الاتحاد التونسي للشغل.. أزمة داخلية وتباينات سياسية
الاتحاد التونسي للشغل.. أزمة داخلية وتباينات سياسية
تونس: أجمع نقابيون وخبراء على أن الاتحاد العام التونسي للشغل يمر بأزمة داخلية حادة أربكته وجعلت صوته خافتا جدا في الدفاع عن مصالح العمال.
وتطرق النقابيون والخبراء في أحاديث مع الأناضول إلى أهمية دور الاتحاد (أكبر منظمة نقابية تأسست عام 1946) كقوة اجتماعية تعديلية في مواجهة أي تجاوزات تمس حقوق العمال والحريات والديمقراطية في تونس.
وقبل أيام، دعا القيادي في الاتحاد أنور بن قدور إلى عقد مؤتمر استثنائي للاتحاد في الربع الأول من العام المقبل، بينما الموعد العادي لمؤتمره القادم في فبراير/ شباط 2027.
واعتبر بن قدور أن “الحد الأدنى للعمل المشترك بين أعضاء المكتب التنفيذي (للاتحاد)، بما يقتضيه من انسجام وثقة وتجالس واحترام متبادل لضمان وحدته واستمرار عمله، لم يعد متوفرا”.
وتدعو مجموعة نقابية منذ أشهر لرحيل المكتب التنفيذي، بقيادة نور الدين الطبوبي، الموجود منذ مؤتمر 2017 وجُدد له بمؤتمر صفاقس 2023.
انقسام وتجاذبات
الباحث في التاريخ والنقابي السابق بالتعليم الثانوي عبد الرحمن الهذلي قال إن “الأزمة تعود إلى مؤتمر مدينة طبرقة (2010/ شمال) لما صار تغيير النظام الأساسي للاتحاد بتحديد دورات المكتب التنفيذي بدورتين”.
واستدرك: “في الدورة الأخيرة للطبوبي صار مؤتمر استثنائي بسوسة (2021) وجرى تغيير الفصل الـ20 بالنظام الأساسي وتجاوز تحديد الدورتين للمكتب التنفيذي، ما خلق أزمة، فهناك تيار آخر اعتبر ما حدث تلاعبا”.
واعتبر أن “نقطة ضعف الاتحاد هي التجاذبات الداخلية، عبر انقسام بين تيار يريد المحافظة على دور الاتحاد وأطراف شريكة في مسار 25 يوليو (تموز 2021) تريد أن تجعل الاتحاد تابعا للسلطة”.
وهذا المسار فرضه الرئيس التونسي قيس سعيد بإجراءات استثنائية شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور الثورة (أُنجز عام 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد “تصحيحا لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
الهذلي تابع: “بين 2011 و2021 الأغلبية الفاعلة داخل الاتحاد كانت ضد المسار السياسي (آنذاك)، والآن تطلب منه العودة إلى دوره القديم بجانب السلطة، بينما أطراف أخرى ترى أنه أخذ صورة كمدافع عن الشعب ومصالحه”.
و”هذا الاختلاف فتح بابا أمام السلطة للدخول من الشقوق وإضعاف الاتحاد، والسلطة تعمل عبر عناصر في مكتبه التنفيذي على تغذية الصراع ليكتفي الاتحاد بمشاكله الداخلية”، وفق الهذلي.
وأردف: “في هذا المرحلة الاتحاد غارق. يبحث عن مخرج، فلديه مشكل مع القواعد التي تشتكي غلاء المعيشية وتجميد الأجور، لكن وضعه الداخلي غير سليم للتحرك لذلك يكتفي بالخطابات”.
أزمة هيكلية
وفق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية مهدي مبروك فإن “دعوة بن قدور مؤشر مهم على استفحال الأزمة الداخلية في هياكل الاتحاد والهيئة الإدارية والمجلس الوطني والمكتب التنفيذي”.
وقال مبروك: “منذ أسابيع طويلة أخفقت كل محاولات عقد اجتماع للمكتب التنفيذي لأسباب عديدة، فأعضاء المكتب يقاطعون الاجتماعات”.
وأضاف أنها “أزمة هيكلية تشق جميع الهيئات القيادية، وليست هناك مطالب واضحة لمقاطعة الاجتماعات، لكن هناك مواقف متعددة لحل الأزمة”.
“هناك مَن يدعو للقيام بنقد ذاتي وأن المكتب التنفيذي وقع في مطبات منها الفصل 20 (الخاص بعدد دورات المكتب التنفيذي) والموقف من النظام”، كما زاد مبروك.
وأردف: “وهناك مَن يدعو لإعادة طرح الموقف من السلطة عبر فتح باب الحوار الاجتماعي والسياسي، وربما الذهاب إلى تباين واسع مع السلطة”.
واعتبر أن “الأزمة واضحة، خاصة وأن الرئيس (سعيد) لا يؤمن بالأجسام الوسيطة (وبينها الأحزاب والنقابات) ولم يعد ممكنا الحديث عن حوار، فهو يعتقد نفسه في موقف قوي ويقوم مقام الاتحاد في احتضان قضايا العمال والمهمشين”.
وقال إن “الاتحاد الآن ضحية لمواقف انتهازية وتغول خلال العشرية الماضية (..) هي أزمة مكانة تبددت وانتقل إلى موقع ضعيف فيه إذلال وتهميش أمام السلطة السياسية”.
وحول ما إذا كان الاتحاد فقد أسباب وجوده، أجاب مبروك بأنه “لا يمكن لبلد أن يناضل لاستعادة الديمقراطية وعافية المجتمع المدني دون وجود الاتحاد وجمعيات تدافع عن حقوق الإنسان ودون قضاء مستقل”.
ورأى أن “مكانة الاتحاد ستظل شاغرة وسيكون هناك فراغا رهيبا لو انعزل أكثر مما هو الآن. ويستعيد الاتحاد مكانته بأمرين، أولا فض الأزمة الداخلية ووضع حد لكل أشكال التحايل على القانون (نظامه الداخلي)”.
و”ثانيا تحديد حيّز وطني لمشاركة الاتحاد في المسألة الوطنية، لابد من تحديد مكانة الاتحاد فيما يتعلق بالمسألة الديمقراطية”، حسب مبروك.
الاتحاد والسلطة
أما عضو الاتحاد الجهوي للشغل بالعاصمة سابقا رشيد النجار فقال إن “الأزمات التي صنعتها السلطة عاد بعدها الاتحاد إلى قوته، أما الأزمة الحالية فخطيرة وخانقة لأنها داخل البيت”.
وتابع: “5 أعضاء بالمكتب التنفيذي، أنور بن قدور ومنعم عميرة والطاهر البرباري وصلاح الدين السالمي وعثمان الجلولي، عقدوا اجتماعا ولا يحضرون الاجتماعات الرسمية، ولو تم استعمال القانون الداخلي لتمت إقالتهم، ولكن الطبوبي لا يريد ذلك”.
وأضاف: “بالنسبة للسلطة لم نر أنها تدخلت في الأزمة مباشرة لكن سياستها لا تتماشى مع ما يطلبه الاتحاد، فهو يطالب بمفاوضات اجتماعية، ولكن السلطة لا تستمع إليه”.
النجار أقر بأن “أصل الأزمة هو تعديل الفصل 20 الذي اعتبره الطبوبي ضرورة، واعتبر أن أشغال المجلس الوطني (سبتمبر/ أيلول الماضي) انتهت، بينما يعتبر 5 أعضاء بالمكتب التنفيذي أنها لم تنته ويطالبون بمؤتمر استثنائي”.
واعتبر أن “الاتحاد أخطأ مع حكومة (الرئيس الراحل الباجي قائد) السبسي (مارس/ آذار 2011 – ديسمبر / كانون الأول 2011) عندما قبل دخول السياسة وإبداء رأيه في تعيين الوزراء”.
واستطرد: “ثم كبر حجم الاتحاد بالحصول على جائزة نوبل للسلام لدوره في حل الأزمة السياسية بتونس عام 2013، وربما هذا الدور الكبير للاتحاد أوحى للطبوبي بضرورة البقاء على رأس المنظمة”.
واستبعد النجار أن تضر الأزمة بوجود الاتحاد قائلا إن “الاتحاد له تاريخ وإرث كبير في النضال الاجتماعي”.
وختم بأن “المعارضة النقابية، بقيادة الطيب بوعايشة (نقابي يساري سابق)، تريد التواجد، وهي بارعة في كتابة البيانات، ولكن غير قادرة على التعبئة.. أرى أن تعود الأمور إلى نصابها، ولا جدوى من تدخل الأحزاب في الأزمة الراهنة”.
(الأناضول)