بعد سقوط الأسد: “هل نحن متعلقون باليمن وغزة؟”.. ما الذي قصده عراقجي؟

بعد سقوط الأسد: “هل نحن متعلقون باليمن وغزة؟”.. ما الذي قصده عراقجي؟
وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أصبح لديه تفسير مرتب للظروف التي أدت إلى سقوط نظام الأسد. ففي مقابلة مطولة مع التلفزيون الإيراني، قال إن الجيش السوري هو الذي خذل الرئيس. “المتمردون أخذوا في الحسبان المواجهة بين إيران وإسرائيل وانشغال روسيا في أوكرانيا، لكن يبدو أن العامل الرئيسي لنجاحهم الأخير هو أن الجيش السوري لم يصمد”، قال عراقجي. “لو قاتل الجنود لما سقطت حلب. وأقول ذلك بثقة مطلقة. لقد عرفنا عن مؤامرة المتمردين، حتى عن حجم القوات التي تدربت”. وأضاف بأنه تحدث عن ذلك مع الرئيس المعزول بشار الأسد، وأنه هو نفسه تأثر من وضع الجيش السوري وتفاجأ من انعدام الدافعية عنده.
يبدو أن عراقجي لا يبالغ. فالجيش السوري تفكك وهرب في اللحظة التي بدأت فيها المعارك، والأسد كما يبدو عرف بأنه غير مستعد لمواجهة قوات المتمردين – الذين أعدوا أنفسهم لسنوات وتسلحوا استعداداً للحرب مع الجيش السوري. وحتى قادة المتمردين في هيئة تحرير الشام (اتش.تي.اس)، عبروا عن مفاجأتهم باختفاء الجيش السوري، لذلك واصلوا المعركة بيسر. وصلوا إلى دمشق خلال عشرة أيام تقريباً بدون أي مقاومة حقيقية.
حتى إن جنود المتمردين قالوا إنهم وجدوا في المخازن التي سيطروا عليها شاحنات ودبابات فارغة من الوقود، ومدافع أصابها الصدأ وبدون قذائف، وهجراً لمخازن الذخيرة. عندما بدأت المواجهات هرب كبار القادة وأصحاب الرتب المتوسطة، ثم عقبهم الجنود العاديون الذين حاربوا خلال سنين مقابل راتب قليل وشروط خدمة قاسية. قبل بضعة أيام من بداية الحرب الحالية، قرر الأسد رفع رواتب الجنود 50 في المئة، لكنها زيادة لم تكن كافية لبعث الحياة وإثارة الدافعية في أوساط الجنود. بعضهم جُندوا قسراً وأُرسلوا لمواجهة المتمردين المدربين من دون إعداد أو تجربة.
كانت إيران تدرك جيداً ضعف الجيش السوري. ففي السابق، تعرض الأسد إلى انتقاد شديد من قبل قادة كبار في حرس الثورة، وحتى من قبل قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” الذي اغتيل في كانون الثاني 2020، لأن الجيش السوري فاشل. وقال القادة إنه الجيش غير قادر على السيطرة على المناطق التي أعاد احتلالها من المتمردين و”داعش”، وغير قادر أيضاً على مواجهة أعداء من الخارج مثل إسرائيل. ولكن تفسير الوزير الإيراني تنقصها خلية جوهرية واحدة، إذا كانت إيران قد عرفت عن “المؤامرة الصهيونية – الأمريكية” لإسقاط النظام، حسب رأيه، وعن وضع الجيش السوري البائس، فلماذا لم ترسل قوات للمساعدة؟ في مقابلة أخرى، فسر عراقجي بأن سوريا لم تطلب المساعدة، وقال: “لو طلبت سوريا المساعدة لناقشنا الطلب”. ولكنها لم توافق ولم تهب لمساعدته وإنقاذ ذخرها الاستراتيجي الوحيد بعد أن تلقى حزب الله ضربة شديدة على يد إسرائيل، وخرجت حماس من “حلقة النار”.
حتى الآن، لا نعرف إذا كانت إيران قد اتخذت قرار التخلي عن الأسد استراتيجياً وسياسياً. ولكن لا خلاف بأن لدى إيران ضغينة على الرئيس السوري الذي فضل طلب اللجوء إلى روسيا وليس طهران. إضافة إلى ذلك، سوريا لم تساعد إيران في “جبهة المقاومة”، بل ومنعت المليشيات المؤيدة لإيران من العمل من أراضيها ضد إسرائيل؛ وتجاهلت أيضاً الهجمات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي ضد الأهداف الإيرانية؛ وفي دمشق أيضاً تمت تصفية محمد رضا زاهدي، قائد “فيلق القدس” في سوريا ولبنان. ورغم المساعدة التي قدمتها إيران للأسد، فإنها حصلت على مقابل مالي قليل، إلى درجة أن برلمان إيران أسمع انتقاداً شديداً لسياسة مساعدة الأسد “المنكر للجميل”، وعلى الاحتمالية المعدومة في أن تعيد سوريا لإيران الدين الذي يبلغ 30 مليار دولار، الذي يبدو أنه ذهب هباء الآن.
لكن العلاقات مع سوريا لا تقاس بميزان الربح والخسارة، الاقتصادية والعسكرية. خلال سنوات، كانت سوريا الدولة الوحيدة التي منحت إيران موطئ قدم استراتيجياً في الشرق الأوسط العربي (إلى أن انضم إليها العراق بعد إسقاط صدام حسين في 2003). خلافاً لدول أخرى، التي حاولت إيران السيطرة فيها بواسطة منظمات سرية أو “جمعيات خيرية”، في سوريا حصلت على مكانة الشريك، وأيضاً شكلت ممر النقل الحيوي إلى لبنان، الذي سيطرت فيه إيران بواسطة حزب الله.
في فترة السنة والنصف الأخيرة، ظهر شرخ في هذه الشراكة عندما قررت الدول العربية إعادة سوريا إلى الجامعة العربية. ودول عربية رائدة مثل الإمارات ومصر والسعودية، استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق. وبدأ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بحملة مصالحة تمهيداً لاستئناف العلاقات مع الأسد. وإيران نفسها بدأت في بناء لنفسها بديل سياسي عندما قامت بسباق دبلوماسي لاستئناف علاقاتها مع جيرانها، في البداية مع الإمارات وفي السنة الماضية مع السعودية، وحتى إنها قطعت مسافة طويلة لاستئناف علاقاتها مع مصر.
تضع سوريا الآن تحدياً جديداً أمام إيران وامتداداتها، لا سيما أمام حزب الله. وعلى إيران الاعتراف بأن ما كان ليس ما سيكون. في نفس المقابلة مع التلفزيون الإيراني المذكورة آنفاً أحسن عراقجي رسم التغيير والتحديات التي يضعها الوضع في سوريا أمام طهران. وحسب قوله، فإن التطورات الأخيرة “لا تعني أن المقاومة ستتوقف بدون سوريا. هل نحن متعلقون باليمن؟ هل اتصالنا مع غزة مفتوح؟”. عراقجي قصد بأنه لا حاجة إلى وجود تواصل جغرافي بين إيران وامتداداتها، وأن الأمر يتعلق بفكرة. وأوضح أن “المقاومة ستجد طريقها؛ لأن هذا هدف يولد هدفاً يعرض نموذجاً وليس حرباً كلاسيكية. هذه الرحلة لن تتوقف عندما تخرج سوريا من دائرة المقاومة”.
حسب أقوال عراقجي، أصبح خروج سوريا من الحلقة حقيقة، لكنها لا تعني القطيعة الكاملة مع النظام الجديد الذي سيتشكل في دمشق. يبدو أن أبو محمد الجولاني، الإسلامي الراديكالي الذي حارب ضد المليشيات المؤيدة لإيران في سوريا، لا يعتبر شريكاً طبيعياً للنظام الإيراني. ولكن ثمة تحالفات نمت في المنطقة، على الأقل تعاونات “غير طبيعية”، مثل العلاقة التي تطورت بين إيران و”طالبان” في أفغانستان، والمصالحة التي لم تستكمل بعد بين السعودية والحوثيين، أو الاتفاقات المحددة التي وقعت عليها إدارتا ترامب وبايدن مع “طالبان”، والتعاون بين إسرائيل وقطر التي قوت حماس ويخدم الآن جهود إطلاق سراح المخطوفين.
نشرت إيران بأنها بدأت في إقامة علاقات مع “النظام الجديد” في سوريا، أي مع قيادة “هيئة تحرير الشام”، وأن هناك نقاشات حول “المصالح المشتركة”. بالمناسبة، لم ينف الجولاني هذه الاتصالات حتى الآن، ولم يصدر تصريحات نفهم منها نواياه السياسية. في الحقيقة، يصعب الآن التفكير بالمصالح المشتركة أو المصالح التي قد تكون مشتركة بين إيران والنظام الجديد في سوريا. فالنظام لم يخطُ بعد خطواته الأولى، باستثناء تعيين رئيس جديد للحكومة، محمد البشير، الذي كان رئيس “حكومة الإنقاذ” التي أدارت محافظة إدلب من قبل “هيئة تحرير الشام”. ولكن المصالح هي مفهوم ديناميكي، مرن ويرتبط بالفائدة والحاجة. وإذا لم تجد سوريا أي رد على احتياجاتها في أماكن أخرى، فربما تعود إيران هي العنوان.
تسفي برئيل
هآرتس 10/12/2024