كتب
الأبارتيد الصهيوني حمد سعيد موعد
الأبارتيد الصهيوني
حمد سعيد موعد
اتحاد الكتاب العرب
دمشق 2001
بيان الكتب: يرى الباحث الفلسطيني حمد سعيد الموعد في كتابه الجديد «الابارتيد الصهيوني» ان مقارنة المشروع الاستيطاني في فلسطين بالتجارب الاستيطانية الاوروبية في الولايات المتحدة وكندا وامريكا اللاتينية وغيرها من الاماكن.. تبين لنا ان القاسم المشترك الأعظم بين هذه المشاريع الاستيطانية، انها رافقت أو جاءت بعد حملات استعمارية فإن هدف المستوطنين فيها دعم المستعمرين من جهة واستغلال السكان المحليين الى أقصى درجة ممكنة من جهة أخرى. ففي أحيان كثيرة نجحت الهجرات الجماعية الكبيرة من المستوطنين الذين ينتمون الى الدول الاوروبية الاستعمارية في تحقيق السيطرة السياسية في الاقليم القريب ومن يسكن فيه وفي النهاية أعلنت الكيانات الاستيطانية التي شكلت ما يعرف بالأمم المتحدة قيام دولة أو دول المستوطنين سواء تم القضاء على السكان المحليين وابادتهم كما جرى في الولايات المتحدة أو كندا أو استراليا أو أخضعوا بفعل آليات السيطرة على القهر لدولة المستوطنين، كما جرى في جنوب افريقيا وموزمبيق وروديسيا والكثير من دول المحيط الاطلسي والهادي. الى ذلك فإن النظرة الصهيونية الى السكان العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين عامة هي استمرار لنظرة الاستعمار الاوروبي في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين الى سكان المستعمرات. فقد اعتبرت شعوبها أقل شأنا ويستحقون ان يمارس الاحتقار ضدهم وبشكل علني وان تسند اليهم مهمة القيام بالاعمال الحقيرة في المجتمعات التي يسيطر عليها المستوطنون وثمة فارق بسيط هو ان الصهيونية تتبع منهجا مختلفا هو اقرب الى عقيدتها وينبع من التفوق اليهودي المزعوم من خلال الدعوة الى عزل العرب تمهيدا لاجبارهم على الخروج من الأرض التي يعيشون فوقها، وقد استفزت الممارسات العنصرية للمستوطنين حتى في بدايات المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين حتى ان بعض المتنورين من قادة الحركة الصهيونية أنفسهم مثل احادها عام الذي قال في تقرير كتبه عام 1891 انهم يعاملون العرب بروح العداء والشراسة ويحرمونهم من ممارسة حقوقهم ويوجهون لهم الاهانات ويسيئون اليهم دون مبرر حتى انهم يفاخرون بتلك الأعمال الخسيسة. ويؤكد الباحث الفلسطيني حمد سعيد الموعد انه ثمة وجه آخر للمقارنة بين التجربة الاستيطانية في كل من جنوب افريقيا وفلسطين وذلك فيما يتعلق بالنظرة الى الأرض ففي فلسطين أنشأت المنظمة الصهيونية العالمية الصندوق القومي لليهود عام 1901 ليكون المالك الوحيد للأرض التي تستولي عليها المنظمة اليهودية وهكذا وكلما اتسعت رقعة الاستيطان الصهيوني لا تتناقص مساحة الارض المحددة للعرب فحسب بل وينحصرون في مناطق معينة يصبح فيها من المتعذر عليهم العيش خارجها تماما كما جرى في جنوب افريقيا. إذ استهدف الاستيطان هتاك تجميع السكان الاصليين في بقع محصورة لا يجوز لهم ان يتملكوا أو يعملوا خارجها حيث من اللافت للنظر ان الكيانين الاستيطانيين المذكورين استخدما الاساطير والمقولات المؤسسة المستمدة من التوراة التي تؤيد التفوق العرقي وعدم المساواة بين الأمم والشعوب. وبشكل علمي وعملي يؤدي التشابه في بنيته ووظيفته «التجربتين الاستيطانيتين في جنوب افريقيا وفلسطين الى خلق الأداة نفسها ـ المستوطن الأبيض الذي يؤدي الوظيفة ذاتها ويلعب الدور نفسه حيث الابارتيد في كلا البلدين هو النظام السائد. واستنادا لهذه الرواية يقدم الفصل الأول من الكتاب الجديد تعريفا بالابارتيد كظاهرة متينة والقيام بمقارنات بين أبرز تجليات الابارتيد في الولايات المتحدة وجنوب افريقيا واسرائيل وذلك استنادا الى المبدأ الفكري المعروف «ان الجوهر واحد وتجلياته مختلفة وفي الوقت ذاته فإن تجليات الابارتيد في مكان معين لابد ان تحمل سمات الكل وهذا يشمل وعي الذات عند المستوطنين والنظرة الى السكان الاصليين وطريقة التعامل معهم ودور المؤسسات التشريعية في وضع القوانين والتشريعات اللازمة لذلك». حيث يعتبر الابارتيد ثمرة الاستعمار الاستيطاني القائم على انكار حقوق الشعب غير الاوروبي في المساواة والاستقلال والتقدم من منطلقات عنصرية تعطي للأوروبي حق استغلال الآخرين وتقرير مستقبلهم باعتبار ان الانسان الابيض يمثل «شعب الله المختار» ولا يختلف في مجال فرض الفصل العنصري وتشريع التمييز ضد غير الاوروبيين واعتبار الاقاليم التي يسعى اليها الأوروبيون الى اقامة نظم الاستعمار الاستيطاني عليها مناطق خالية من السكان لا يختلف الاستعمار الاستيطاني في الولايات المتحدة وجنوب افريقيا واسرائيل حيث ترافقت محاولات اقامة «ديمقراطيات الشعب المختار» مع الاصرار على فرض الفصل العنصري والحرمان والقهر على السكان الاصليين واستخدام كل وسائل الاكراه ضدهم. وقد كفلت التشريعات والدساتير والقوانين المعمول بها في انظمة الاستعمار والاستيطان المشار اليها الى اسباغ شكل من أشكال الشرعية الزائفة والمضللة على عمليات القهر والاستغلال والحرمان ولئن كانت اسرائيل آخر مشاريع الاستعمار الاستيطاني فهي أكثرها تعقيدا وخداعا وكل الدلائل والبراهين تكشف ان بنيتها وممارستها لا تختلف عن كل الانظمة العنصرية في العالم وان مشروع الادارة الذاتية أو الحكم الذاتي ليس الا محاولة لاعادة انتاج الاحتلال بشكل رخيص وبرخصة اقليمية ودولية. وفي الفصل الثاني تناول الباحث الموعد وبشكل مفصل استراتيجية الصهيونية للتخلص من الشعب العربي في فلسطين لتحقيق الاكذوبة الكبرى «أرض بلا شعب لشعب بلا ارض» وذلك من خلال الترحيل لانه الوسيلة المثلى لنفي الاخر سياسيا وماديا مستعرضا في البداية تطور فكرة الترحيل في الايديولوجية الصهيونية منذ ما قبل مؤتمر بال في سويسرا عام 1897 الى وقتنا الراهن مسلطاً الضوء على التطبيق العملي لمبدأ الترحيل مشيراً الى تقاسم الادوار بين الاطراف المختلفة في الحركة الصهيونية سابقا وفي اسرائيل لاحقا للتخلص من الفلسطينيين. ولاعطاء البحث القدر الاكبر من المصداقية حاول الباحث استكشاف الموقف الاسرائيلي من مسألة الترحيل في ظل التسويات المحتملة مؤكداً ان للترحيل من الناحية العملية طرائق عدة اهمها واكثرها انسجاماً مع الرؤية الصهيونية الحرب والمجازر. حيث يعتقد الكثيرون في اسرائيل ان ترحيل العرب وطردهم من فلسطين المحتلة الى البلدان المجاورة هو الحل الحقيقي للقضية الفلسطينية ومشكلة الشرق الاوسط او على الاقل جزء من ذلك الحل فقد طالب البروفيسور يوفال نئيمان زعيم حركة هتميا النهضة بطرد نصف مليون عربي من المناطق المحتلة وذلك مقابل قبول اسرائيل بايجاد تسوية وانعى البروفيسور ان على الدول العربية ان تبدي موافقتها على استيعاب اللاجئين وإلا فإنه لا وجود لتسوية. ومن جهة اخرى لا يقتصر طرح موضوع ترحيل الفلسطينيين على الاحزاب والشخصيات السياسية الاسرائيلية في الوقت الراهن كحل للقضية الفلسطينية بل ان موضوع طرد الفلسطينيين ورد في المشروع الذي ناقشته الحكومة الاسرائيلية في ابريل 1989 والذي اعده معهد جافي للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل ابيب تحت عنوان «الضفة الغربية وقطاع غزة: خيارات اسرائيل للسلام». فقد جاء في هذا التقرير اذا ارادت اسرائيل ان تضم الضفة الغربية وغزة وازاء تواجد اكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني في هذه المناطق واذا ارادت اسرائيل ان تبقى دولة يهودية الهوية يجب عليها ان تنكر عليهم اية حقوق في المشاركة السياسية او ترحلهم في نهاية المطاف او ترحل بعضهم من الضفة الغربية وغزة الى الدول العربية المجاورة. اما اذا ارادت اسرائيل تطبيق الخيار الاردني فعلى اسرائيل ان تنشط في الدعاية للفكرة التالية «انه مع مساعدة اقتصادية مناسبة يمكن للاردن ان يتحمل مسئولية اعادة توطينه عددا كبيرا من اللاجئين من الضفة الغربية وغزة» ولم يذكر التقرير ان هؤلاء سيتم ترحيلهم لكن هذا يفهم من سياق النص. ولكن اذا ارادت اسرائيل تطبيق خيار الواقع الراهن اي عدم الانسحاب من الضفة الغربية والقطاع والابقاء على الاحتلال بوضعه الحالي يمكن ان تسعى اسرائيل لشن حرب او تستغل شن حرب عربية ـ اسرائيلية لطرد العرب الفلسطينيين العامل كعامل ردع للعرب مستقبلا. ويرى حمد سعيد الموعد ان ترحيل العرب يعني استمرارا للفكر العنصري الصهيوني الذي يرى في الفلسطينيين «بلاء مذكوراً في التوارة» وليست حركة العرب الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام 1948. حيث تكرس القوانين الاسرائيلية المصلحة الاساسية للصهيونية ونظراتها العنصرية تجاه السكان العرب وموقفها الحقيقي منهم القائم اساساً على رفض الوجود العربي وسعيها الدائم لاقتلاع العرب من ارضهم وطردهم ورغبتها في تكريس الوضع الراهن كحقيقة ثابتة. ومن بين ابرز القوانين التي صدرت لتحقيق تلك الاهداف قانون الجنسية وقانون العودة وقوانين استملاك الاراضي اوقات الطواريء وقانون املاك الغائبين وكذلك قوانين الطواريء، وقوانين الحكم العسكري، وكل هذه القوانين الصهيونية تدحض الادعاء بتوفير المساواة التامة للمواطنين امام القانون والتي وردت في الوثيقة المعروفة باسم بيان تأسيس الدولة عام 1948 والتي جاء فيها«سوف تتضمن المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكل السكان بغض النظر عن الدين والعرق والجنس وتتضمن حرية الاديان وحرية التعبير وحرية الضمير والتعليم والثقافة». وفي الفصل الرابع يتناول الباحث حمد سعيد الموعد واحدة من اهم مظاهر الابارتيد واحدى الآليات لتكريسه والتي قلما درست من هذا المنظور منظور خلق المعازل «الغيتوات او البانتسوستانات» فمن دون الاستيطان والطرق الالتفافية لا يمكن ان تخلق المعارك وتطوق التجمعات العربية وتفصل بعضها عن بعض.. حيث اعتمد الباحث على انه كيف لنا ان فكرة خلق المعازل جزء لا يتجزأ من الايديولوجية الصهيونية وكيف ان حماتها البريطانيين لم يكتفوا بتقديم الارض والحماية للاستيطان الصهيوني بل وفي كثير من الاحيان اختاروا مناطق الاستيطان ورسموا خرائطه ولئن كان جوهر خلق المعازل واحداً فإن آليات تنفيذه في الاراضي المحتلة عام 1948 وفي الاراضي المحتلة عام 1967 مختلفة من ناحية الكم. ويضرب الباحث العديد من الامثلة حول الاستيطان ففي ظل حكومة نتانياهو استمرت سياسة تقاسم الادوار بين المستوطنين والحكومة حيث كشفت الصحف الاسرائيلية في اكتوبر 1996 ان سلطات الاحتلال كثفت وشكلت بؤراً في بعض مستوطنات الضفة الغربية، ويتبع كل بؤرة عدد من المستوطنات التي تشكل فيها بينها قطاعا من الدفاع الاقليمي ويخدم فيها جنود احتياط من سكان المنطقة ويقضون فترة خدمتهم الاحتياطية في حراستها حيث يشرف على كل بؤرة ضابط برتبة قائد سرية او كتيبة في الجيش الاسرائيلي وتحصل هذه البؤر على اسلحتها وذخائرها من الجيش الاسرائيلي ويرتبط المستوطنون الموجودون في الضفة الغربية والعاملون ضمن وحدات الحرس المدني او المنظمات الاستيطانية الاخرى في قيادة الدفاع الاقليمي وقادة وحدات الجيش الاسرائيلي العاملة في الضفة الغربية وهذا يؤكد ان الاعمال التي يقوم بها المستوطنون جزء من نشاطات الجيش الاسرائيلي وفي ظل انتفاضة الاقصى التي اندلعت في سبتمبر 2000، حيث استمرت سياسة تقاسم الادوار بين المستوطنين والجيش الاسرائيلي وانيطت بالمستوطنين عمليات الانتقام وتدمير البيوت وحرق الاشجار والمزروعات بعد ان اكتشفت ان الدمار الذي يجب ان تلحقه بالفلسطينيين لابد ان يكون واسعاً جداً اخذت على عاتقها مهمة تجريف الاراضي والمزروعات وهدم البيوت. وفي الفصل الخامس والاخير من الكتاب الجديد يدرس الباحث حمد سعيد الموعد ما اطلق عليه «اللاسامية المعكوسة» اي متاجرة الصهيونية بالدم اليهودي منذ ما قبل مؤتمر بال مبينا كيف تحالفت الصهيونية مع مرتكبي المجازر ضد اليهود في روسيا القيصرية وايطاليا الفاشية والمانيا النازية، حيث لم يكن الهدف استعراض الاحداث التاريخية رغم اهميتها بل الوصول الى الاستنتاج القائل بأن الاصرار على تكريس ذهنية اوشيفيتس «المحرقة» ينبع من اصرار الصهيونية على تكريس حالة الغيتو لدى اليهودي العادي واحتمال استخدام اللاسامية ضد اليهود انفسهم وخلق مجتمع يقدس القوة ويعبدها لكن تلك القوة قد تكون سببا في تدميره تماماً لما كان مصير الفاشية، والنازية وليس بعيداً اليوم الذي تتشكل فيه جبهة عالمية لمواجهة الفاشية الصهيونية. ورغم احاديث الصهيونية عن النازية والكارثة التي الحقتها باليهود هل يعقل ان تجد من بين الصهاينة من يمتدح النازية؟ ففي كتابه الصادر عام 1972 بعنوان «كل شيء لالمانيا وطنية اليهود الالمان والاشتراكية القومية» يقول البروفيسور شيبس ان الذنب هو ذنب اليهود انفسهم والكثيرون منهم كانوا انصارا بارزين للحركة الشيوعية والاشتراكية. دمشق ـ «بيان الكتب»