عن أي حساب إلى اندلاع نيران أكبر وأخطر في الشرق الأوسط، وهذا ما تتحسب له الإدارة الأمريكية.
ميت خسارة ع الرجال
هل يعطل مقتل السنوار الضربة المحتملة لإيران؟ بكل وضوح من وجهة نظر عبد الله السناوي لا.. لكنها قد تخضع لتعديلات حتى لا يفسد المشهد الانتصاري لليمين الإسرائيلي المتطرف. فى كل الحسابات المتضاربة بين مساري التصعيد والتهدئة تتصدر صورة السنوار الأخيرة المخيلة العامة، لا إسرائيل بمقدورها إزاحتها ولا الفلسطينيون بوسعهم نسيانها. ناقضت صورته الأخيرة ما زعمته الدعايات الإسرائيلية طويلا. قُتل فوق الأرض لا داخل نفق، ولا مختبئا خلف الأسرى الإسرائيليين. استشهد وهو يقاتل بنفسه شأن كل المقاومين الآخرين الذين ضحوا بحياتهم. استدعت صورته الأخيرة شهيدا وبجواره بندقيته الكلاشينكوف ما أنشده الشاعر العامي الراحل أحمد فؤاد نجم في وداع الزعيم الأممي أرنستو تشى جيفارا: «مات المناضل المثال/ يا ميت خسارة على الرجال».. «مات الجدع فوق مدفعه جوه الغابات/جسد نضاله بمصرعه ومن سكات». قبل أن يختتم نشيده الحزين، الذي لحنه وغناه الشيخ إمام عيسى، وألهم جيل السبعينيات ذروة حرب الاستنزاف. «لكن أكيد ولا جدال/جيفارا مات موتة رجال». لم يلقَ السنوار حتفه في أحراش بوليفيا كـ«جيفارا» دفاعا عن حق الشعوب في الحرية والعدالة، فقد استشهد في منطقة «تل السلطان» في رفح دفاعا عن حق بلاده المحتلة في الاستقلال والكرامة. بتعبير السنوار في روايته الوحيدة «الشوك والقرنفل»، التي كتبها خلف قضبان السجون الإسرائيلية، ونشرت عام (2004): «يا رجل، أي والله، الحياة لدقيقة بعزة وكرامة ولا ألف سنة زي الزفت تحت أحذية جنود الاحتلال». تبدو حكمة هذه العبارة البسيطة الآن كوصية لا يمكن نقضها.
عاش وماتوا
عاش عمر المختار ومات قاتلوه.. عاش جيفارا ومات قاتلوه.. عاش أحمد ياسين ومات قاتلوه.. عاش فلاحو دنشواي ومات قاتلوهم.. وهكذا يتوقع عصام كامل في “فيتو”: عاش يحيى السنوار وسيموت قاتلوه، ما زلت أستعيد إلى الذاكرة صور الأبطال العظام وهم يرسمون لحظات حياتهم الدنيا الأخيرة.. كانوا منتصبي القامات، مرفوعي الهامات، رافعي الرايات. قال الرجل بطلاقة أود أن أموت بسلاحي لا أن أموت بجلطة، أو في حادث سير.. قالها ونالها.. منحه الله شرف المجاهدين الأبطال وعاش يحيى كما كان اسمه يقول ذلك منذ المولد.. عاش كما أراد له ربه فغادر إلى حيث لا نصب ولا تعب ولا رياء. ما قاله خالد بن الوليد عند وفاته: “لقد شهدت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء لقد طلبت القتل في مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي”، وقد عاش السنوار وفي عمره آلاف الطعنات وعايش مئات المعارك، وخطط ودبّر لواحد من أعظم انتصارات وطنه المحتل، ورسم على جدران التاريخ ملحمة بطولية لن ينساها أعداؤه قبل رجاله، وظل حتى الرمق الأخير وفي يده سلاحه يقاتل، فلم يكن مختبئا ولا هاجرا الميدان، بينما نتنياهو يجري مثل الجرذان عند سماع صفارات الإنذار ليختبئ مع ثلة من حراسه في قبو تحت الأرض، كان مُدبِرا وبينما كان السنوار مقبلا غير مدبر.
قليل من الخجل
يستعيد عصام كامل صور السنوار منتصبا على مقعد وسط كومة حطام وفي يده خشبة.. آخر ما كان لديه ليقاتل به.. أي عار يعيشه قاتله وأي شرف ناله السنوار؟ عبر الكاتب عن دهشته وهو يقرأ فصول تلك الحملة المسعورة التي تقودها دول عربية ضد رجل سهر وهم نيام، قاتل العدو في الميدان وهم يقاتلون من أجل المهرجانات، قابل الموت بصدر عارٍ، فيما هم يعيشون العري حاضرا ومستقبلا وماضيا، فاضت روحه وهو ينشد له أسطورة بطولية وهم يموتون في خمارات السلطان.. ماذا تقولون في رجل التقى ربه وهو شاهر سيفه في وجه أعداء البشرية مقاتلا، منتصبا، مجاهدا؟ قد فاز ورب الكعبة وترك في التاريخ الإنساني ملحمة لن تنساها الأجيال التي قاتلت، والتي لا تزال تقاتل عدوا لله أمعن في عدائه وقتل الأطفال والنساء والشيوخ. عاش يحيى السنوار حياته كما غادرها، عاش مؤمنا بفكرة إنسانية راقية وقاتل من أجلها وسجن من أجلها وحتى اللحظة الأخيرة له، رفض الانصراف قبل أن يترك فينا أثرا عزيزا نفاخر به الأمم ونغنيه قصيدة عربية في زمن الرقص العربي في حانات الغرب. تحية إلى كل رافض، وتحية إلى كل مقاتل يذود عنَّا ونحن حبيسو زنازين الشوارع المختطفة، تحية إلى كل مجاهد، صابر على قتال أعدائه وأهله في عواصم كانت عربية، تحية إلى هؤلاء الشرفاء في ساحات المعارك في غزة واليمن ولبنان والعراق، ولا عزاء لكل الساكتين، والصامتين والقتلى على فُرشهم.
سواد هنا وهناك
من نبأٍ عاصف إلى هم نازف يتنقل الناس حولي، كأنهم بتعبير الشاعر الراحل محمد الماغوط «يستيقظون قبل الجميع مبكرا، حتى لا يسبقهم إلى العذاب أحد». هموم الحياة يوجزها مصطفى عبيد في “الوفد” من غلاء، وضيق حال، ونقص خدمات، يصاحبها تردٍ عام في سلوك البشر، يحاصر الناس ويدفعهم لبلع مرارات الأيام لتمر سريعا، فيفاجئ كل صاحب نفس بأنه على وشك التقاعد، ولسان حاله يقول إنه لم يسعد. العالم يصفه الكاتب بأنه قاس ومحبط، فمرارات طافحة في الأنباء المقبلة من الخارج، وإحباطات مهلكة في أخبار الداخل، وتناقض في الصور والمواقف والآراء بشأن الشخوص والأحداث، حتى لا تستبين قاتلا من بطل، ولا خائنا من فدائي. الصور خادعة، والكذب سمة شائعة، والحدية في قراءة ما يحدث تدفع مَن يحمل بقايا روح للانزواء والفرار. ما التكشيرة سوى أبسط رد فعل على كل ما يحيق بنا من أوجاع. وما التأفف سوى محاولة احتجاج مكتومة على القبح المُحيط. وما الدعاء السري والعلني على القتلة المنتشرين في كل ركن سوى مقاومة الساكن الطيب الصابر المُحتسب.
يدرك كل ذلك ويدرك أن من حق الناس أن تحزن وتُحبط وتمل وتنزعج وتكتئب، مما تراه وتسمعه وتعرفه في هذا العالم القاسي، وذلك الزمن شديد القسوة. لكن ماذا بعد؟ ماذا بعد؟ الأحزان سياج دوائر متصلة لا تنتهي بمن يُمسك بها. ندب الحظ لا يُحسنه، ولوم الظروف لا يغيرها. أعمارنا تنقضي في سرعة ونحن منشغلون بحل مشكلات أزلية لا تُحل، والتورط في مجادلات عبثية لا تُفضى إلى شيء. كتب عبيد المقال قاصدا نفعا، وساعيا لقيمة حقيقية، وراميا لمصلحة. لذا يرى الكاتب أن استهداف البهجة والسعادة والسلام الإنساني ضرورة رغم كل ملامح الحُزن المُعششة حولنا.
لن نسمح لكم
محمد عبد المجيد الهندي في “المشهد” تجاوز الخطوط الحمر متسائلا: كيف تظنون أنكم تستطيعون تدمير كل ما بناه الشعب المصري على مدار عقود؟ كيف تبررون إقدامكم على هذه القرارات التي لا تضر إلا بالفقراء والمعدمين؟ هل ستظلون تصدقون أن “الإصلاحات” التي تقومون بها هي الحل؟ من بين ما تفعلونه اليوم، تساهمون في قتل الطبقة المتوسطة التي كانت يوما ما عماد المجتمع، وتؤسسون لحالة من الغضب والتشرد بين الناس. أي إصلاح هذا الذي يدفع المواطن المصري إلى الضياع؟ أي إصلاح هذا الذي يجعل شبابنا يسعى وراء الهجرة بدلا من أن يجد فرص عمل حقيقية هنا في وطنه؟ ما هي القيمة الحقيقية لهذه “الإصلاحات” التي لا تهدف إلا إلى زيادة الغني غنى، والفقير فقرا؟ هل يمكن لهذا أن يكون “الإصلاح”؟ مصر ليست للبيع مصر ليست سلعة تباع بأيدٍ رخيصة في صفقات تجارية. لا يمكن أن تتحول كل شيء في هذا الوطن إلى مشروع ربح سريع في يد مستثمرين أجانب. نحن في المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس، لن نسمح لكم بأن تبيعوا وطننا. نحن لن نسكت على هذه الجريمة. لن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى شعبنا ينهار أمام أعيننا. أنتم الآن تضعون مستقبلا ضبابيا لهذا الشعب، وتراهنون على أنكم ستحققون ما تظنونه نجاحا اقتصاديا. لكن الحقيقة التي لا تخفى، هي أن كل هذه “الإصلاحات” ستكون على حساب الشعب المصري. نحن نطالبكم اليوم بوقف هذا العبث فورا. نحن نطالب بإلغاء كل القرارات التي تسهم في بيع الوطن. نحن لن نقبل أن تُباع مصر تحت أي مسمى، مهما كانت المغريات. مصر ليست للبيع، ولن نسمح لكم ببيعها. وإن حاولتم، فاعلموا أننا لن نسمح لكم بالهروب من المسؤولية. نحن في المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس، سنظل نطالب بحقوق هذا الشعب، ولن نتوقف عن النضال من أجل حماية حقوق كل المصريين. مصر ليست سلعة تتاجرون بها. مصر هي الأمل، وهي المستقبل، وهي أرضنا.
من القمة للقاع
كان المدرس المصري كما يصفه فاروق جويدة في “الأهرام” أحد الأمراء في واقعنا الاجتماعي.. كان المدرس يدخل الفصل وحوله هالة من التقدير والاحترام، ولا أحد يتكلم إذا دخل المدرس، وكان الفصل يصبح كالمسجد في الرهبة والجلال.. كان المدرس أنيقا في مظهره وملبسه ووقاره.. كان هذا حال المدرس حين كانت المدرسة قبلة التعليم.. لا أدري ما هي الأسباب التي كانت وراء تراجع دور المدرس؛ هل هي الدروس الخصوصية؟ أم هو الهروب من المهنة أمام سوء المرتبات؟ إن مدارس مصر تعاني الآن من نقص شديد في عدد المدرسين، وبدأ البحث من خلال مسابقات، ولم تصل الأزمة إلى حل حتى لجأت الوزارة إلى الاستعانة بمدرسي المدارس الفنية والتعليم المتوسط.. لا أدري، هل يمكن أن يكون هذا الحل مجديا؟ وأنا هنا أتساءل: لماذا لا نستعين بالحاصلين على شهادات الدكتوراه والماجستير في اللغة العربية والعلوم مثل الكيمياء والرياضيات والأحياء والجغرافيا؟ لدينا أعداد ضخمة منهم، وكثيرا ما نظموا وقفات احتجاج أمام مجلس الوزراء ومجلس الشعب في عهود سابقة.. هناك أيضا خريجو كليات التربية، وهم أعداد كبيرة في جميع التخصصات.. أن الوزارة قررت أن تستعين بالمدرسين في سن المعاش، وهو حل سريع ومؤقت، ولكن المشكلة سوف تبقى ما دامت أسبابها المادية قائمة، حيث تحرم المدرس من الدخل المناسب.. كما أن نقص أعداد المدرسين يحتاج إلى دراسة ظاهرة إعداد الخريجين ومدى إقبال الشباب على العمل في التدريس.
“القدس العربي” :