مقالات

الفخ الروسي: شكوك في ولاء ترامب لبلاده!

الفخ الروسي: شكوك في ولاء ترامب لبلاده!

مالك التريكي

لا بد أن معظم المتابعين للسياسة الدولية قد لاحظوا من 2016 إلى 2020 أن أبا جهل الأمريكي المعروف باسم دونالد ترامب قد كان يعامل فلاديمير بوتين بتبجيل وتوقير يثيران الاستفهام والاستغراب وحتى الاستنكار. إذ لا تزال الذاكرة الإعلامية تحفظ المشاهد التي كان يبدو فيها ترامب خاطبا ود السفاح الروسي، وتستحضر كيف كانت شخصيته الطاووسية المنتفخة بأوهام العظمة الزائفة تصاب بالضمور والتضاؤل، حتى تنكمش في صورة حمل وديع صاغر، كلما كان في حضرة القيصر الروسي الواثق من أمره. ولا بد أنه قد تبادر إلى أذهان بعض هؤلاء المتابعين أن أبا جهل الأمريكي ما كان ليتخذ وضع التودّد والدونيّة والصَّغار ذاك، وما كان لينساق إلى هيئة الوداعة الشبيهة بطقوس الولاء تلك، لولا أنه وقع فريسة بين براثن الاستخبارات الروسية ذات الترسانة الملأى بأسلحة ملفات الابتزاز وفيديوهات “الكومبرومات”. ولكن هذا الحدس أو الاستنتاج ليس إلا مجرد رأي لا برهان عليه. صحيح أنه كانت تؤيد الرأي قرائن ظرفية لعل أهمها أن ترامب كان يتعامل مع المافيا الروسية، التي هي ذراع من أذرع الاستخبارات والتي كان لها دور معروف في إنقاذه، مرة على الأقل، من حالات الإفلاس العديدة التي وقع فيها بسبب شدة خَرَقه ورداءته (على عكس ما يزعمه هو وأشياعه، وما يروجه مسوقو حملاته الدعائية، من أنه رجل أعمال ذكي وناجح). ولكنه رأي بلا برهان.
أما الآن فقد أنار الصحافي الفرنسي أنطوان فيتكين الرأي العام العالمي ببرنامج وثائقي زاخر بالمعلومات التي تؤدي، بتضافرها، إلى ترجيح الاستنتاج بأن للاستخبارات الروسية دالّة على ترامب. والسؤال المحوري في الوثائقي هو: هل لدى الاستخبارات الروسية ملف عن ترامب مضرّ إلى حد يجعله مثل الألعوبة بين أيديها؟ أما المثير في السؤال الخطير فهو أن من يطرحه ليس الصحافي الذي أنجز الفيلم، وإنما مدير السي. آي. أي. السابق جون برينان! ذلك أن شهادات متعددة لمسؤولين وموظفين سابقين في السي. آي. أي. ومكتب التحقيقات الفدرالي والكي. جي. بي. تفيد كلها بأن ترامب وقع بين مخالب الاستخبارات الروسية منذ الثمانينيات.

لدى روسيا شبكات تأثير واسعة في الولايات المتحدة نسجت خيوطها وتعهدتها بالحفظ، منذ عهد الحرب الباردة، أجيال من الجواسيس الروس

والسياق العام للقصة هو أن لدى روسيا شبكات تأثير واسعة في الولايات المتحدة نسجت خيوطها وتعهدتها بالحفظ، منذ عهد الحرب الباردة، أجيال من الجواسيس الروس. ولما بدأت القيادة السوفييتية تدرك في الثمانينيات أنها ستنهزم في الحرب الباردة، قررت استخدام سلاحها السري، الكي. جي. بي. الذي طالما استخدمته للتعويض عن ضعفها الاستراتيجي والعسكري والاقتصادي. وكانت غايتها اتخاذ “إجراءات فعالة” لتغيير مجرى التاريخ، أي منع الهزيمة. ولكن بما أن هذا المسعى قد خاب، فإن الاستخبارات الروسية قررت العمل على اختراق وسطين لم يكن لها فيهما من قبل أي تأثير: اليمين المتطرف، ورجال الأعمال. وقد كان ترامب مجرد أحد هؤلاء. ولكنه كان واسع الاتصالات، بدليل أن الرئيس ريغان استقبله في البيت الأبيض، كما كان يستجيب لكل مواصفات الدليل الإرشادي الروسي لتجنيد العملاء: تضخم الأنا، والخُيلاء، وكثرة الاحتياجات المالية، وكعب أخيل المتمثل في الوقوع في أحابيل النساء، الخ. كل هذا جعله فريسة مثالية للروس، فوقع استدراجه إلى حد النجاح في اتخاذه “رجل اتصال سري”. والمرجح أنه وقع توريطه أثناء زيارته لموسكو عام 1987 في عمليات مالية وجنسية تجعل من السهل ابتزازه والتحكم فيه. أما بداية علاقة ترامب مع موسكو فقد وقعت لما انغلق عليه فخ المافيا الروسية. وأول من تعامل مع ترامب هو دافيد بوغاتين الذي اشترى عام 1984 خمس شقق في “ترامب تاور” سدد ثمنها نقدا بأكياس وأكياس من الدولارات!

وقد أُنجز الوثائقي قبل أن يكشف بوب وودورد أخيرا أن ترامب أرسل إلى بوتين، سرا، أجهزة لكشف الإصابة بالكوفيد، وأنه جرت بينهما بعد 2020، وبدون علم إدارة الرئيس بايدن، سبع محادثات هاتفية! ورغم أن برينان، مدير السي. آي. أي. السابق، لم يكن يعلم بسُباعية المُهاتفات وبدبلوماسية الكوفيد هذه فإن خطورة ما يعرفه دفعته إلى السؤال المثير: هل ترامب مخلص الولاء حقا لبلاده؟! أود رؤية ملفه الروسي! أما دان كوتس، مدير الاستخبارات في إدارة ترامب، فقد قال لوودورد: أعتقد أن بوتين يمسك شيئا ضده، فالروس يبتزونه!

رجل يكاد يُضبط متلبسا بجريمة الخيانة العظمى، ومع ذلك فإن ملايين الأمريكيين يمجّدونه ويُعمِّدونه يسوعهم ومسيحهم المخلّص!

 

كاتب من تونس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب