بعد 12 عاماً من العزلة: دمشق تقترب من العودة إلى «الحاضنة العربية»

بعد 12 عاماً من العزلة: دمشق تقترب من العودة إلى «الحاضنة العربية»
باريس – دمشق –: بعد 12 عاماً من العزلة الدبلوماسية ومن حرب مستمرّة، تقترب سوريا من العودة إلى الحاضنة العربية عبر السعودية التي نظمت اجتماعاً إقليمياً الجمعة بحث إعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية.
ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2011، علّقت جامعة الدول العربية (18 عضواً من أصل 22) مشاركة سوريا في اجتماعاتها بعدما رفضت دمشق وضع حدّ لحملة القمع العنيف للاحتجاجات الشعبية التي بدأت في آذار/مارس 2011.
وانتقد الائتلاف الوطني السوري عودة العلاقات السياسية بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري، ودعاها إلى مراجعة الموقف من النظام السوري، منبهاً من أن آلية الوصول إلى حل للمشكلات الإنسانية والسياسية في سوريا، تبدأ بمحاسبة نظام الأسد، على اعتباره الراعي الأول للميليشيات الأجنبية والطائفية، المسؤول الرئيس عن تصنيع وتصدير المخدرات إلى العالم، يجري ذلك.
كما ندد الجيش الوطني السوري بمسار عودة العلاقات السياسية العربية مع النظام السوري، معتبراً أن أي إعادة تدوير وإحياء للمنظومة الإجرامية في سوريا من شأنها تشجيعها على الاستمرار في سياسة القتل والاعتقال، مؤكداً أنه ماضٍ في الدفاع عن الشعب السوري حتى تحقيق أهداف الثورة السورية.
وفرضت الجامعة العربية على سوريا عقوبات اقتصادية، بما في ذلك تجميد المعاملات التجارية معها ووقف الرحلات الجوية منها وإليها.
وجاءت هذه العقوبات بعد أشهر من إجراءات اقتصادية أمريكية وأوروبية ضدّ قادة سوريين ومصالح اقتصادية سورية، فضلاً عن إدانات من جانب الأمم المتحدة. في شباط/فبراير 2012، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، سلطنة عمان، السعودية والإمارات) سحب سفرائها من سوريا. في العام 2013، شغلت المعارضة السورية مقعد سوريا خلال قمة الجامعة العربية.
تهدئة سعودية
في 12 نيسان/أبريل 2023، أجرى وزير الخارجية السوري زيارة مفاجئة إلى المملكة العربية السعودية، هي الأولى منذ بداية الحرب في بلاده. ويندرج اجتماع تسع دول عربية في جدّة أمس لبحث الموضوع السوري، في إطار رغبة الرياض في التهدئة مع طهران الداعمة لدمشق. في آذار/مارس، توصّلت السعودية وإيران إلى اتفاق بشأن استئناف العلاقات. وجاء ذلك فيما تسعى الرياض إلى الخروج من الحرب الأهلية في اليمن، التي تشارك فيها الرياض وطهران، إمّا مباشرة أو بالواسطة.
حوار ما بعد الزلزال
يعدّ الزلزال الذي وقع في السادس من شباط/فبراير 2023 ودمّر مناطق شاسعة في تركيا وسوريا، سبباً آخر سمح للرئيس السوري بشار الأسد باستئناف الاتصالات مع الدول العربية التي أرسلت مساعدات إنسانية إلى دمشق. فقد هبطت طائرة مساعدات سعودية في شباط/فبراير في حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، لتكون بذلك أول طائرة سعودية تصل إلى سوريا منذ بداية الحرب. كذلك، اتصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره السوري، في محادثة هي الأولى بين رئيسي البلدين منذ 12 عاماً، رغم أنّ العلاقات لم تنقطع تماماً بين القاهرة ودمشق. في نهاية شباط/فبراير، أُوفِد وزير الخارجية المصري إلى دمشق في زيارة “إنسانية”.
بعد الزلزال، استقبل الرئيس السوري وزير خارجية الأردن، البلد الذي حافظ على علاقات فاترة مع سوريا خلال الحرب. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021، اتّصل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالرئيس السوري.
منذ نهاية العام 2018، أعادت دولة الإمارات فتح سفارتها في دمشق. كما زار الأسد الإمارات في آذار/مارس 2022، في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ الحرب.
وخلال استقباله الأسد في آذار/مارس 2023، اعتبر الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان أنّه حان الوقت كي تعود دمشق إلى الحاضنة العربية. في غضون ذلك، أجرى البلدان مناقشات بشأن استئناف تقديم خدماتهما القنصلية. في 12 نيسان/أبريل 2023، أعلنت سوريا وتونس نيّتهما استئناف العلاقات الدبلوماسية. وكانت تونس قد عيّنت ممثّلاً قنصلياً في دمشق منذ العام 2015.
وزار الأسد في شباط/فبراير 2023 سلطنة عُمان، للمرة الأولى خلال 12 عاماً من الحرب. وكانت السلطنة الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقات دبلوماسية رسمية مع سوريا.
لقاء تركي – سوري
وفي نهاية كانون الأول/ديسمبر 2022، التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري مع نظيرهما الروسي في اجتماع ثلاثي في موسكو. وكان هذا أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين أنقرة ودمشق منذ بداية الحرب، الأمر الذي سبّب استياءً للأكراد في الشمال السوري ولحليفتهم واشنطن. غير أنّ الأسد يعتبر أنّ التقارب مع تركيا يتطلّب “نهاية الاحتلال” التركي للأراضي السورية.
وقال “الجيش الوطني” السوري – أكبر تشكيل عسكري معارض – في بيان رسمي “إن الجيش الوطني السوري يرفض ويدين أي خطوات تطبيع مع النظام المجرم ويعتبر أن أي إعادة تدوير وإحياء للمنظومة الإجرامية في سوريا من شأنها تشجيع النظام على الاستمرار بسياسة القتل والاعتقال والتهجير بحق الأبرياء من أبناء الشعب السوري”.
واعتبر الائتلاف السوري المعارض، في بيان له أمس، أن استقبال المملكة العربية السعودية لوزير خارجية نظام الأسد، الذي ارتكب آلاف المجازر بحق الشعب السوري، يزيد من تعقيد العملية السياسية.
وأضاف البيان أن نظام الأسد “لم ينخرط جدياً في أي عملية سياسية متعلقة بالملف السوري، وإنما عمد إلى المماطلة والعرقلة في كل خطوة باتجاه تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بسوريا وعلى رأسها القرار 2254؛ بهدف الوصول إلى لحظة الشرعنة وإعادة التعويم”.
واعتمد نظام الأسد وفق ابيان “منهج الإجرام والإرهاب في قمع الشعب السوري المطالب بالحرية منذ 12 عاماً، وارتكب أفظع الجرائم على مرّ التاريخ باستخدام السلاح الكيميائي على أحياء سكنية والبراميل المتفجرة وعشرات الأسلحة المحرمة دولياً، وهذا ما يستدعي من الدول العربية ومن المجتمع الدولي العمل الجاد والحقيقي لمحاسبته والضغط عليه بكل الطرق لتطبيق العملية السياسية، وعدم تناسي جرائمه”.