الصحافه

الجيش الإسرائيلي يسمح للعصابات بنهب شاحنات المساعدات الإنسانية الداخلة إلى غزة

الجيش الإسرائيلي يسمح للعصابات بنهب شاحنات المساعدات الإنسانية الداخلة إلى غزة

الجيش الإسرائيلي يسمح لمسلحين فلسطينيين بسلب ونهب شاحنات المساعدات التي تدخل إلى القطاع. مصادر في مؤسسات المساعدات يقولون بأن المسلحين من أبناء عائلتين معروفتين في رفح، يمنعون عدداً كبيراً من الشاحنات الداخلة إلى القطاع في معبر كرم أبو سالم، بشكل ممنهج ومن خلال غض نظر متعمد من قبل جنود الجيش الإسرائيلي. بعض منظمات المساعدات ترفض دفع رسوم حماية، وفي حالات كثيرة تبقى المواد في المخازن التي يسيطر عليها الجيش. المساعدات الإنسانية التي تنقلها الشاحنات تشكل الأغلبية المطلقة من الغذاء والمعدات الحيوية للقطاع، التي توقفت التجارة الخاصة بها بصورة شبه مطلقة.

حسب أقوال المصادر، فإن سلب ونهب شاحنات المساعدات يعكس الفوضى المطلقة السائدة في القطاع جراء غياب سلطة مدنية يمكنها العمل. تقول المنظمات الدولية إن بقايا قوات الشرطة المحلية حاولت العمل ضد هؤلاء السارقين في عدة حالات، لكن الجيش الإسرائيلي الذي يعتبرهم جزءاً من حماس كان يهاجمهم دائماً. وقالت المنظمات إن حل المشكلة بشكل يمكن المساعدات من الوصول إلى السكان يقتضي وضع قوة شرطة فلسطينية أو دولية في القطاع – الخطوة التي يرفضها المستوى السياسي والجيش. طلب المستوى السياسي إلقاء مسؤولية توزيع المساعدات على الجيش، لكن جهاز الأمن يعارض ذلك.

مشكلة العصابات المسلحة فاقمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح، الذي استخدم كمحور أساسي لإدخال البضائع إلى القطاع. منذ تم وقف عمل المعبر على الحدود بين غزة ومصر، دخلت معظم البضائع إلى القطاع من معبر كرم أبو سالم، الذي سيطر المسلحون على منطقة قريبة منه. في الفترة الأخيرة، زادت عمليات السطو إلى درجة أن مقطع الطريق المؤشر عليها في خرائط نشرتها الأمم المتحدة كـ “منطقة خطيرة جداً، بالأساس بسبب انهيار النظام المدني”.

الشاحنات تدخل إلى القطاع من معبر كرم أبو سالم، وتمر في منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، وبعد ذلك تتحرك شمالاً نحو رفح، هناك يهاجمهما المسلحون. مصادر مطلعة على عملية نقل المساعدات قالت إن المسلحين يوقفون الشاحنات بحواجز ارتجالية أو بإطلاق النار على إطارات الشاحنات، ثم يطلبون من السائقين دفع “رسوم الحماية”، التي تبلغ 15 ألف شيكل. السائق الذي يرفض ذلك يتعرض لخطر الاختطاف أو السيطرة على الشاحنة وسرقة حمولتها.

الجهات التي تعمل في القطاع تقول إن هجمات المسلحين يتم تنفيذها تحت نظر قوات الجيش الإسرائيلي وعلى بعد مئات الأمتار منهم. بعض منظمات المساعدات التي تمت مهاجمة شاحناتها، توجهت للجيش الإسرائيلي بهذا الشأن، ولكنه رفض التدخل. وتقول هذه المنظمات إن الجيش يمنعهم أيضاً في السفر في شوارع أخرى تعتبر أكثر أمناً.

“شاهدتُ دبابة إسرائيلية يقف على بعد 100 متر منها فلسطيني يحمل كلاشينكوف”، قال مصدر رفيع في منظمة دولية تعمل في القطاع. وحسب قول هذا المصدر، فإن “المسلحين يضربون السائقين ويأخذون المواد إذا لم يتم الدفع لهم. ولتجنب ذلك، توافق بعض منظمات المساعدات على دفع رسوم الابتزاز هذه. يتم الدفع غالباً بواسطة شركة فلسطينية تعمل وسيطة. وحسب عدد من المصادر، فإن جهات في قسم منسق أعمال الحكومة في “المناطق”، المسؤول عن المساعدات الإنسانية، أوصت بالعمل عبر هذه الشركة.

“جربنا كل شيء. أردنا السفر في طرق أخرى، ولكن الجيش منع ذلك. حاولنا الوصول في الخامسة فجراً على أمل ألا يكون السارقون هناك، لكن ذلك لم يساعد. وحتى حاولنا إجراء مفاوضات مع المسلحين والشرح لهم بأنه غذاء للناس، لكن ذلك لم يساعد أيضاً”، قال المصدر الرفيع.

مصادر في جهاز الأمن أكدت أن الجيش الإسرائيلي يعرف هذه الظاهرة. وحسب قول هذه المصادر، فإن المستوى السياسي فحص في السابق إلقاء مسؤولية إدخال المساعدات وتوزيعها على السكان على العائلات التي ينتمي إليها هؤلاء المسلحون. وحسب أقوال هذه المصادر، يأتي هذا رغم أن بعض أبناء هذه العائلات كانوا مشاركين في الإرهاب، وكان بعضهم يشخصون بأعضاء في منظمات متطرفة مثل “داعش”.

مصادر في الجيش أوضحت أن عدة حوادث تمت فيها مهاجمة المسلحين الذين سلبوا الشاحنات، وعقب ذلك أصيب عاملون في منظمات المساعدة. هذه الأحداث أدت إلى توجيه انتقادات شديدة في وسائل الإعلام الدولية، لذلك، يفضل الجيش عدم المخاطرة بهجوم في منطقة الشاحنات. وأضافت المصادر أن الجيش لا يفضل مهاجمة المسلحين المعتدين على الشاحنات إلا عندما يدور الحديث عن رجال لحماس، وليس عن سارقين لا صلة لهم بحماس.

منطقة السلب والنهب

على بعد كيلومتر تقريباً من معبر كرم أبو سالم إلى داخل القطاع، وقبل الأحياء الشرقية في رفح بقليل، هناك منطقة يسميها الجيش “منطقة السلب والنهب”. وفيها جرت معظم الأحداث التي تم فيها سلب سائقي الشاحنات. يدور الحديث عن منطقة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي العملياتية، الموجود على بعد مئات الأمتار عن الحواجز التي يضعها المسلحون على الشارع، وأحياناً أقل من ذلك.

سلاح الجو يراقب المنطقة بالمسيرات، ومراقبات الجيش الإسرائيلي يتابعن ما يحدث على الأرض. جنود وضباط يعملون في القطاع قالوا إنهم يعرفون عن أعمال السلب التي أصبحت -حسب قولهم- أمراً اعتيادياً. أثناء جولة لمراسلين مع الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع، مرت في المنطقة قافلة شاحنات للمساعدات التي كانت تشق الطريق نحو الجنوب. وقال أحد الضباط للمراسلين بأنه “بعد 500 متر سيتم سلبها”. لم يتفاجأ من ذلك أحد من الجنود.

منظومة المراقبات في الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو ينفذون عملية الرقابة طوال اليوم وعلى المحاور اللوجستية التي فتحها الجيش الإسرائيلي على طول القطاع، والتي تستخدمها قوافل المساعدات الإنسانية. وقال سائقو الشاحنات وممثلو المنظمات الدولية إن جنود الجيش الإسرائيلي يشاهدون مهاجمة الشاحنات، لكنهم لا يفعلون أي شيء حسب قولهم. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه في الفترة الأخيرة تم فتح محور آخر جنوبي القطاع، يمكن السائقين من تجاوز “منطقة السلب والنهب”، لكن حدثت عدة أحداث في هذا المحور أيضاً. حسب الفلسطينيين، يستمر المسلحون في هذه الأثناء أخذ الأموال مقابل إدخال المساعدات إلى المناطق الإنسانية ومناطق القتال.

جهات أمنية رفيعة تطرقت لهذا الموضوع مؤخراً، وقالت إن رؤساء جهاز الأمن على علم بظاهرة سلب الشاحنات على يد عائلات مسلحة، وأنه موضوع طرح في نقاشات مع المستوى السياسي. حتى أنه مؤخراً، وصل رئيس الأركان هاليفي إلى قيادة المنطقة الجنوبية وتحدث هناك مع الضباط وتطرق إلى هذه الظاهرة المقلقة، حيث قوات رفضت المشاركة في كل ما هو متعلق بالمساعدات.

وثمة مشكلة أخرى تثقل على نقل المساعدات، وهي تهريب السجائر. منذ فرض الحصار على القطاع قبل حوالي سنة، منع المستوى السياسي إدخال السجائر، الذي يحدد سلة المواد التي يجب إدخالها إلى القطاع في إطار المساعدات. ولكن جهات إجرامية وتجاراً في غزة وجدوا مساراً للتهريب على شاحنات المساعدات. تباع السجائر المهربة في القطاع بأسعار خيالية، ارتفعت بمئات النسب المئوية منذ بداية الحرب. يتم في بعض الحالات تهريب السجائر في رزم المساعدات، ثم يأخذونها من السائقين في مقطع الشارع الذي يسيطرون عليه، وأحياناً تصل إلى مخازن المنظمات بعد إنزال البضائع في القطاع، ويأخذها المسلحون من هناك.

المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي قال، رداً على ذلك، إن “الجيش يعطي أهمية كبيرة لنقل المساعدات الإنسانية للقطاع. وبناء على ذلك، يعملون على تمكين وتسهيل نقل المساعدات بالتنسيق مع المجتمع الدولي والخضوع لفحص أمني دقيق في المعابر. وعلى خلفية محاولة المنظمات الإرهابية استغلال نقل المساعدات، ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات إحباط مركزة ضد المخربين المسلحين الذين يسلبون المساعدات الإنسانية”. وقال الجيش أيضاً إن النشاطات تتم بشكل روتيني ووفقا للتعليمات العملياتية مع الحذر الشديد، والتأكيد على تركيز المس بالمخربين ومنع المس بنقل المساعدات. وأن الجيش الإسرائيلي يعمل بالتنسيق مع منظمات المساعدات الإنسانية لتقديم حلول وتوفير وسائل بديلة في إطار هذا التنسيق لنقل المساعدات إلى القطاع.

نير حسون وينيف كوفوفيتش

 هآرتس 11/11/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب