كيف تستعد تل أبيب لاحتمالات الرد الإيراني؟

كيف تستعد تل أبيب لاحتمالات الرد الإيراني؟
الناصره /وديع عواودة
في ظل تهديدات إيران بالردّ على الهجمة الجوية، تواصل إسرائيل اتّباع تدابير الحيطة والتأهّب، وهي تقدّر بأنها جادة وليست مجرّد شعارات للاستهلاك المحلي، لا سيّما أنها وردت أيضاً على لسان المرشد العام علي خامنئي بشكل قاطع.
ويبدو أن ميزان الرعب المتبادل لا يزال يضبط تبادل اللكمات، على الأقل حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فبعدها تكون الإدارة الأمريكية مطلقة اليدين أكثر في أقوالها وأفعالها في تعاملها مع إيران ومع إسرائيل، وما بينهما.
ميزان الرعب المتبادل لا يزال يضبط تبادل اللكمات الإسرائيلية الإيرانية، على الأقل حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية
بالتزامن مع التهديدات بـ “الرد على الرد”، بعث وزير خارجية إيران عباس عراقجي إلى الأمم المتحدة مذكّرة طالباً اجتماعاً طارئاً، لأن “أفعال النظام الإسرائيلي تشكّل تهديداً خطيراً على السلام والأمن العالميين، وتزعزع أكثر الاستقرار الهشّ في المنطقة”. وقال عراقجي مهدّداً إنه “وفقاً للمواثيق والقوانين الدولية، تحتفظ إيران لنفسها بالحق بردّ مشروع في الزمان المناسب”.
وانضم الرئيس الإيراني بزشكيان إلى التهديدات، وقال إن بلاده سترد رداً مناسباً على عدوانية “الكيان الصهيوني” ضد مواقعنا العسكرية. وفي المقابل، قال في اجتماع القيادة الإيرانية إن طهران غير معنية بـ “حرب”، لكنها ستدافع عن حقوق الأمة والدولة. بيد أن خامنئي كان أوّل من أعلن نية إيران الردّ، بقوله إن إسرائيل ارتكبت خطأ في حساباتها، وعليها أن تفهم إرادة الشعب الإيراني، منبهاً إلى الحاجة لعدم الاستخفاف، أو المبالغة بخطوة إسرائيل.
وانضم إلى التهديدات رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني وعددٌ من القيادات العسكرية. ورغم أن كثرة الأقوال تأتي أحياناً للتعويض عن قلة الأفعال، يبدو أن تهديدات المسؤولين الإيرانيين هذه المرة قاطعة لدرجة أنهم قيّدوا أنفسهم بها، ولم يتركوا مجالاً للتراجع عنها. ولذا فإن تقديرات إسرائيل ترجّح رداً إيرانياً، وسط تساؤل عن المكان والزمان، وعن قوة الرّد: هل يكون على غرار “ليلة الصواريخ الباليستية”، في الأول من تشرين الجاري، أم “ليلة المسيّرات” في الرابع عشر من نيسان؟
المنظومات الدفاعية الإيرانية
تزامناً مع كل ذلك، نفى مكتب نتنياهو، أمس، تقارير صحفية قالت إن إسرائيل أوصلت سلفاً رسالة إلى إيران قبيل الضربة الجوية الأخيرة، أوضحت فيها قوتها وأهدافها وحتى موعدها. وكانت الصحيفة الأمريكية “وول ستريت جورنال” قد زعمت، أمس، أن دولاً عربية وأوروبية أوصلت إلى إيران رسائل قبيل الضربة الجوية الإسرائيلية. في المقابل، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن ثلاثة مصادر إيرانية قولها إن تدمير منظومات الدفاع الجوية قد أثار قلقاً عميقاً في طهران، لأن مرافق نفطية واقتصادية حيوية باتت مكشوفة لضربات مستقبلية، في حال استمر تبادل اللكمات مع إسرائيل.
ويرى الصحفي الإسرائيلي رونين بيرغمان أن التدمير المذكور يفسّر مقولة مسؤولين إسرائيليين بأن الجيش يملك الآن حرية عمل في إيران، بعدما نجحت الدفعة الأولى من الهجمة الإسرائيلية المكوّنة من ثلاث دفعات في تدمير معظم المنظومات الدفاعية روسية الصنع.
وطبقاً لبعض الجهات غير الرسمية في إسرائيل، فإن إيران ما زالت مترددة وتواجه معضلة: هل ترد على إسرائيل؟ كما يزعم المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، خاصة أن الانتخابات الأمريكية باتت وشيكة، وهي غير معنية بمساعدة ترامب في العودة للبيت الأبيض من خلال المزيد من التصعيد.
ثلاث رسائل واضحة للهجوم الإسرائيلي
ويرى القائد السابق للاستخبارات العسكرية، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط الدكتور تامير هايمان، أن الضربة الإسرائيلية حملت ثلاث رسائل واضحة لإيران سواء على المستوى العملياتي أو الإستراتيجي.
في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية، يقول هايمان: “هاجمت إسرائيل مكوّنات حيوية في صناعة صواريخ أرض- أرض الإيرانية، بالإضافة إلى تدمير منظومات دفاع جوية، ومعنى ذلك انكشاف إيران أمام هجمات أُخرى لسلاح الجو الإسرائيلي. وهذه المنظومات الروسية الصنع أظهرت تفوق السلاح الغربي على السلاح الشرقي. ونظراً إلى أن روسيا في حاجة إلى هذه المنظومات في حربها ضد أوكرانيا، فإن ثمة شكاً في أن توافق على بيع إيران منظومات جديدة”.
معركة واسعة؟
معتبراً أن القدرة الهجومية الإسرائيلية أفضل من القدرة الدفاعية الإيرانية، وإذا قارنّا ذلك بميزان القدرات الدفاعية الإسرائيلية في مواجهة القدرات الهجومية الإيرانية، فإن النتيجة هي تفوق إسرائيل بصورة واضحة مقارنةً بإيران. ويقول أيضاً إنه، بكلمات أُخرى، نجحت إسرائيل في ضرب كل الأهداف داخل إيران، بينما فشلت إيران في ذلك، وتملك الأولى اليوم منظومة دفاع قوية، وفي ضوء التنسيق مع الولايات المتحدة، فإن لديها ما يكفي من المنظومات الاعتراضية لمواجهة هجمات إضافية إيرانية.
ويرى أن التصعيد نحو معركة واسعة النطاق هو اليوم في يد زعيم إيران خامنئي، وأن حجم الهجوم يسمح للمرشد الأعلى بأن يقرر ما إذا كان يرغب في الاستمرار في طريق التصعيد، أم سيحدّ من ألسنة اللهب.
وطبقاً لهايمان، يتعين على المرشد أن يدرس اعتبارين: على المستوى العملياتي: هل يملك ما يكفي من الصواريخ لخوض معركة طويلة في مواجهة إسرائيل؟ وذلك في ضوء تعطل صناعة الصواريخ. وعلى المستوى الإستراتيجي: هل الضربة الإسرائيلية المقبلة ستوجَّه إلى أهداف عسكرية أم ستنتقل إلى مواقع الطاقة والمواقع النووية؟ وعن ذلك يضيف الباحث الإسرائيلي: “في نظر المرشد، هناك إمكان أن تكون إسرائيل تحضّر الشرعية للضربة الكبرى التي يتخوّف منها فعلاً، والتي يمكن أن تعرض النظام للخطر”.
يبدو أن تهديدات المسؤولين الإيرانيين هذه المرة قاطعة لدرجة أنهم قيّدوا أنفسهم بها، ولم يتركوا مجالاً للتراجع
معضلة إيرانية
ويضيف هايمان ضمن ترجيحاته: “يمكن القول إن إسرائيل هاجمت بصورة محددة قدرات إستراتيجية عسكرية لإيران، وأعدّت العدة لضربات مقبلة. يواجه المرشد الأعلى معضلة صعبة، فإذا قرّر عدم الرد، فمعنى ذلك ضعف تاريخي، بينما إذا قرّر الردّ، فإن هذا سيسمح لإسرائيل بضرب أهداف موجعة بالنسبة إليه. ويجري هذا كلّه بينما “حزب الله”، الذي يشكل التهديد الأكبر على إسرائيل، يتعرّض للضربات، وضعُف، ولم يعد يوجه تهديداً يكبحها”.
ويخلص هايمان للقول إن هناك نقطة إضافية يجب إعطاؤها الأهمية اللازمة، وهي الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ فبعد أسبوعين، سيدخل الرئيس الأمريكي مرحلة “البطة العرجاء”، وسيكون حراً أكثر في أفعاله، وفي تحقيق مراده. ستتغيّر القواعد، وهذا سيؤثّر في مواقف كل من إيران وإسرائيل؛ فبالنسبة إلى إيران، فإن الولايات المتحدة قادرة على مهاجمة المنشآت النووية، وبالنسبة إلى إسرائيل، فالولايات المتحدة يمكنها أن تلجم الحرب بصورة أكثر حدّة.
– “القدس العربي”: