مقالات

أخطاء الماضي في المشهد السوري المفجع

أخطاء الماضي في المشهد السوري المفجع

علي محمد فخرو

دعنا نحاول معرفة بعض الأسباب المفصلية التي وقفت وراء التحولات الهائلة السريعة المفاجئة في سوريا، وهي بالطبع تتمة لتحولات مماثلة جرت وتجري في العديد من الأقطار العربية الأخرى.
ترى لو أن سوريا بقيت كجزء من الجمهورية العربية المتحدة، التي تكونت في حينها من مصر وسوريا كبداية، ولم تصل إلى قرار الانفصال من خلال انقلاب قام به بعض من الضباط السوريين المرتشين بأموال أحد الأقطار العربية الغنية وبعض من قادة الأحزاب السورية الفاسدين، أو الجهلة أو البلداء في فهمهم وتقديرهم السياسي… ولو أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لم يستعجل القبول بالانفصال، وإنما أصرّ كما يجب على طرح الانفصال على استفتاء الشعب السوري الوحدوي العروبي… وبالتالي لو أنه لم يجر التلاعب بقيمة وأهمية ومفصلية وأولوية تلك النواة الوحدوية التاريخية، وعلى الأرجح انضّمت لها أقطار عربية أخرى، حتى لو بعد حين، فهل كان باستطاعة الاستعمار الأمريكي وتابعيه، والكيان الصهيوني وتركيا والتكفيريّين أن يمسّوا شعرة من سوريا كجزء من تلك الجمهورية؟ ذاك كان سبباً رئيسياً في شكل أسئلة تشير إلى ضياع فرصة تاريخية كانت ستمنع كل ما جرى مؤخراً في الوطن العربي كله، بما فيه سوريا.

نظام الحكم الجديد في سوريا، يحتاج أن يتجنب سياسات الإقصاء وممارسات الانتقام وهيمنة أخطاء الماضي على الحاضر والمستقبل، فقد تعب شعب سوريا من تحّمل مسؤوليات ونتائج كل ما حدث

أو ترى لو أن سوريا، بعد أن ارتكبت حماقة الخطوة الكارثية الانفصالية تلك، وأصبح يحكمها حزب البعث العربي الاشتراكي، تعلمت من ذلك الدّرس، وفعلت المستحيل لإقامة دولة وحدوية مع القطر العراقي، الذي كان هو الآخر يحكمه حزب البعث العربي، وتغلبت هي والعراق على نرجسية بعض الشخصيات القيادية في البلدين المعرقلة لقيام ذلك الاتحاد… لو أن تلك الفرصة التاريخية الكبرى للرجوع مرة أخرى إلى شعار الوحدة والبدء بتطبيقه لم تضّيعها بلادات المتحاورين غير المتزنين في البلدين، فضاعت إمكانية أن تكون سوريا جزءاً من دولة عربية بسبعين مليون من البشر وبغنى هائل في المياه والزراعة والبترول والغاز، وآمال كبيرة في أن تكون صناعية بكل معنى الكلمة، يحميها جيش كبير مهاب من الأعداء… لو أن تلك الفرصة السّانحة لم تضع عبثاً فهل كان بمقدور الاستعمار الأمريكي وأذنابه والكيان الصهيوني وغيرهم، أن يمسّوا شعرة من أي من العراق أو سوريا، أو أي من تلك الدول العربية القوية؟ ذاك كان سبباً رئيسياً آخر في شكل أسئلة تشير إلى ضياع فرصة تاريخية أخرى.. أو ترى لو أن حزب البعث العربي، الذي كان مفخرة الفكر والنضال السياسي العربي في أول تكوينه، لم يسمح لنفسه شيئاً فشيئاً أن يكون ليس أكثر من واجهة أسمية مظهرية لمجموعات عسكرية جاهلة، أو لأقليات مذهبية أو قبلية أو عائلية منخورة بالنرجسية، تتلاعب بالحزب وتهيمن على قراراته وسلوكياته الإقصائية لكل القوى السياسية الأخرى في القطرين، فهل كان للعراق أن ينتهي إلى ما انتهى إليه من ضعف وتفكك واستباحة، أو كان لسوريا أن تعرض على العالم المشاهد المؤلمة وغير المشرفة التي شاهدناها في الأسبوعين الماضيين، فأحزنت الملايين وأبكت المحبّين لسوريا، وأدخلت اليأس في قلوب شابات وشباب الأمة؟
كان ذلك كله عبثاً بالنضال السياسي العربي الذي لم يسلم قطر عربي واحد من ممارسة نوع أو أكثر من أنواعه المفجعة.. أو ترى لو أن مؤسسات مؤتمر القمة العربية أو الجامعة العربية أو منظمة التضامن العربي الإسلامي لم توضع قدراتها الهائلة على الرف واستعيض عنها بإعطاء كل قطر عربي حق التصرف الوطني الأناني غير المبالي بالالتزامات القومية العروبية، أو الإسلامية المشتركة، فأدى ذلك إلى ضعف وسقم وشلل كل تلك المؤسسات، ولو أنه سمح لها مجتمعة أن تكون حامية لكل قطر عربي ولكل دولة إسلامية ولكل جماعة عربية أو مسلمة، فهل كان الاستعمار الأمريكي وأتباعه والكيان الصهيوني وغيرهم يجرؤون على مسّ شبر من أراضي الكثير من الأقطار العربية، بما فيها سوريا العزيزة، ويحاصرونها سنين طويلة ويدمّرون اقتصادها وكل مصادر معيشة شعبها العربي العظيم، الذي كان ولا يزال يدافع عن كل شعب من شعوب هذه الأمة ويضحّي بالكثير من أجلها؟
كان ذكر كل ذلك التاريخ المؤلم المأساوي من أجل أخذ الدروس والعبر، لا من قبل سوريا لوحدها، ولكن من قبل الجميع، وعلى الأخص من قبل نظام الحكم الجديد في سوريا، الذي يحتاج أن يتجنب سياسات الإقصاء الكارثية وممارسات الانتقام العبثية وهيمنة أخطاء الماضي على الحاضر والمستقبل، فقد تعب شعب سوريا العروبي المضحّي العظيم من تحّمل مسؤوليات ونتائج كل ما حدث، وأن يعود إلى السير في الدروب التاريخية الرائعة التي عرف بعدم الخوف من اقتحامها بشجاعة واقتدار.
كاتب بحريني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب