الصحافه

صحيفة عبرية.. ديمغرافيا مدينة القدس بعد 5 سنوات: يهودية أم “فسيفساء نادر”؟

صحيفة عبرية.. ديمغرافيا مدينة القدس بعد 5 سنوات: يهودية أم “فسيفساء نادر”؟

ليدور سلطان

كيف ستبدو القدس بعد خمس سنوات؟ هل ستصبح أكثر حريدية. كم من العرب سيسكنون فيها؟ هل ستتواصل الهجرة السلبية منها؟ أسئلة باعثة على الفضول بالتأكيد. لكن إذا أردنا فهم الميول الديمغرافية التي تسير إليها عاصمة إسرائيل في المستقبل، فعلينا التوجه بداية إلى المعطيات اليوم: يعيش في القدس حتى بداية 2024 أكثر من مليون نسمة – يشكل اليهود 60 في المئة منهم، والعرب 39 في المئة (الباقي أقليات بأعداد هامشية). هذا الوضع يخلق، عملياً، ثلاث مجموعات مركزية في المدينة.

“يدور الحديث عن تركيبة مميزة جداً في إسرائيل”، يشرح يئير اساف – شبيرا، باحث كبير ورئيس فريق المعلومات والمعطيات في معهد القدس للبحوث السياسية. “حتى اليوم لا توجد في القدس أغلبية واضحة لفئة سكانية معينة. لا الحريديم، ولا العرب، ولا اليهود غير الحريديم، يشكلون أغلبية واضحة، الأمر الذي لا يمكن قوله عن أي مدينة كبيرة أخرى في البلاد. في حيفا وتل أبيب مثلاً، الأغلبية من اليهود غير الحريديم. نشأ في القدس وضع من ثلاث مجموعات أساسية تتماثل في حجمها، وفيها عدد لا يحصى من التيارات الأخرى.

البروفيسور سيرجيو دلا فرغولا، ديمغرافي في الجامعة العبرية في القدس، يضيف: “هذه مدينة ذات فسيفساء نادر من الفئات السكانية المختلفة التي تعيش معاً بانسجام نسبي، وكل فئة سكانية تتركز في حيها.

الفوارق بين الأحياء تخلق توتراً وتشكل جزءاً لا بأس به من الشرخ المركزي بين اليهود والعرب في المدينة، بخاصة حول الأعداد”.

كيف الحفاظ على الأغلبية

عملياً، منذ حرب الأيام الستة في 1967 برز سؤال عن مستقبل الديمغرافيا في المدينة، وما يمكن عمله لزيادة عدد اليهود فيها وتثبيت مكانة العاصمة الموحدة كمدينة يهودية. منذئذ، عمل أناس كثيرون في المسألة، التي نالت مفعولاً خاصاً في نهاية التسعينيات في زمن ولاية إيهود أولمرت كرئيس البلدية. جمع أولمرت في حينه أفضل الخبراء لمشروع طموح يهدف لفهم التحولات التي من المتوقع أن تجتازها القدس حتى العام 2020 ومنها التحولات الديمغرافية، وذلك في محاولة لتغيير الواقع مقارنة بالميول الطبيعية التي يتوقعها الخبراء للمدينة.

“دعيت لأكون رئيس الفريق الديمغرافي في المشروع”، يتذكر البروفيسور دلا فرغولا. “أولمرت، كرئيس البلدية، طلب أن يعرف كيف يمكن الحرص على وجود أغلبية يهودية في العام 2020 من 75 في المئة في القدس. اهتم جداً ببحثنا، ونزل إلى تفاصيل التفاصيل لكل جدول وسطر. منذئذ، فهمت بأن الميول في المدينة تسير عملياً إلى اتجاهات أخرى. شرحت بأن معدل اليهود بالذات سيقل، فيما يرتفع معدل العرب بسرعة أكبر. وبينت بأن الوصول إلى الهدف أمر، والمتوقع القائم على أساس بحثي أمر آخر”.

حسب معطيات مركز البحوث والمعلومات في الكنيست، بلغت حصة اليهود في القدس في أواخر التسعينيات نحو 69.5 في المئة. واندرج في هذا المعطى، مثل طريقة القياس اليوم، جماعات أقلية أخرى أيضاً. انطلقت بلدية القدس إلى الدرب مع هذا العدد.

“بفرض أننا لا نغير حدود القدس، مثلما طلب أولمرت، فقد استنتجنا بأن معدل اليهود لن يرتفع، بل سينخفض في العام 2020 إلى 60 – 65 في المئة”، كما يقول البروفيسور دلا فرغولا. “بعد نحو 20 سنة من ذلك، في يوم البحث نفسه، فوجئت بانحراف توقعنا بـ 0.6 في المئة فقط، وبلغ معدل اليهود في المدينة نحو 61.5 في المئة”.

النتائج الإحصائية التي نشرت في 2020 بينت أن عدد سكان اليهود ارتفع بـ 40 في المئة، أما العرب بـ 110 في المئة – أكثر من الضعف. واستخلص الخبراء ميولاً مشوقة – أحدها في مجال التكاثر الطبيعي. “في السنوات الأخيرة، نرى أن السكان العرب في القدس ينجبون أطفالاً أقل مقارنة بالماضي”، يشرح اساف – شبيرا. “صحيح أن نسبة النمو في المجتمع العربي في المدينة أعلى مقارنة بالسكان اليهود، بالضبط مثلما توقع الخبراء مسبقاً، لكن يتبين أن معدلات الولادة أدنى بكثير من المعدلات في عموم اليهود في المدينة.

معطيات مكتب الإحصاء المركزي في بداية 2024 تعزز هذا التشخيص: معدل الخصوبة في أوساط النساء اليهوديات وغيرهن في العاصمة بلغ 4.3 في المئة، أما في أوساط النساء العربيات فبلغ 2.81 في المئة.

أساف – شبيرا: “لجملة منوعة من الأسباب انخفض معدل الخصوبة العام في المجتمع العربي خصوصاً شمالي البلاد، في الوسط وفي القدس، في السنوات الأخيرة. مقابل ذلك، بقي معدل الخصوبة في المجتمع الحريدي في القدس مرتفعاً”.

إذن، كيف بقي معدل النمو في المجتمع العربي في المدينة أعلى مما لدى السكان اليهود؟

“ثمة شيء ما يؤثر أكثر بكثير من معدل الخصوبة، وهو الهجرة. فكر بالمدينة كوعاء أصغر مما هو قادر على احتوائه، لذا فإن الفوائض “تنسكب” منه إلى الخارج على شكل هجرة سلبية. هذه مسيرة تميز كل مدينة كبيرة، حتى تل أبيب”.

البروفيروس دلا فرغولا: “بشكل تقليدي، تخسر القدس في ميزان الهجرة – عدد مغادريها كل سنة أكبر بالآلاف من عدد المستقرين فيها، وهذا معطى سيرافقنا في المستقبل القريب. الهجرة الداخلية السلبية تميز القطاع اليهودي وليس العربي الذي يكاد لا تكون فيه هذه “الخسارة”، وعليه، فإن القطاع العربي ينمو باستمرار، حتى وإن ظل التكاثر الطبيعي لديه بطيئاً نسبياً مقارنة بالمجتمع اليهودي”.

ورغم كل هذا، يواصل عدد سكان القدس النمو

دلا فرغولا: صحيح. فمن ناحية نظرية، يفترض بالهجرة السلبية أن تؤدي إلى تقليص عدد سكان المدينة. أما عملياً فتوجد في القدس ولادة عالية جداً إلى جانب معدلات وفيات متدنية بسبب العمر الشاب للسكان – وعليه، فالمدينة تواصل النمو. وهذا سيستمر هكذا في السنوات القادمة أيضاً.

الحريديم يغادرون أيضاً

ثمة حقيقة مشوقة أخرى أظهرتها المعطيات التي نشرت في 2020 وتتعلق بتوزيع السكان المغادرين للمدينة.

“في الهجرة بين المدن، تبدو القطاعات اليهودية في القدس أكثر نشاطاً بخلاف المجتمع العربي في العاصمة”، يشير دلا فرغولا. “من ناحية الفئات، تظهر المعطيات بأن العلمانيين يغادرون أكثر إلى منطقة الوسط، أما الحريديم فينتقلون أساساً إلى “بيتار عيليت”، و”بيت شيمش” و”موديعين عيليت”. والمتدينون القوميون يغادرون في معظمهم إلى الضفة، إلى “معاليه أدوميم” ومناطق الاستيطان في غلاف القدس. في الجمهور فهم بأن كل العلمانيين يغادرون القدس و”تتحرّد”، لكن هذا غير دقيق على الإطلاق.

اشرح.. لو سمحت

“عملية تحرد المدينة وإن كانت قائمة ولكن ليس بالضرورة بسبب الهجرة العلمانية. “معدل الحريديم الذين يغادرون القدس عال جداً، ولهذا فإن تحرد المدينة أبطأ مما يعتقد”.

اساف شبيرا: “النبوءة عن القدس المتحردة” قول ينبغي الحذر منه. من يرى السواد يستند إلى نموذج كان في مدن أمريكية في عهد التمدن الكبير، حين غادر السكان البيض مراكز المدن وبقي فيها سكان فقراء، سود أساساً. في السطر الأخير، يوجد في القدس كل الألوان والجماعات السكانية وبأعداد كبيرة. هذه الفئة السكانية أو تلك لن تختفي غداً ولا بعد عقد أيضاً”.

 إسرائيل اليوم 10/2/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب