سورية الحرة وتحديات اليوم الآخر
بقلم الدكتور رياض العيسمي
الحرية تليق بسورية وشعبها. بل الحرية تليق بأي بلد وكل شعب. يحق للسوريين أن يفرحوا ويغنوا ويرقصوا في كل مكان ببزوغ فجر الحرية في بلدهم. كيف لا، وقد انتهى حكم نظام عسكري ديكتاتوري أمني جثم على صدور السوريين لأكثر من أربعة وخمسين عاما.
لاشك بأن يوم الثامن من كانون الأول من هذا العام ٢٠٢٤ هو يوم مفصلي في تاريخ سورية والمنطقة. وهو فجر الحرية الذي طال انتظاره ودفع مقابله الشعب السوري التضحيات الجمة وبذل للوصول إليه الغالي والنفيس. فالحفاظ على الحرية أغلى وأصعب من الوصول إليها. حيث امتلاك الحرية هو شعور وجداني، بينما الحفاظ عليها وصيانتها هو قرار وسلوك عقلاني. ولهذا وفي هذا اليوم، اليوم الآخر، لابد أن يحكم السوريون جميعا، شعبا وقيادة جديدة، العقل في السير قدما. وأن يمتلكوا الرؤية المستقبلية للتعامل مع الواقع بغية الحفاظ على هذه الحرية والوصول إلى المستقبل المنشود. فأمامهم جميعا تحديات كبيرة وخطيرة، والتي لا يمكن التعامل معها إلا بالحكمة والحنكة والتخطيط العلمي. حيث سورية هي البلد الأهم والأكثر فاعلية في عملية الصراع الدامي في المنطقة والتنافس الجيوستراتيجي العالمي المحتدم عليها. واذا ما كنت في موقع الاستشارة، يمكن أن أشير بما يلي:
1. عدم إضاعة الوقت في محاولات تفسير وتحليل ما جرى، وإنما فهم الواقع الحالي بدقة واستيعابه والانشغال في كيفية الاستعداد للمستقبل. وذلك لأن التحديات لا تنتظر . ومن لا يستعد لها قبل وقوعها يبقى يراوح على هامش الأحداث، وليس طرفا في صياغتها.
2. عدم الانتقام والتشفي بأي شكل. أكثر من خمسة عقود من عمر النظام أتت على كل شيء في الدولة والمجتمع، بما فيها القيم والمفاهيم. فالوقع يتطلب مصالحة وطنية شاملة والبدء ببناء الوطن المشترك الذي ليس فيه إقصاء ولا أقليات وأكثريات.
3. لقد كان قرارا صائبا الإبقاء على الحكومة القائمة لتسيير أعمال الدولة، وبغض النظر عمن اتخذ هذا القرار. وذلك لأنه يجب التفريق بين النظام والدولة. النظام قد سقط وبقيت الدولة التي يجب ان تستمر وتتطور باسرع وقت. الزمن لا يرحم. وخاصة في زمن المتغيرات السريعة.
4. لا بد للهيئة الانتقالية، بقيادة السيد أحمد الشرع، التي هي اليوم بسدة صنع القرار ان تسرع باتخاذ القرارات المدروسة لتغيير حياة المواطنين وتخفيف معاناتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية. حيث قوة القيادة وصلاحيتها تقاس بتحسين وضع شعبها وتحقيق متطلباته.
5. بعد تحرير السجون وإصدار قرار رئيس الحكومة الحالي الدكتور محمد غازي الجلالي بإعادة ٤٠٠ ألف موظف كانوا قد فصلوا تعسفا من عملهم، لا بد من المضي في هذا الاتجاه قدما والبحث عن وسائل مبتكرة لتحسين الاقتصاد واستيعاب الطاقة العاملة وتقليص نسبة البطالة.
6. لا بد للهيئة الحالية بقيادة السيد الشرع ان تصدر قرارا فوريا وسريعا بإعادة كل الموظفين، من مدنيين وعسكريين الذين هم في داخل البلد وخارجها وتسبب النظام بإيعادهم، إلى نفس المواقع التي خرجوا منها. وفي مقدمتهم القادة العسكريين والدبلوماسيين. فالمرحلة تحتاج إلى سرعة اعادة بناء الجيش وهيكلة القوى الأمنية. وكذلك إلى وجود دبلوماسية متمرسة وناشطة في وزارة الخارجية. فالصراع مع المجتمع الدولي سيكون طويلا ومريرا. وإيضاً تشكيل فريق متخصص في مجالات التخطيط والاقتصاد، والتعليم، التي تمثل مرتكزات الدولة الحديثة.
7. لا بد للهيئة الحاكمة ان تصدر قرار فوري بإعادة هيكلة الدولة بدءا بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية المتخصصة والمستمرة التي لا تعتمد، كما جرى في السابق، على المحاصصات السياسية والمناطقية و غيرها. المرحلة لا تحتمل التجريب والتدريب على الاختصاص.
8. لا بد من تحديد فترة انتقالية محددة يتم خلال صياغة دستور عبر متخصصين قانونيين. والوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف الأمم المتحدة التي يجب أن تتحمل مسؤلياتها ومتابعتها على تنفيذ قراراتها.
9. لا بد من الانشغال ببناء البلد المدمر والحصول على المساعدات العربية والدولية لاعماره. وهذا يحتاج إلى مهارات ودبلوماسية فائقة وعلاقات متميزة . لذلك لا بد من الابتعاد عن الدخول في معارك ونزاعات عربية ودولية ليست في مكانها أو قبل أوانها.
10. التمسك بقرارات الامم المتحدة التي تضمن استقلال سورية وسيادتها على أراضيها. لقد اثبتت التجارب بأن ما يمكن ان يتم الحصول عليه بالدبلوماسية الذكية هو أكبر من خسائر الحرب الغبية. وهذا لا ينطبق على سورية وحدها، وانما على كل الدول.
مع تحيات الدكتور رياض العيسمي