ثقافة وفنونمقالات

    سافوي٢٦ بقلم مهند طلال الاخرس

بقلم مهند طلال الاخرس

    سافوي٢٦

بقلم مهند طلال الاخرس

2024 / 11 / 7 
تجهزنا للانزال وسريعا فعلنا، كانت نقطة الانزال امام دار الاوبرا مباشرة، حيث تطل دار الاوبرا على البحر، حاولنا اقتحامها مباشرة من جهة البحر، لكن حال بيننا وبينها حاجزا اسمنتيا عاليا اشبه ما يكون بالسد، تعذر علينا اقتحام الحاجز فانحرفنا يمينا على بعد مائتي متر بغية تجاوزه والتمكن من الوصول لدار الاوبرا؛ وصلنا الدار، كانت خالية، لم يكن بها عرض في تلك الليلة! لم يكن لدينا كثير من المتسع لنندب حظنا، لكن كل تلك الاسنان التي تصك على بعضها بدا كما لو انها تعبر عن كثير من ذلك الغضب.

كان هول المفاجأة وكمية الغضب كبيرة، كانت ظاهرة على انفاسنا، كان من السهولة تلمسها ونحن نركض لاهثين في طريق عودتنا للحاجز مرة اخرى، كان كل من يرانا في الشارع يولي هاربا، حتى اؤلئك الجنود. كانت صليتين من الرصاص كفيلة بتوفير ذلك الغطاء لتحركنا، ولكن الاهم في تلك الصليتين ما وفرته لنا من غطاء للرعب والمفاجاة والذي وفر لنا تلك المقدرة للامساك بزمام الامور.

هذا الحاجز وعلى علته وقدرته على تخريب مهمتنا في البداية إلا انه شكل لنا الحماية المنشودة، فتسترنا به مجددا ومنحنا ما نريده من وقت، فاخفينا الزورق على الشاطيء بعد ان قام نايف بإنجاز مهمته بتلغيمه وبضبطه على مؤقت التفجير، من خلف ذلك الجدار كنا نسمع صوت هلع المارة في الشوارع من فوقنا، وبعد ذلك بدقائق بدأنا نسمع اصوات سيارات الاسعاف والشرطة .

كمنا كي تمر تلك الاصوات، وتبادلنا الهمسات والاشارات حتى اشار كليب الى بدلته الرياضية التي يلبسها، فهم منه الجميع انه متحفز ويريد التحرك الى الشارع، اذ ان ملابسه الرياضية تساعده في ذلك. بحزم طلب منه خضر الالتزام والصمت واشار بهمس الى لباسه ولباس كل افراد المجموعة في اشارة منه الى انها جميعها مدنية، موضحا بان هذا جزء من الخطة وليس من محض الصدف.

طلب خضر من نايف ان يقترب الى جواره، كان المغزى واضحا، كنا ننتظر قرارهم بألية الهجوم، كانوا مرنين اكثر منا، طلبوا راينا بوضوح، هل نستمر كمجموعة واحدة ونقوم بالهجوم على هدف واحد، ام ننقسم الى مجموعات ونبقى على تلك الخطة والتفاصيل التي اخبرنا بها ابو جهاد…

لم نحتاج الى كثير من الوقت لنحسم امورنا؛ اذ رصدتنا مجموعة من المارة وحرس الشواطيء، لم يعطوا لنا الخيار، كان الرصاص اسبق واصدق من كل تلك الخيارات. لقد بدأ الاشتباك.

خرجنا جميعا للشارع وابقينا بيننا مسافات امان كافية، استطاع رصاصنا ان يصيب معظم من في الشارع، وهرب البقية.

لم نكن نسمح لرصاصنا ان يذهب عبثا، او ان يطلق سدى، كانت التعليمات بخصوص ذلك مشددة، لسنا في عرس لنتباها، نحن في معركة، الرصاصة التي تُطلق في غير محلها قد ترتد عليك وتقتلك، انتقي الهدف اولا وتخير الوقت الملائم للضرب ثانيا، تلك كانت تعليمات البدر، كانت واضحة وصارمة.

تمترسنا خلف صف من السيارات واخرج خضر الخارطة وتبعه نايف ببعض الصور، سريعا نجحنا في تحديد موقعنا وكان خضر ونايف اسرع منا جميعا في تحديد مسارنا واشار خضر لنا بالمسير في هذا الاتجاه واكد نايف ذلك الامر، كانت يد خضر تشير الى موقع دار الشبيبة، لم تكن بعيدة عنا، لقد كانت في مرمى النظر، وصلناها ونحن نطلق بعض النار في الهواء بغية تأمين المجموعة، كانت المفاجأة الثانية، كانت دار الشبيبة في ذلك اليوم تحت الترميم والصيانة لم يكن مخلوق بداخلها.

لم يكن هناك وقت للعتاب والملاومة؛ استندنا جميعا الى سور البناية واخفصنا رؤوسنا شاهرين سلاحنا في كل الاتجاهات حتى في وجه السماء!؟

انحنى خضر ونايف على الخارطة ثم ابتعدا عنها قليلا يتلمسان شيئا من الضوء، حدد خضر الهدف سريعا بعد ان نظر للبوصلة التي تلازم صدره مشيرا بيده الى ذلك الاتجاه.

كانت يده تشير الى الشمال الشرقي من المدينة، لحسن حظنا لم تجابهنا مشكلات تذكر في طريقنا، سوى منظر كثير من بائعات الهوى طلب اليهن الصمت والابتعاد بعد علو اصواتهن وهلعهن وهن يشاهدن مجموعة عربية الملامح تجوب شوارعهم مسلحة.

احسن خضر التصرف، ولو لحين، اذ نجح مؤقت التفجير في القارب بمهمته، فانفجر محدثا صوتا كبيرا ووميضا من الضوء تمكنا من رؤيته حيث نحن، وعلى الارجح نجحت اشارتنا ورآه من ينتظرنا في البحر وآخرون.

بقيت فتيات الهوى في حيرة وهلع، لكنهن التزمن الصمت، عاد خضر وهو يشير اليهن واصبع سبابته على انفه وفمه بأن يلتزمن الصمت والابتعاد عن المكان بهدوء.

كنا في طريقنا لمقصدنا في شارع جؤولة في الشمال الشرقي من تل ابيب عندما مررنا عن رجل وامراة يتبادلان القبل، كان منظرنا لوحده قد تكفل بفرار الشاب وبقاء الفتاة، ندبت الفتاة حظها واجتاحتها نوبة من البكاء والغضب، تقدم منها الحلواني وطلب منها بهدوء ان تخلع حذائها وتحمله بيدها وان تذهب مسرعة في عكس اتجاهنا.

رفضت واصرت على الذهاب بالاتجاه الاخر، كان الاتجاه الاخر هو اتجاهنا، دفعها حنقها على من خذلها وتركها في اصعب الاوقات ان تسير مع خيارات اخرى. كانت تلك الخيارات لا تحتمل سوء التقدير، كانت تلك الخيارات تحمل في بذورها ساعات ليس كمثلها شيء .

نظر خصر ونايف وهما في مقدمة المجموعة الى الحلواني وفعلته، كانت عيونهما تشي بما يضمران، اجابهما، اعتبروني لم احسن التصرف معها، لكني لن اقتلها، ومن اراد فيلفعل هو ذلك، اما انا فلا، مهتنا اخذ من نستطيع اسرى ومبادلتهم بأسرانا، لسنا قتلة، نحن مناضلون…

عند البوح بهذه الكلمة بالذات، تأكد الحلواني ان الفتاة فهمت كل ما قلناه وقصدناه، والاهم فهمت انها بمأمن رغم كل تلك البنادق المحيطة بها، بدا لوهلة وكأن هذا المظهر يعجبها، ابتسمت حينها، وكذلك فعلت هي، اصبحت الفرصة سانحة لارحب بها كفرد من مجموعتنا.

استمرت المجموعة بالركض باتجاه خيارها وكذلك الفتاة، بدا ولو ان الفتاة على موعد مع القدر، نصحها الحلواني بصوت يلهث يسمعه الجميع ان تغادرنا وتذهب من هذا الزقاق، لم تجيب، اصبحت تلهث مثلنا، تأكد الحلواني من انها تفهم ما يقوله، اجابته بأن اومأت له براسها…

دقائق معدودة كنا نطل على ذلك المفرق الذي بدا يظهر لنا منه فندق السافوي وقارمته المضيئة، كنت تلك القارمة اجمل ما فيه لحين دخولنا اليه.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب