مقالات

 عندما يستيقظ العملاق الصيني – محمد بوعزارة-الجزائر

محمد بوعزارة-الجزائر

  عندما يستيقظ العملاق الصيني

محمد بوعزارة

الأكيد أن هناك من عاشوا تجارب قاسية ومرة من خلال مشاهداتهم و معايناتهم و دراستهم لسلسلة الحروب المختلفة التي عرفتها البشرية على مر العصور، من حروب دينية الى حروب صليبية و إلى حروب توسعية استعمارية، إضافة إلى حربين عالميتين طاحنتين استخدمت في الأخيرة منها أسلحة نووية فتاكة .

ثم إن من عاشوا العديد مما عرف بالحروب الاستنزافية ، و أخيرا ما اصطلح عليها بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي و التي انتهت بسقوط الإمبراطورية السوفيتية بعد انهيار حائط برلين وبروز أمريكا كقوة أحادية جديدة لقيادة العالم..

الأكيد أن كل من عاشوا هذه الحروب و ما خلفته من قتل و دمار مهول و ما تركته هذه الحروب من ويلات و مآس لم يعيشوا مع ذلك حالات قلق كالتي يعيشها عقلاء عالمنا اليوم نتيجة خوفهم من احتمال وقوع حرب نووية مدمرة بسبب هوس الزعامة الفردية على العالم التي باتت تشكل الهاجس الأكبر في تفكير ساسة البيت الأبيض الأمريكي، و من يوجههم من وراء الستار نتيجة الهوس من بروز ما كان يوصف بالعملاق الصيني النائم.

و الحقيقة أن هذا العملاق لم يكن نائما على الإطلاق، فقد كان يبدو لبعض النائمين بأنه نائم، لكنه كان في حالة اغفاءة للتفكير الدائم في المستقبل، و هذا ما نبه له نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا في القرن الثامن عشر في حوار مع أحد اللوردات حينما قال له عبارة يبدو انها استرعت انتباه الكاتب و المفكر و الوزير الفرنسي الأسبق ألان بيرفيت الذي أصدر عام 1973 كتابه المشهور :

(عندما تستيقظ الصين العالم سيهتز العالم.)

quand la Chine S’éveillera le monde tremblera)).

فعبارة نابليون هذا الإمبراطور الفرنسي الشهير ذو الأصول الإيطالية تقول و هو ينبه الانجليز إلى عدم التورط بغزو الصين تجاريا أن ( الصين اذا استيقظت سيرتجف العالم ).

و الواقع أن هذه النظرة الاستشرافية هي التي نعيشها الآن الأمر الذي دعا ساسة واشنطن بمخابراتهم و مراكزهم البحثية المختلفة و بكافة مؤسساتهم بما فيها المؤسسة الرئاسية و الكونغرس إلى سن القوانين الردعية ضد التجارة الصينية كما يهرعون إلى التحذير من خطر هذا العملاق القادم الذي بات ينتزع من أمريكا زعامة العالم، و هي زعامة قامت على الغطرسة و استعراض مختلف أشكال القوة، في حين أن الصين الموصوفة بالعملاق النائم تنتهج اسلوب القوة الناعمة..

فقد انتبه هذا العملاق الناهض أن استخدام القوة بما فيها القوة العسكرية و الترهيب لم يعد هو الأسلوب الناجع في قهر الشعوب و استنزاف خيراتها و تنصيب انظمة عميلة و طيعة ، بل انه لابد من قوة ناعمة تعتمد على التوسع التجاري و اقامة علاقات شاملة مع مختلف الدول عبر تمدد قائم على التفاهم و التعاون السلس بعيدا عن التدخل في الشأن الداخلي للدول.

الصينيون فهموا الدرس جيدا بعد أن درسوا سلبيات التجارب الاستعمارية المختلفة التي عرفتها البشرية على مر الزمن، و درسوا ما قامت به امريكا التي خاضت أكثر من حرب سواء بالوكالة أو بصفة مباشرة في أكثر من جهة من العالم حيث خرجت خاسرة في فيتنام في أفغانستان.. في العراق ..

أمريكا التي خاضت حروبا خفية لإسقاط انظمة  معادية لتوجهاتها بدعوى أنها ديكتاتورية و تنصيب انظمة أكثر ديكتاتورية باسم مزاعم احلال الديمقراطية الوهمية التي وصفت أحيانا بمصطلحات مثيرة للسخرية عبر الفوضى الخلاقة .

أمريكا التي أقامت سياسة معادية لإيران.. و حاولت حصار روسيا ..و عادت الصين ..

أمريكا التي تريد لأوروبا ان تكون سوى مجرد ذيل تابع لها و تريد من دول أخرى بعضها وازنة مثل الهند و تركيا و جنوب إفريقيا أن  لا تتنفس إلا عبر الفضاء الأمريكي..

امريكا المهوسة بإفرازات الحرب العالمية الثانية عندما اشترت أوروبا بمشروع مارشال، لا يبدو أن حكامها يريدون قراءة التاريخ و لا فهم مضامينه و استيعاب دروسه  .

فقد بين التاريخ لنا أن كل الإمبراطوريات السابقة التي ظهرت عبر العصور في مختلف بقاع العالم سادت ثم بادت..

لستُ في حاجة هنا إلى استذكار و استعراض تاريخ صعود و سقوط تلك الإمبراطوريات التي تمددت شرقا و غربا.. شمالا و جنوبا بما فيها الإمبراطورية التي كانت توصف بأنها الإمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، و أعني بها الإمبراطورية البريطانية التي وصفت بالعظمى. يضاف لها الخلافة العثمانية التي دامت أطول فترة في تاريخ البشرية على امتداد التاريخ العالمي.

ثم أين هي الحضارة التي اقامها العرب و المسلمون شرقا و غربا بما فيها الحضارة الاسلامية في الأندلس التي دامت قرابة ثمانية قرون في شبه الجزيرة الإيبيرية إسبانيا و البرتغال ، و لكنها زالت و اندثرت في وقت لم تكن الأرض الجديدة أمريكا قد تشكلت بعد.

كل تلك الإمبراطوريات التي لم تستوعب دروس التاريخ سقطت و اندثرت رغم كل ما بشرت به من حضارة للآخر.

و هذه هي سُنّة الحياة.. فحال هذه الإمبراطوريات و الحضارات كحال الكائن البشري يُولد صبيا ، ثم يصير طفلا.. ثم يصبح شابا مفتول العضلات، و قد يهدد غيره بقوته.. لكنه ينسى أن سن الكهولة تتبعه الشيخوخة و الهرم فتكون النهاية المحتومة.

حكام أمريكا يبدو أنهم لم يهضموا دروس التاريخ بعد .. حتى كيسنجر الذي كان يوصف بالعقل الكبير و المدبر في السياسة الامريكية يبدو أن حكام أمريكا الجدد لم يعودوا يسمعون كلامه و لا يستسيغون أو يقبلون رأيه و أفكاره ربما لاعتقادهم أنه اصيب بالخرف، و أن أفكاره تجاوزها العصر و لم تعد مجدية و لا صالحة رغم أنه طلع علينا و عليهم هذه الأيام بمقال يحذر فيه من وقوع حرب نووية مدمرة ببن بلاده أمريكا و ببن الصين..

فهذه الحرب إن وقعت لن تكون مثل الحروب السابقة.. ستكون حربا نووية فتاكة و مدمرة،  لن تسلم منها لا أمريكا و لا الصين و لا بقية العالم.

لذلك فإنني و من منطق الحكمة و العقل و الحرص على أن نعيش في كوكب آمن أتمنى و لا أجد غير التمني كمواطن يفكر بعقل أدعو قادة أمريكا أن يتركوا الصين و شأنها و أن يحكموا عقولهم بدلا من مواجهتها تجاريا و سياسيا و أمنيا لأن هذه المواجهة ستؤدي إلى استخدام القوة العسكرية المفرطة عبر استخدام السلاح النووي الذي ستكون عواقب عملية اللجوء إليه وخيمة على البشرية برمتها،  و على الأمريكا أن يتخلوا عن محاصرة روسيا و يتركونها و شأنها.

و على زعماء أمريكا أن يدركوا الصين آتية قادمة ضمن عالم متعدد الأقطاب لا زعامة فيه لدولة واحدة، رغم أن الصين ستكون فيه القوة الكبيرة الناعمة..

الصين لم تزعم يوما أنها قادمة لزعامة عالمنا بشكل أحادي، بل انها مثل روسيا و دول أخرى تدعو إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب.. عالم يسود فيه الأمن و العدل و الاستقرار و الإنسانية..

عالم دعا الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله إلى تكريسه في أكثر من محفل خلال السبعينيات :

في الجزائر عبر قمة عدم الانحياز  عام 1973 ..في لاهور من خلال قمة الدول الإسلامية في 1974..و في الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 عندما دعا إلى إقامة نظام اقتصادي دولي جديد يراعي مصلحة الجميع شمالا و جنوبا.

دعوها ، فالصين قادمة شاء الأمريكيون و حلفاؤهم أم ابوا ذلك.

أمريكا التي جربت بالأمس خلال الحرب العالمية الثانية ناغازاكي،  و نجحت في ترهيب من كان يسير في ركب النازية و الفاشية..

أمريكا إن نجحت بالأمس لتبرز كقطب ثنائي مع الاتحاد السوفيتي لقيادة العالم بعد أن هزم الجيش السوفيتي القوات النازية الهتلرية..و أمريكا التي شعرت بالفخر و الغرور بعد أن وجدت نفسها أو هكذا تخيلت بأنها أصبحت سيدة العالم بلا منازع إثر انهيار حائط برلين و سقوط الاتحاد السوفيتي في عهد ريغن و نظيره السوفيتي غورباتشوف صاحب الغلاسنوست و المحاضر لاحقا في عدد من الجامعات الأمريكية التي كانت تغدق عليه في تلك المحاضرات آلاف الدولارات .

أمريكا هذه كما بات العالم يعتقد لن تستطيع الاستمرار مع ابن الكاجيبي بوتين و مع حليفه شي جين بينغ زعيم التنين الأصفر لقيادة العالم بقبضة حديدية أحادية .

أمريكا قد تجد نفسها اليوم حتى لو بدأت هي بالضربة النووية الاستباقية ضد الصين و روسيا أن جل أراضيها ستصبح ناغا زاكي الجديدة.

و الأكيد أن بقية دول العالم ستصبح هيروشيما الجديدة..

دعو الصين إذن تنهض فهي ليست نائمة.. دعوا العالم الجديد يتشكل بعيدا عن جنون العظمة ..و بعيدا بعيدا عن هيروشيما الجديدة !!

دعوكم من الأحلام، فالعالم يتغير و لن يبقى قائما على رجل واحدة باتت تتعثر بعد أن ادركت صاحبها الشيخوخة و الهرم..

كاتب من الجزائر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب